عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 15 سبتمبر 2011

الانتقال الأمني " بالدم " في المغرب ؟!


لم يكن الانتقال الأمني في عهد الحسن الثاني بدون دم ، أو غير مُعَمَدِِ به ، فمنذ فجر الاستقلال فكر ولي العهد آنذاك بأول جهاز استخباري في القصر ضد توافقات ( إكس ليبان ) التي جعلت هذا الأمر في يد الفرنسيين فقط ، ومن اختصاص ( السديس ) تحديدا ، حيث راقبت باريس عناصر هذا الجهاز ، و دفعت تونسيين و جزائريين للعمل فيه ليكون مخترقا و في خدمتها ، و عندما قرر نقل هذه المهمة من قصره إلى داخلية يقودها استقلالي الغزوني رأينا التصفيات .
الانتقال الأول من جهاز بوريكات الذي خدم الحسن الثاني في قصره إلى داخلية الغزوني تعمد ببعض الدم . من اليد السوداء لفرنسا في 14 عملية لسرقة مستندات و التأثير على القرارات ، اضطر الملك الراحل أن ينشئ إلى جانب الأمريكيين - الكاب 1 -  لوقف التدخل الفرنسي ، و لم يتم ذلك بلا دم ، و بطريقة دموية انتقل عمل الكاب 1 إلى الكاب 2 و تم اجهاض الكاب 3 من المهد ، و قد قتل أوفقير و الدليمي و قد رأسا أجهزة استخبارية خدمت مصالحهما . و بعد التحول " أزيح " نائب رئيس دجيد ، و لا تزال - ما اصطلح عليها لعنيكري -  سلة العقارب  أي الديستي تعرف صراعات و لا تزال .
ومن حسنات عهد الحسن الثاني أن تغيرت الخارطة الأمنية بعد البصري ، واستبدلت وزارة الداخلية وجوهها دون دم ، لأن العمل الاستخباري أصبح في مكان آخر .
الحسن الثاني لم يستطع بعد انقلابين عسكريين أن يضع الاستخبارات تحت رقابة البرلمان مقابل أن يكون الجيش تحت سلطاته . ومحمد السادس إن وضع الأجهزة التي خدمها القانون و لم تكن تحته ، تحت توصيات هيئة الانصاف و المصالحة باسم الدستور ، سيكون قد شكل الخطوة الفارقة بين الماضي و المستقبل ، و الأساس أن يكون هذا الانتقال الأمني سلسا .
الحسن الثاني حاول 10 مرات إعادة هيكلة أجهزته الأمنية الحساسة ، و يضطر أن يضع جهازا جديدا يمتص القديم ، و من فلسفته توازن الأجهزة كي لا تتواطأ ، و قد فعلت في أكثر من ملف مباشرة بعد الانقلابات في طنطان - فكانت مشكلة الجنوب - و في 70 ملف آخر - حسب وثائق الكونغرس -.
محمد السادس قد يجرب وضع كل المفاتيح في يد الدرك كما وقع بعد انقلاب أوفقير مباشرة و قد نجح الجنرال بنسليمان جزئيا في إقرار هذا التحول ، و اليوم يباشر هذا الجهاز تعيين مسؤولين جددا على رأس مصالح قيادته العامة ، و تهدف الخطة إلى تنظيف الجهاز - حسب خطة الكولونيل ماجور مصطفى الحمداوي - لتأهيله لتنظيف أجهزة أخرى ، و تعزيز قدرته الجوية بعد سقوط طائرات و مروحيات تابعة له منها ( ديفافندر) بضواحي دمنات .
و حدث أن استجوب البرلمان الجنرال بنسليمان ، و لن تقبل أجهزة أخرى التعاطي مع هذا الوضع ، و الشيء المعول عليه هو إنفاذ قرارات الدرك لوصول الملك إلى غاياته من خلال وضع المرحلة الانتقالية تحت قيادة صارمة ، و جهاز يكون مسؤولا عن التحول في سياسات و هياكل الأجهزة العاملة و السرية .
تحالف ( دجيد ) ياسين المنصوري و الدرك الملكي بعد تنظيفه قد يشكل عامل القوة الأول لانجاح أهداف خطاب 9 مارس ، لأن الواقع الأمني المغربي :
أ - تربى على عدم المحاسبة ، و تأسيس صندوق رمادي للعمليات ، و صناعة أوضاع قابلة للتحكم فيها ثم إدارتها ، فالذكاء الاستعلامي في المملكة لا يواجه الظاهرة ، بل يلتف حولها و يضع هوامشها ، و بأكبر درجات التشويه يقتل خصمه ، و قد لا يفيد هذا الوضع في الأمور الاستراتيجية .
ب - الذكاء التاكتيكي .
ج - التحكم في الملفات و عدم معالجة الظاهرة .
د - التقديرات غير الاحصائية ، و إدارة التفاصيل لإعادة تأسيس المشهد المرغوب فيه .
هذه الرؤية الخارجية عن الأمن تكشف أمرين :
- أن الأجهزة ترغب في انتقال أمني يكون فيه قانون الإرهاب .
- أن المقدس الأمني الوحيد حاليا هو قانون الإرهاب .
الانتقال السياسي لم يعد بقدر رغبة جميع المراقبين في الاطلاع على تفاصيل الانتقال الأمني ، فمحمد السادس اعتبره الداخل قويا بإقالته للبصري ، و هذا التحول ساعد فيه جنرالات. و العلامة الفارقة لبداية عهد محمد السادس : جنرال على رأس الاستخبارات الداخلية ، الجنرال لعنيكري على رأس الديستي ، و تنصيب مدني هو ياسين المنصوري على رأس دجيد - استخبارات مختلطة : عسكرية و مدنية -.
حاليا ، تقاوم الديستي عودة عسكري لقيادتها ، كما أن من الصعب تعويض مدني آخر لياسين المنصوري . هل هذه الخلاصة دقيقة ، و هي فرنسية ، لذلك قرأ سكارسيني التحول على أساسين :
أ - استمرار القيادة من داخل جهاز ديستي ، على أساس قبوله الطوعي بقرار محاسبته كما ورد في خطاب 9 مارس .
ب - العمل على تعاون فرنسي أكبر مع ( دجيد ).
و فرض التعاون الوثيق بين الديستي و دجيد سيكون أكبر إن تقرر تكوين ( مجلس أمن قومي ) أو وزارة استخبارات داخلية تكون تحت رقابة الحكومة ، و تكون أجهزة الديستي و دجيد و غيرها متعاونة و عاملة بأوامرها .
القرار الأمريكي يدعم تكوين " وزارة الأمن الداخلي " في المملكة ليصل البلد إلى أهدافه ، و يبقى " العمل الأمني حرفيا و متميزا باستقلال العمليات و برؤية وطنية " .
إن التمكن من صنع منظور أو رؤية أمنية هو الذي يجعل المغرب أكثر أمنا ، لأن وزارة الأمن الداخلي في فصل كامل عن وزارة الجماعات المحلية ، ستهتم بالشأن الأمني ، و بالرقابة البرلمانية ، و بالابتعاد عن الملفات المالية للجماعات و البلديات و العموديات .
لم يعد ممكنا ، في ظل التطورات الجديدة سوى الذهاب بعيدا في إطارين : استمرار الملك قائدا للجيش و يعمل من خلال مفتشياته على إدارة شفافة له ، و في المقام الثاني وضع وزارة الأمن الداخلي تحت رقابة القانون و الحكومة و ستكون رقابتها على الأجهزة التابعة لها رقابة بعدية ، وفق ما يقتضيه القانون .
دسترة توصيات هيئة الانصاف و المصالحة حملها حزب الهمة قبل خطاب 9 مارس و حركة 20 فبراير ، و هي لصالح الدولة و النظام أولا .
و بالتالي نكون أمام : خطة إصلاح أمني للدولة يستثمر فيها النظام حركة الشباب لإقرار توصيات هيئة بنزكري كي يكون لها بعد اجتماعي أو شعبي ، في السابق كان القصر يرغب في أن يكون الاصلاح الأمني بزعامة " حزب الدولة " ، حاليا ، لا يمكن أن يكون الاصلاح دون قيادة الشارع . و اللعبة يجب أن تنقسم بين تقديرين : تمرير اصلاحات عبر الشارع في صالح النظام و أمنه و مستقبله ، و خفض سقوف اصلاحات الشارع لتمكين النظام من المبادرة .
الاصلاح الأمني لم يعد شأنا بيروقراطيا بالمطلق ، إذ في ثورتي تونس و مصر ، يحاول أمن الدولة و الأمن السياسي المنحلين أن يعتبرا وجودهما ضروريا بتحريك أوصال يمكن بها التأثير على الأمن العام . و الجيش لا يزال يربح المبادرة ، رغم السعي الحثيث لهذه الأجهزة على اغتيال الطنطاوي مرتين ، و 3 مرات لقائد الجيش التونسي .
السؤال هل طريق " الدم " ضروريا أم أن قرار الشعب و الجيش و الاصلاح سينتصر في بلاد الثورات و يكون الملك إلى جانب جيشه في خدمة الاصلاحات لوضعها على الأرض .
في المغرب ، الدرك و دجيد قد يصلان بالمهمة إلى أهدافها ، و قد تنجر الديستي إلى ذات المهمة إن أقنعت شركاءها بقضية الحفاظ على قانون الإرهاب لإدارة المرحلة الانتقالية . و هل يمكن حقا إدارة انتقال ديموقراطي في ظل هذا القانون ؟  الشارع له موقفه الصريح و على الجميع أن يحسم في هذه النقطة .
لقد تأجلت مناقشة القوانين المثيرة للجدل : الصحافة و الإرهاب و غيرهما إلى ما بعد الدستور الجديد خصوصا بعد إقرار عباس الفاسي لانتخابات مبكرة .
من يكون أولا ؟ الانتقال الأمني ، و بعد نجاحه يكون الانتقال السياسي الذي يليه ناجحا ، و النتيجة مختلفة  طبعا ، و أكثر مصداقية و استقرارا . في الحالة الثانية ، أي العمل على انتقال سياسي في ظل الأجهزة الأمنية الحالية ، و النتيجة ستكون متطابقة لما نعيشه حاليا ، وقد اختار بعض رجالات النظام خيارا ثالثا : أن تتسلم حركة 20 فبراير شبيبات الأحزاب و قيادات سياسية تدعمها ، فتكون النتائج مختلفة و لا تتأثر سياسات الأجهزة السرية و الرؤية الأمنية الحالية .
الواقع أن كل الطرق مفتوحة حاليا ، ولا قرارات " صارمة وواضحة " للنظام ، لأنه يرغب في المفاجأة و المبادرة ، و قد لا يتمكن منها مع ظهور الدستور الجديد .
ولابد أمنيا من خفض التوقعات لإبقاء جانب المبادرة في يد النظام .
و المهم عند الأمنيين ، أن يكون الثمن تأجيل الانتقال الأمني بفعل ظهور الإرهاب و استمرار حركة  الاحتجاج ، لأن الشباب  يمكنه أن يتراجع أمام خطة مكشوفة . لذلك على الجميع نهج سياسة الوضوح اتجاه الاصلاحات التي يريد من خلالها النظام أن يكسر التوقعات قبل أن يرفعها .
إن مبادرة القصر من خلال أدواته المألوفة لن يكون لها الأثر البين ، و بالتالي فإن القصر و الشارع هما العاملان الحقيقيان في المعادلة ، لكن الأحزاب و الأجهزة في صالح النظام .
إن طال الزمن ستكون المواقع مختلفة ، يقول تقرير أجنبي : إن العمل الأمني في المغرب يدير مرحلة انتقالية لا يعترف بها . و هذه صعوبة قد تؤدي إلى دفع ضرائب ليقتنع أولا بواقعه ؟!   

عدد 29 لماوراء الحدث ص 20 بقلم عبد الحميد العوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق