عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 15 سبتمبر 2011

حذار من كسر الأمل الجماعي حول الدستور الجديد ؟!


إذا كان هناك سر لجزء من شعبية النظام الملكي ، فيتلخص في كلمة فاصلة : صناعة الأمل ليس على طريقة الحسن الثاني : اشغل الشعب كي لا يشغلك ، بل على خطوات أخرى أتت بعد موته ، منها إقالة البصري ، الزواج من فتاة من الشعب و الجولات الخيرية و أخيرا : دستور جديد لا يزال يتخبط مصيره بين محافظين في لجنة الصياغة و الأحزاب و بين انتظارات شباب قرأ مملكته إلى جانب الملكيات الديمقراطية و أراد أن يكون على إثرها و بحذافير لا تقل عن مدريد أو لندن . لأن شباب الطبقة المتوسطة يتقدم  نحو صنع نموذج الحكم الحكامي و ليس التحكيمي في كل الوطن العربي تحت وطأة القصف من طرف القذافي أو اغتيالات الأسد أو الروغان في اليمن .
هذا الشباب الذي يعشق السلمية و يقاتل لثورة شعبية يهئ فيها الشعب أكثر مما يهئ النظام ، ليس عجلة احتياط ، لن يكون في ظل تحولات المتوسط و الأوسط سوى عجلة بناء و انطلاق . قد نكون مع المانوني أمام القفزة أو النكسة ، و الخطورة في الخروج من الانتظار الجماعي الحاضر اليوم  هو كسر الأمل الجماعي حول الدستور الجديد .
لن تكون هذه المرة مثل 2002 عندما قرر النظام الخروج عن المنهجية الديمقراطية بتعيين جطو التكنوقراطي مكان الحزب الأول في الانتخابات . و أي صدمة في 2011 ستكون خروجا عن المنهجية البرلمانية .
إن كسر الأمل الجماعي أخطر على صناعة الأمن الجماعي ، و أخيرا لاحظنا كيف أن التاج البريطاني رغم أنه يسود و لا يحكم يرغب في أن يصنع الأمل  كطريقة للحكم الملكي ، و هذا الأمل تجسده كاترين ميدلتون ، الفتاة التي استحوذت على قلب ملك بريطانيا القادم . إن ما جرى في لندن أحيى بعض خيالات و أساطير تحكي عن الأمير الذي يجئ فوق حصان أبيض و يأخد الجميع إلى عالم الرومانسية ، و يقترن بفتاة عادية في زواج ملكي .
الدستور هو الحصان الأبيض لعرش المملكة المغربية منذ انطلاق الثورات في عالمنا العربي ، حيث يصنع الشباب بالتضحية واقعا آخر لم يهتم بأعراس أسطورية و لا بمقابلات كروية إلا بقدر كرات نارية لا يحب أن يقذفها الأمن عليه .
الأمل الدستوري أخطر قنبلة يواجهها المغرب فإما أن تكون دخانا أبيض ، أو أن تكون مسيلة للدموع قبل الموت أو بعده في رحيل ضحايا تكون الصلاة عليهم مدعاة لضحايا آخرين ، و دائرة الدم تتسع .
الملك عبد الله الأردني تزوج بدوره بفتاة فلسطينية قادمة من أسرة عادية لكن الزواج لم يكن أمثولة وطنية ، بل اختص بما ارتبط به . لأن عرس ملك يسود و لا يحكم يغرس الفرح و الأمل لأنه  يربط ميزانية القصر بميزانية الشعب ، و تحت محاسبته و رقابته ، و يبتعد عن الفساد الذي يطغى على السطح .
الملك في الأردن متأرجح في معركة الاصلاح و لم ينفعه زواجه لأنه خصخص الأمل ، و خوصصة الأمل الجماعي أخطر ألف مرة من أي تهديد إرهابي يموت فيه الشهداء و الأبرياء ، و يكافح الجميع في داخله عدوانية الانسان ضد أخيه الانسان ، حيث دمه  حرام و ماله حرام .
معركة الدستور في 2011 أعادت السياسة إلى الشارع و قد خرجت من موتها الإكلينيكي منذ 2002 و يمكن أن ندخل إليه مجددا .
لن تنفع صياغة أوضاع أخرى لخفض سقف التوقعات . لا يمكن أن يربح النظام هذه المعركة بالمطلق .
الأمل لا يسقط من السماء ، الأمل صناعة ملكية اليوم ، و أي فشل سيعني شيئا آخر قد يؤسس للاوعي يتخيل البديل عن الملكية . و هنا سيكون الرهان صعبا لأنصار ملكية برلمانية ديموقراطية يزاوجون بموجبها بين الديموقراطية المتعارف عليها دوليا و بين الملكية .
إن معركة اللاوعي الجمعي التي فاز بها  محمد السادس لن تستقيم دون دستور متقدم على أساس الانتظارات و ليس الاقتراحات . المعركة إما أن تتجه إلى ربح الوعي تماما أو خسارة اللاوعي الجمعي حول العرش . المشهد خطير لمن يعرف تحركات الشعوب و كيف يمكن قراء ة أوضاع التحول .
حاليا التحول على مستوى سيكولوجي أو نفسي ، فإما أن يربح النظام هذا الرهان أو يكون السقف قد خرقته المطالب ، و التجارب لا تزال طازجة في التلفزيونات العربية و في شوارع الانتفاضات . حاليا ، لا يمكن في المغرب أن ينجح سيناريو القذافي ، و من الصعب اتباع خطوات بشار الأسد لخلط إقليمي بين الحرب على القاعدة و خفض سقف الإصلاحات إلى ما يمكن أن يقدمه النظام. لأن سقوط الضحايا تحت عنوان الإرهاب أو الميلشيات لم يعد على حساب الشعوب ضد الأنظمة ، لأن الديموقراطية حاليا تعني النجاح الكبير ضد الإرهاب .
المزيد من الإرهاب يعني المزيد من المطالبة بالديموقراطية ، و المزيد من القمع ينتهي بإسقاط النظام لإرساء الديموقراطية بإسم الشعب .
الكل في اتجاه واحد لا يحده إلا الأمل في الإصلاح ، فإن خاب عادت المبادرة إلى القواعد ، و إلى  - احتباس - في الاصلاحات أو سطحيتها ، ينتهي بإظهار الصراعات على السلطة داخل الأسرة الحاكمة و أجهزتها ، لأن الاعتقاد بأن الملكية البرلمانية نهاية حكم الملك يطغى على التصور .
و الخطورة في المغرب أن المبادرة في يد الملك و ليس في يد نظامه بعد خطاب 9 مارس ، و النظام يعرقل التحول الذي يجعل الملك محمد السادس على خطوات خوان كارلوس ، حيث واجه الأخير انقلابا عليه لمجرد أنه كان ديموقراطيا . هل يمكن توقع ذلك تماما ؟
الشئ الوحيد أننا أمام ضرورة إعلان ملكية ثانية لأن قوانين التحول تصير بهذا الاتجاه الوحيد .
أمريكا قلقة على مستقبل الطريقة التي قد يحدث بها التغيير ، إن هبط سقف التعديلات الدستورية إلى ما دون المستوى . قد تكون هناك مواقف في واشنطن و باريس مكشوفة وفي الإعلام إن خرج الشارع قبل الاستفتاء على الدستور لرفض المسودة . هل يدير النظام في هذه الحالة معركته في الشارع حيث يطالب الشعب بتغيير مادة معينة فيستجيب النظام ، و تتوالى المعارك حول البنود. لكل بند معركة . هذا الخيار غير العقلاني و العملي في نظر البعض ، يهدف بعد ربح الوقت استنزاف الجهد . لكن أي تطور دراماتيكي قد يسحب المبادرة كليا من النظام ليضع الشعب مطلبه بخصوص لجنة تأسيسية منتخبة لصياغة دستور جديد للمملكة ، قد يكون أكثر راديكالية .
 إننا أمام مشهد قد يعيد بعض التاريخ إلى الواجهة ، دستور في 2011 كأننا أمام أول دستور في عهد الاستقلال عام 1962 ، تتطور معه الأوضاع إلى حالة استثناء . مثل هذا السيناريو بعيد ، كما أن تكرار السيناريو السوري بعيد لأن لا حليف للنظام على وزن إيران في مؤسسات و مصادر القرار .
مثل هذا الخيار قد يدفع إلى تحالف النظامين في المغرب و الجزائر لوأد انتفاضة الشارع في البلدين ، لكنه يبقى صعبا .
اليوم ، الرسالة في فرنسا واضحة ، النظام الأمني الحالي في المغرب فاشل و لايحمي ، و ما وقع من ضحايا فرنسيين في مراكش كشف أن سياسة جديدة من خلال الحكامة ستطور الأمن ليحمي الديموقراطية و مؤسساتها ، و عندما يستطيع هذا الأمن أن يحمي الديموقراطية يستطيع أن ينجح في معركته ضد الإرهاب .
صناعة ديموقراطية مغربية لن يكون دون بناء نظام أمني جديد يناسبها و تتكيف معه و يكون تحالف الديموقراطيات ضد هذه الآفة ، من خلال المتوسط أو عبر الأطلسي أو عبر الشمال الأفريقي الذي عرف تحولات في تونس و مصر ، و تجربتهما توضح أن تفكيك جهاز أمن الدولة أو الاستخبارات و الاستعلامات العامة في أي دولة ترغب في الاصلاحات هو الطريق السليم للوصول إلى قطيعة يفرضها منطق التحول .
حاليا على الملك أن يكسر بعض النافذين الاقتصاديين و مؤسسة أمنية تجب إعادة هيكلتها لتقوم بمهامها في المرحلة الجديدة .
اللغة التي يسمعها الشعب حاليا : لماذا لا يستطيع النظام أن يقوم بهجوم على مراكز نفوذ تسئ إليه . من يقاوم الإصلاح يكشف عن وجهه ، و لا يرغب أحد في تهييج الوضع أكثر .
الصيغة الجديدة للأمن يساوي في المعادل الموضوعي صناعة مرحلة أخرى من الأمل بعد الدستور ، أما  إن حدثت الانتكاسة فأمامنا : خيار الصدمة أي أن عدم الثقة ستتجه إلى رأس النظام ، و هناك من يدفع في هذا الاتجاه .
الخيار الثاني الذي يطمح إليه الأمنيون هو التراجع تحت وقع القطيعة ، و الاتجاه إلى أن تكون الأجهزة إلى جانب ، و ليست معزولة من الجانبين ، حيث الشعب و الملك بعد 9 مارس في تحالف " صامت و غاضب أحيانا " لكنه موجود .
الإصلاحات لن يكون لها مدلول بغير دستور قوي ، وقد تكون اللعبة مستمرة على أساس أن تبقى قائمة بين الدستور و بين القوانين ، فلا يعدل البرلمان هذه القوانين ، و لا يسمح له بذلك ، و أن تكون الوثيقة الدستورية على نفس الحلم الجماعي المغربي . إن هذه المناورة الشديدة الخطورة تجعل من ربح الوقت أهم عصب في إدارة الحكم الحالي ؟! و تلك عين العاصفة .
                  
ماوراء الحدث عدد 27 عبد الحميد العوني ص 20

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق