عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الأحد، 27 فبراير 2011

على هامش فقرات من لوموند دبلوماتيك الأمير هشام العلوي يكتب عن تونس قبل زلزال القاهرة الذي أسقط مبارك


منطلقا من كلمة عمرو موسى (الروح العربية مُحَطَّمَةٌ جراء الفقر والبطالة) في مؤتمر شرم الشيخ ومعتبراً من درس تونس كتب الأمير العلوي عن سقوط نظام "كليبتوكراتي"، أي مُؤَسَّس على السرقة والرشوة، ومنغلق، لتكلسه الفئوي الشديد.
السلطة تمثلت في "أسرة" جعلت المجتمع التونسي في سلة واحدة. وفداء شاب يائس لديه باكالوريا يبيع الفواكه والخضراوات على عربته أشعل انتفاضة ضد أحد أبرز الأنظمة الأكثر سلطوية في الوطن العربي. وفي الإقليم الذي لا ينقصه الديكتاتوريون. الحركة البطولية لهذا الشعب العظيم نموذج يحتذى، يقول الأمير، العضو في المجلس الاستشاري (هيومان رايتس ووتس) والباحث في (فريمان سبوغلي) التابع لجامعة ستانفورد (كاليفورنيا) وابن عم الملك المغربي.
الشعب التونسي توحد ضد الديكتاتور زين العابدين بن علي عبر الانترنت وسيلة التواصل التي ظهرت في الحركة الخضراء في إيران، وفي أقل من شهر أزاحت "الانتفاضة" الديكتاتورية.
الأمير استخدم لفظ révolte القريب من لفظ انتفاضة، ولم يستعمل لفظ révolution : الثورة لوصف حركة الشعب التونسي ضد قائده السابق (بن علي). لقد ظهر في البلد ما يدعوه : "ضعفا أساسيا" يتمثل في "غياب القائد والبرنامج السياسي" أو القدرة على تحمل مسؤولية المجتمع بعد الانقلاب على الرئيس".
هذا البلد الذي يعرف مستوى تربويا تعليميا عاليا مقارنة مع باقي الدول العربية لا يمارس فيه الإسلاميون أي هيمنة. ودخول الإسلاميين المعتدلين (النهضة) إلى اللعبة الديمقراطية يزيد من تهميش الإسلاميين الجذريين.
شعور اللايقين يسود بعد هروب بن علي لغياب "نخبة سياسية مستقلة" قادرة على إدارة الانتقال نحو نظام ديمقراطي. إنه الخوف من الفراغ "chaos" (بتعبيره) وهذا الاصطلاح فرنسي وإنجليزي يقصد معنى "الفراغ" تحديداً أو الخواء أو اضطراب العناصر قبل تَكَوُّنِ مشهد آخر، وقد يفسره (اليميني) بأنه الفوضى أو التشوش الكامل للاستقرار.
واستخدام الأمير لهذه الكلمة يعتبره البعض رغبة منه في مستوى من الاستقرار، أي نصف ثورة.
الأمير يريد انتفاضة وليس ثورة، ويخاف "الفراغ". ويعتمد على القدرة المجتمعية ذاتية التدبير، وعلى الواقعية السياسية في إنتاج بنيات سياسية يمكن أن تنهض متسائلا :
في مقاربة أول انتخابات مؤسِّسة، هل نجد الزعماء الجدد يطرحون الخوف من الإسلاميين (الإسلاموية) Islamisme لربح الحكومات الغربية. مما يطرح مشكل "السيادة الشعبية" ؟
ويضيف : النظام الانتقالي يستطيع أن يحافظ على بعض الاستقرار مع statu quo أو (الوضع الموجود) ؟
وفي تنظيم الانتخابات في أجل قريب يمكن للجماعات و "النخب" التي لم يكن معترف بها أن تتقوى أوزانها.
الخطاطة كلاسيكية. نلاحظها في بداية التسعينات في بلغاريا ورومانيا حيث النظام القديم يتخلى عن بعض من نخبته لإعطاء صورة جديدة.
تحرك تونس في يناير أعطى أملاً لباقي الشعوب العربية (الجزائر، مصر، الأردن، المغرب، سوريا، وفلسطين) وأجيال جديدة تعبت من الأنظمة المتسلطة وتأمل في تجاوزها.
التجربة التونسية لا يمكن أن يعاد إنتاجها بشكل متطابق في باقي العالم العربي.
في تونس، كان الجيش بعيداً عن الاستخبارات وعمل الشرطة وأجورهم أقل باستثناء الحرس الجمهوري. هذه الأجهزة تخنق "الانتفاضات" وأعمال العصيان في البيضة. ويجهلون كيف انطلقت انتفاضات أقل تنظيماً وانتشرت في فئات عديدة. الأمير طرح نصيحته في فقرته التالية : ترك جزء من السلطة للاستمرار.
التحالفات الأولغارشيةفي نظرهلها قاعدة أوسع من الديكتاتوريات الشخصية، مقارنة مع تونس، السلطات المغربية وفي الجزائر أعطت ولادة شبكات مرتبطة معها، هي أكثر توسعاً وتعقيداً للمصالح. ولنبقى في المغرب، لم يستهدف الشعب الملكية إلى حدود الآن، لكن لغياب الآفاق عبر لعبة سياسية متوقفة وآلة أمنية وشبكات زبونية طاحنة يمكن أن يجد الشباب المحبط حافزاً لانتفاضة يمكن أن تكون وتصبح جذرية لتعقيدات البلد، خصوصا على صعيد الدعوات (النَّعرات) الإثنية التي تتعدد وتتعمق مع "مسار" اندماجي أقل تقدما.
في كل هذه البلاد النموذج التنموي أقل حركية، وغير عادل في العمق، وزبائنيته واضحة في جهاز الدولة، وتأطير العضلات للشعب في غياب انفتاح على الساحة السياسية، يجعل الأنظمة قوية لضعف مجتمعاتها المدنية.
في الحالة التونسية، الثمرة أينعت فسقطت سلطة بن علي الأكثر صلابة واستقراراً في الإقليم. الثقب لم يكن منظوراً، وما نتج عنه كان غير مفكر فيه.
باقي الأنظمة ليست هشة، وسهولة سقوط الديكتاتور بن علي أمام قفزات الشباب نحوه يؤكد عدم قدرة الأجهزة ضد الحركات "العفوية".
تأثير الحركة التونسية على باقي العالم العربي سيكون متعلقاً بمدى قدرتها دمقرطة البلد. إن تنظمت هذه الديمقراطية يمكن أن تجد تأثيرها في باقي بلاد المغرب العربي. وهناك سيناريوهان: إما أن الأنظمة العربية تستمع إلى شعوبها وتبدأ بالانفتاح السياسي، أو أنها تحتفظ بأي ثمن بسلطاتها دون أن تترك شيئا لصالح المشاركة السياسية للمواطنين.
الطريق، بعد مصر، والذي لم يناقشه الأمير يتجه نحو الاصطدام، رأس الشعب برأس النظام (كما حدث بمصر حيث عناد رأس مبارك انتهى بتنحيه)، فالمواجهة (الرأسية) المباشرة تقود إلى الإطاحة بالنظام، لذلك أمام الآمال المحبوسة للشعب لابد أن ينفتح النظام بشكل واضح. إذن التغيير المتدرجحسب مولاي هشام - لن يكون سوى بنخبة سياسية لا تضحي بالاستقرار ولا بالدعوى الاستعجالية نحو الديمقراطية (أو الدمقرطة العاجلة).
وقدرة النظام تتجلى في إعطاء السلطة لهذه النخبة للوصول إلى الهدف وإنجاح الانفتاح.
ويبقى حل الانغلاق السياسي واضحاً، والأنظمة السلطوية العربية تبحث عن "تحييد" الأسباب المباشرة للانتفاضة من دعم المواد الأساسية، واعتماداً على كفاءة أجهزتهم الأمنية والاستخبارية.
النموذج التونسي عرف فشله بدخول أسلوب آخر في التواصل (الانترنت)، وعدم التعاون بين أجهزة النظام (الشرطة، الاستخبارات العامة والجيش). وأخذاً بالنموذج الإيراني للقضاء على الحركات المجتمعية، الأنظمة العربية تخترق الانترنت وتجعله بعيداً عن اللعبة.
في جمهورية الملالي يتم خنق الانتفاضات المدينية بتقسيم الأحياء ويمكن أن يكون التدخل محليا على هذا الأساس. والخلاصة، حسب هذه الحالة، هناك "تحديث" و "توسيع" لأجهزة الضغط.
هذه المسكنات لن تفيد "أساليب أخرى" من الحركة الجماعية في الحركات الاجتماعية القادمة. الثورة الخضراء في إيران إن أثارت تعاطف الغرب، ففرنسا بقيت إلى آخر لحظة وفية لبن علي، وواشطن دعمت ثورة تونس بالكلمات في عالم عربي يرى الديكتاتورية امتداداً للاستعمار والامبريالية.
لخوفه من الإسلاموية أو الخوف على المصالح لا يدعم هذه الموجة الديمقراطية، وعليه لن يكون الغرب محايداً وبرؤية إيجابية (اتجاه ما يحدث).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق