عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الأحد، 27 فبراير 2011

ثورة مصر تصدم الغرب وترفع التوقعات قانون جديد : لابد من تثوير النظام أو الثورة عليه


عندما قال كارتر الخطوة التالية في مصر انتخابات موثوق بها) ولم يستعمل لفظ حرة ونزيهة، أتى الجيش ليعمق مطالب ثورة أحرار 25 يناير ويعلن قبل الانتخابات دستوراً جديداً للجمهورية الثانية ويحل البرلمان وتقطع القاهرة مع المرحلة السابقة نهائيا.
الجيش آمن بالخطوات الجذرية لثورة مصر 2011، وقرر أن يديرها بالشرعية الثورية والشعبية ماسحاً كل الشرعيات الأخرى، هل لمزيد من الوقت وتطويل المرحلة الانتقالية، أم أن الجيش قطع مع ما سبق ليفاجئ الجار الإسرائيلي والصديق الأمريكي إلى حد بعيد.
الجيش يضمن اتفاقية كامب ديفيد ويجعلها تاريخية من مرحلة سابقة، أو سيناقشها برلمان الجمهورية الثانية مجدداً بما يضمن تعديلها لتكتمل السيادة المصرية على سيناء، وترفض القاهرةمن الآن - تحديد قدرات الجيش فيها، وكل المعيقات المخلة بالسيادة على الأراضي المصرية. لم يعد الجيش قادراً على تقبل كل البنود المخلة بالسيادة في سيناء من خلال المناورة : حرب غزة أو الجدار الحديدي. يريد الجيش أن يمارس سيادة على أراضيه من خلال دعم الشعب ومؤسساته.
السيادة الكاملة على سيناء سيضمنها البرلمان الجديد باسم الشعب ومؤسساته غير المطعون فيها.
المؤسسات المنتخبة درع يقي الجيش، الأرض، والأمة، ويمكِّن من رفض التأثير الأجنبي. أمن الأمة يخدم أمن الدولة، وليس هناك في التاريخ أمن دولة احتوى أمن الأمة إلا إن انتقلت الدولة إلى مرحلة الإمبراطورية.
مصر النصر مزجت ثورتين لانطلاق جمهورية ثانية : ثورة يوليو قطعت مع الملكيين، وثورة يناير 2011 قطعت مع تحزيب الثورة والمجتمع الأمني ودولة الفساد.
المثال التركي يستسيغه تينيت في دعم الجيش للديمقراطية، فالعسكر يحرس الدولة والديمقراطية معاً، بمعنى أن الجندي حارس أول للمؤسسات. وهذا ما يجب أن يتعمم في كل الشرق الأوسط، مدير CIA انتقل من تركيا إلى المغربحسب مصادر إعلاميةوتوصيته تدعو بعد أحداث مصر إلى "تثوير الأنظمة في الدول الشرق أوسطية" وبلفظ أقرب للإنجليزية تدوير جديد للسلطات التقليدية عبر هذه الفئات الشابة لاستيعاب المنطقة، وانتقال سلس في السعودية. ولهذا قام تينيت أصلا بزيارة المغرب للقاء مسؤول سعودي هام، لأن الملك السعودي لا يزال يقضي فترة نقاهته في المغرب.
المواجهة مع ثورة الشارع الممكنة والافتراضيةعند كل المتابعينقد تنطلق في كل لحظة لتصنع قيادتها في الميدان. المسألة الجديدة : أن المطالب معروفة والمطالبين غير معروفين. النظام في هذه الحالة إما أن يثور على نفسه لتحقيق هذه المتطلبات أو ينتظر الثورة.
التشبيب في المغرب لم يَعْنِ شيئا سوى نقل نفس السلطة من جيل إلى آخر، والتثوير يعني القطع مع عهد سابق والانتقال إلى ملكية ثانية.
المحافظون الجدد قتلوا هذا الحلم ولا يزالون يستبعدونه ويرون النظام قاصراً أو الشعب قاصراً، وفي الحالتين يخطئ المغاربة في حق أنفسهم.
الأحكام التي تقول إن النظام الملكي غير قادر على تحقيق الإصلاحات المطلوبة "غير منصفة" إلا إن بقيت سياساته على ما هي عليه اليوم. وقول إن الشعب المغربي قاصر أو مختلف أو أقل من مصر أو تونس فيه إهانة لشعبنا العظيم، هناك فرصة ذهبية لثورة جديدة بين الملك والشعب، والمخيف أن يفكر كل جانب دون أن ينتبه إلى الآخر.
التشبيب فشل، وتثوير آليات العمل والحرب على الفساد يغني كل نظام على خسارة أموال جديدة على الأمن لحراسته من اندلاع الشارع.
قال الحبيب المالكي القريب من الشباب في وقت من الأوقات، الشارع يصبح وسيلة التغيير عندما تتعطل المؤسسات، ونضيف : وعندما تقل فعاليتها وشفافيتها والثقة بها.
العالم العربي دخل مرحلة تثوير لآليات حكمه بعد نجاح ثورة مصر في حلِّ كل المؤسسات. الثورة في تونس قطعت رأس النظام، وتدير نفسها باتجاه انتخابات شفافة، حرة ونزيهة، لكن النقاش في مصر يتجه نحو دستور جديد وجمهورية ثانية.
المغرب مرّ بفرصة ذهبية بعد وفاة الحسن الثاني لإعلان ملكية ثانية تغنيه اليوم عن أي توجس، بل يكون النموذج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن العهد الجديد فضل الارتكاس والخطوات الصغيرة إلى حد بعيد.
التثوير لم يعد له معنى اشتراكياً كما أن الثورة الشعبية في مصر 2011 لم تعد مرتبطة بالحس الشيوعيكما لاحظناه في وقت سابق في كتاب Laqueur الصادر سنة ثورة عبد الناصر 1956 والمعنون communism and nationalism in middle east.
ثورة الشباب وطنية حرة وضد الفساد ومع المطالب الليبرالية المتعارف على حقوقها دوليا. فالمعنى الأيديولوجي انتهى نحو قناعة تقول إن الوطنية وكل القيم الإنسانية دين بحد ذاته ليس بمعنى كتاب Hayes، لكن بمعنى أن يتمتع فيه المواطن بإنسانيته وحريته إلى حدٍّ بعيد.
لا مجال هنا إلا أن نذكر بإجلال الدكتور المهدي المنجرة الذي قال بالانتفاضة معنى سوسيولوجيا واستراتيجيا لحركة الأجيال القادمة. فهل في بلد المنجرة الذي استشرف هذه الانتفاضات لن تكون انتفاضة ؟
الواقع أن المنجرة وغيره انطلقوا من انتفاضة متوقعة في بلدهم المغرب قبل أن يعمموا تنظيرهم على باقي الدول العربية، وأرى أن (الأمن الاجتماعي) في العشرية الأخيرة يتجه نحو الباب المسدود وإن ورث السلم الاجتماعي من خلال :
الحركات والاحتجاجات القطاعية لاستنزاف الحركة النقابية حتى تبتعد المركزيات عن الدعوة إلى إضراب عام.
محاولة فصل النقابات عن الأحزاب بدءاً من الأموي والاتحاد الاشتراكي وما يقع حالياً في نقابة حزب العدالة والتنمية.
الاختراقات الأمنية لكل التشكيلات النقابية في خطة جديدة.
وغيرها من الإجراءات، وفي كل الأحوال فإن أحداً لم يكن يعول على انتفاضة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي عندما قرروا حريتهم بعد أن حققوا مستوى تعليميا عالياً واستيعابا كبيراً لقيم العصر. ورابين يقول في وثيقة له: عندما يحكم عرفات الضفة سيشوه أي ثورة شعبية بالسلاح أو النفاق.
إسرائيل رفضت بعد الانتفاضة حكم الفلسطينيين وقبلت اتفاقاً مع منظمة التحرير الفلسطينية كي لا تتجه حركة الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين إلى أراضي 1948 (ما دعته الوثيقة : الأراضي الوجودية لدولة إسرائيل).
الانتفاضة تكون مدنية، شبابية في لحظة التعليم العالي ورفض عقدة التخلف أمام الآخر. والتمكن أن ينتقل إلى أرضك ما حققه الآخرون. ببساطة لأنك لست أقل منهم. سيكولوجيا الجماهير نقلت ثورة تونس إلى مصر، والمصريون أداروها بعصين : رمزية (ميدان التحرير) والنخبة التي زارته أو شاركت فيه. لقد خلق التحرك الشعبي انقساماً بين من يؤيد النظام، ومن يدعو إلى إسقاطه.
الثورة الشبابية تجذرت كلما رفض النظام المطالب الأولى، وكرة الثلج هذه أسست ما يسمى الانتقال من الإنسان الاجتماعي إلى السياسي من خلال "القواعد الاجتماعية" وهي كما حددها تماما، كسايمور ليبسيت S. Lipset في كتاب له صدر في 1956، ولا يزال من الكتب المرجعية في السياسة.
الدعوة إلى الديمقراطية دعوة اجتماعية نحو المساواة قبل أن تتحول إلى بنيات "لضمان حركة الشارع" التي أفرزت إسقاط نظام وتبديله بآخر.
الدعوة تبدأ بالحرية قبل أن تؤسسها، فتصبح لأول مرة رمزاً بدأ بميدان التحرير في مصر بد 7000 سنة من الحكم، وسيكون تأسيساً آخر يبدأ من "الدسترة" في أجواء جديدة، ثم دستور يحدد المؤسسات والأعراف والتاريخ الخاص والخبرة ووعي المواطن.
بداية جديدة في 2011 ليس لثورة، إنما لقطيعة مع ثورة خلت، وجمهورية أولى وعمل آخر المؤسسون بعد 25 يناير الماضي، وقرارات المجلس الأعلى للقوات المصرية في بيانه 4.
في الملكيات كلمة تثوير غير مريحة لشحنتها من الحرب الباردة، كما أن الإصلاحات الجذرية تثير خوفاً في نفسيات العروش التي تنتمي في روحها إلى القرون الوسطى، على أن "تعميق الإصلاحات" ذكي، لكنه لم يعد يعني شيئا، فوصول الإصلاح إلى العمق لا يعني سوى تجذيره، وبالتالي نرى أن :
1 – تأخر الجمهوريات عن الديمقراطية انتهى بثورتي تونس ومصر، وتحويل جمهوريات إلى ملكيات عبر التوريث انتهى وإلى الأبد.
بعض الملوك مولوا رؤساء وأبقوا عليهم في أماكنهم، لأنهم يخافون من "تطور الممارسة الديمقراطية في الجمهوريات وتكون الفجوة خطيرة بين الجمهوريات والملكيات وهذا قد يسقط باقي الأنظمة الملكية في العالم العربي.
الملكية في المغرب لديها فرصة أن تقترب أكثر من الملكية البرلمانية لاحتواء التطورات والدينامية الجذرية للشباب، لأن إيداع نموذج "مغربيمغربي" في الجهوية معطل، وإن فشل فهو فشل لكل ما هو مغربيمغربي. والمغاربة سيتجهون إلى القيم المتعارف عليها دوليا.
في الموروث المغربي، لم نجد "تقاليد" راسخة إلى حد بعيد خارج موقع الملك، والواجب خلق جوهراً آخر يمثل "المسؤولية" حيث تجاوز مفهومي : السلطة المطلقة والسيادة لغير الشعب. وواقع الحال أن "مسؤوليات" الأجيال الجديدة نحو بلدها انطلقت من العمل التكنولوجي / العلمي ومفهوم القوة والقدرة عند الإنسان المعاصر، ورؤية المجتمع الذي نقبله.
الباحثون يدركون الأعصاب الثلاثة وتأثيرها لانتقال الحرية من مطلب إلى حق، واعتباره في الأخير "صورة للأمة الحديثة".
الجيش كأكبر حالة منظمة استدعته الثورة الجديدة لقيادة الحركة البديلة للمجتمع.
الحرية تريد عبر مجتمعها أن تتنظم، وهو تحول يقبل ليس (دستورا سياسيا political constitution) بل دستورا متوازنا يبيح لأول مرة أن يكون وزير الدفاع في مصر ليس منصبا سياسيا منتخبا بل تختاره المؤسسة العسكرية أو أن يكون نائب الرئيس "من اختيار الجيش" – كما نشرنا في العدد ما قبل الماضيوهذه الشروط لا يزال بشأنها تفاوض سقط معه مبارك بعد 3 ساعات و15 دقيقة من الحديث مع المجلس الأعلى لينعقد من دون حضوره ! الجيش يقطع مع العهد السابق ليجدد مواقعه مع الشعب في ثورة 25 يناير.
والهدف : أن تكون مصر بنفس المعايير الدولية للديمقراطيةكما قالوا لمباركفهل طلبُ الإصلاح في العالم العربي ينتهي إلى ثورة ديمقراطية شاملة ؟!
عبد الحميد العوني عدد 16 ل 18/2/2011 من ماوراء الحدث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق