عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 15 سبتمبر 2011

من ورزازات إلى فكيك بداية بناء الهوية الديموقراطية للصحراء الشرقية


لأول مرة ، في تاريخ المغرب المستقل ، نرى شرق درعة هوية جغرافية مستقلة تجد قاعدتها في المملكة و امتدادها في أراض تديرها الجزائر على طول حدود غير مرسمة معها .
أولا ، الهوية الجغرافية لشرق وادي درعة في مقابل غربه ، شكلت في مشروع عزيمان بداية تغيير لقواعد اللعبة ، ليس فقط لأننا أمام شرق درعة الذي يمثل الصحراء الشرقية في مقابل غرب النهر الذي يطلق عليه الصحراء الغربية ، بل لأننا أمام هوية جديدة دخلت في مرحلة المأسسة Establishing  من ركنين أساسيين : برلمان سيشكل فيه أبناء هذه المنطقة بعمقها التاريخي ووحدة المجال الصحراوي انطلاقة أخرى لتأسيس هوية الصحراء الشرقية من ورزازات إلى فكيك على طول الحدود غير المرسمة مع الجزائر .
ثانيا ، الهوية الديموقراطية ، فبرلمان شرق درعة أو الصحراء الشرقية سيكون بكل تمثيليته المتوازنة من ورزازات إلى فكيك - لأول مرة -  يتحمل مسؤولية تحديد مصيره من أجل وحدة هذا الإقليم الجغرافي .
لم يعد مهما البحث عن منفذ بحري ، كما ينظر أهل فكيك إلى وجدة على البحر المتوسط ، أو أهل ورزازات باتجاه أكادير على المحيط الأطلسي ، بل يكون عمق الجهة داخل الأراضي المغربية التي تديرها الجزائر ، و في كل أراضي الصحراء الشرقية كإقليم تاريخي ، و من خلال منفذين : أولهما على الأطلسي حارب بومديان لأجله أعواما و سنين ، و على المتوسط ثانيا .
الهوية الديموقراطية لسكان الصحراء الشرقية دعم لعصب الخيار الحر لشعوب المنطقة ، و إيمان حقيقي بالأمة المغربية الواحدة التي شكلت المغرب الكبير .
ثالثا ، الهوية التاريخية للصحراء الشرقية التي قسمتها فرنسا بين المغرب و الجزائر لم تشكل فقط إمارة عبد القادر ، و هو علوي خاصم في إحدى الفترات عرش العلويين المغاربة ، و حارب من أجل نفس الهوية الواحدة في الحكم ، بل شكلت الصحراء الشرقية هوية الجزائريين ، و لا يزال رجال الغرب الجزائري يحكمون إلى الآن الدولة . و أساس شرعية الحكم واحدة : " علوية ، شريفة " انطلاقا من وحدة الصحراء الشرقية ، أو من شرعية شعبية ثائرة من نفس الإقليم اتجاه البحر المتوسط .
الخيار الجهوي يعيد من خلال الهوية الديموقراطية بناء هذا الإقليم الذي أسس دولتين : الجزائرية و المغربية ، و انقسم بينهما دون أن يصل إلى بناء منظوره من داخل الأمة المغربية الواحدة .
بوتفليقة صرف 20 في المائة من ميزانية الجزائر ، و ما يقرب من 13 مليار دولار تسليحا و بناء من أجل هوية مستقلة لغرب الجزائر تزيد من لحمة بلاده ، و تقتل خيار الصحراء الشرقية في الجانب الآخر .
و حاليا يعمل المغرب على بناء هوية أخرى لهذا المطلب التاريخي انطلاقا من الهوية الديموقراطية المتمثلة في البرلمان الجهوي و تمثيل الساكنة ليكون معنى " جديدا " لهذا المجال ، فالإدارة الذاتية للصحراء الشرقية أكبر خطوة لربح وحدة المغرب الكبير ، و ربح رهان الأمة الواحدة منذ أن خرج الأمير عبد القادر العلوي الجزائري عن السلطان المغربي .
الصحراء الشرقية لم تكن تركية ، و لا فرنسية إلى أن استقل المغرب قبل الجزائر ، فكان عمق الجيش الفرنسي منطلقا منها لإنجاح خططه في كل الصحراء الكبرى .
لقد عرضنا كتاب المؤرخ زكي مبارك بالوثائق لمعرفة خلفيات الصراع الجزائري المغربي و أساس سوء التفاهم بدأت جذوره و لا تزال في الصحراء الشرقية . باسمها قرر الجنرال أوفقير إعدام بن بركة ، لأن الأخير غلب الثورة و إسقاط النظام عن الوطن ، و أراد أن يدفع في مقابل دعم الجزائر السكوت على الصحراء الشرقية التي عرفت حرب 1963 كأكبر الحروب بين العرب على الحدود ، و لايزال الأمر معلقا .
و بن بركة في اجتماع طنجة دافع عن إكمال حدود المغرب أمام الجزائريين قبل استقلال بلادهم .
اتفاق إيفران يعد بروتوكولا فقط لأن الحسن الثاني و بومديان لم يوقعا عليه إلا بصفتهما الشخصية و لم يظهر إلى الآن توقيع بومديان على هذه الوثيقة ، و بشكل مطلق . كما أن برلماني البلدين لم يصادقا على الاتفاق إلى حدود كتابة هذه السطور . و جبهة التحرير الجزائرية لم تحضر و لم توقع و لم تطلب قراءة هذه الاتفاقية ، و هي الجهة المخولة لأن بومديان حكم بشرعيتها ، و شرعيته انقلابية و مطعون فيها .
الشرعية العلوية للأمير عبد القادر الجزائري تجاوزها الجزائريون نحو ثورة ثانية من خلال شرعية جبهة التحرير ، و الشرعية النضالية لهذه الجبهة لم يستند إليها بومديان في اتفاق إيفران ، كما أن الجبهة عارضتها و لم تصادق عليها ، كما لم يصادق عليها من يمثل الشعب الجزائري و مفاوضات هذا الاتفاق حدثت في أجواء الاستثناء ، فبعد القضاء على أوفقير اعتبرت الدولة اتفاقية إيفران طيا من الحسن الثاني لصفحة هذا الجنرال و لصفحة الصحراء الشرقية ، لكن بومديان قبل ثم رفض  اتفاقية أنتجتها ظروف الاستثناء المغربي ، و لم تنتجها ظروف عادية ، و اليوم قضية الصحراء الشرقية لم تعد قضية حاكم أو جنرال بل قضية شعب هذه المنطقة و ساكنتها ، و الخيار الديموقراطي الجهوي يضمن مثل هذا الخيار و هذا التحول ، بل و يحميه .
الحسن الثاني عندما اقترح اتفاق إيفران طمح إلى اعطاء الجزائر مصالحها في كل الصحراء ، و عندما أحس بومديان أن الاتفاق لا يؤكد سوى " الوحدة الاستراتيجية للصحراء دون تقسيمها " تحت عنوان ( الصحراء الغربية ) رفض الصفقة ، لأن المغرب دخل آنذاك في مفاوضات مع فرانكو لإدارة الصحراء الغربية .
الصحراء المغربية في نظر الحسن الثاني كانت تعني كل شرق و غرب درعة ، على نفس ما كانت عليه الحدود عشية الحماية الفرنسية . هذه هي الخارطة التي أخرجها مرة في عهد ميتران ، و قال له الحسن الثاني: إنها الحدود التي أعترف بها . و طلب الرئيس الفرنسي عدم التصعيد لأن الحسن الثاني قرر أنذاك الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية .
اتفاق إيفران ضمن للصحراء وحدة تكون بحجم وحدة المغرب الكبير . لقد اختار بومديان أنذاك مغرب الشعوب ، و دافع الحسن الثاني عن الدولة الشرعية و التاريخية الواحدة .
من جهة لم يذكر المغرب الحدود في دستوره ، و في عقد بيعة محمد السادس ذكر طنجة و لكويره و لم يذكر المدينة التي تنطلق منها في الشرق إلى المحيط الأطلسي .
الشرعية التاريخية لم تكن وحدها رهان الساسة ، كانت شرعية النضال ضد الاستعمار بوابة محمد الخامس و كان الحسن الثاني قد أثار الشرعية التاريخية و الاستراتيجية بعد حرب الرمال لإنجاح رهانه .
في الدستور الجديد لا يمكن إعطاء هوية حدودية للبلد ، و لايَصدُقُ أن يكون المغرب أمة دون هوية تاريخية لحدوده .
مسألة الصحراء الشرقية منضوية تحت المشروع الجهوي الذي ما إن يعتمده المغرب حتى يعيد لهذه القضية حركيتها و ديناميتها من زاويتين :
أ - أن شرق درعة منطقة مفتوحة ، و لأن استحضارالعامل الجغرافي أساسي في عدم إثارة الجزائريين ، و التاريخ الذي يذكر الصحراء الشرقية بكل الحساسية المعروفة يخدم هذا الاطلاق أكثر من أي اسم آخر .
ب - أن كل المناورات الأمريكية العسكرية انطلقت من رأس درعة ، و أصبحت هذه المنطقة ذات وضع استراتيجي على الأقل في عهد بوش الثاني و رايس و خطاطات البنتاغون إلى 2009 .
شرق درعة ذات طابع استراتيجي كمنطقة عسكرية و طاقية ( محطة ورزازات للطاقة الشمسية ) ، و هذه الهوية الديناميكية تعطي لها بعدا آخر ، فالهوية الصناعية يمكن أن تصنع الوحدة بقدر ما تتجاوز التاريخ ، لأن الأولى تعمل على وحدة المصير ، أما التاريخ فيعني وحدة المشترك ، و الهوية الصناعية في اصطلاحات القرن الماضي هي الهوية الاستراتيجية بلغة القرن الواحد و العشرين .
مثل هذه الهوية دفعت أبناء فكيك إلى طلب بقاءهم في جهة وجدة ، و رفض بعضهم مشروع التقسيم الجهوي الذي اقترحه عزيمان ، و مبررهم هو التنمية و الاقتصاد ، و بناء المغرب لأكبر مشروع طاقي للشمس في القارة الأفريقية يبدأ بورزازات و لا ينتهي عندها سيوحد الجهة الصحراوية باسم الانتاج ، و باسم التاريخ معا .
إن شرق درعة هو التعريف الجغرافي للصحراء الشرقية بمفهومها التاريخي الحساس و تكامل التعريفين هو القادر في وحدة الاصطلاح و ديناميكية الواقع و حركيته أن يضع هذه الجهة في قلب المغرب ، ببساطة لأنها ستنتج طاقته .
و هذا يعني أمرا رئيسا : لا مغرب كبير دون صحراء شرقية موحدة تكون هي قلبه ، لأنها مصدر كل شرعياته في الحكم و الدولة ، و هي عمقه الجغرافي إلى الأطلسي في مجال صحراوي واحد ، و حاليا كل الطاقة في هذا الاقليم : البترول الذي تستغله الإدارة الجزائرية ، و الطاقة الشمسية المنطلقة من ورزازات .
إن إعطاء محمد السادس للصحراء الشرقية " هوية ديموقراطية " ، من خلال برلمان الجهة و النظام الجهوي عموما ، يضعها مرة أخرى قضية معاصرة أو على الأقل في شروط العصر ، حيث تتعزز الهوية التاريخية و الاستراتيجية لهذا الاقليم و يكون المصير في يد الساكنة وحدهم دون غيرهم ، و هذا التطور استثنائي بكل المقاييس ؟!
      
 ماوراء الحدث عدد 28 ص 20 بقلم عبد الحميد العوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق