عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 15 سبتمبر 2011

أسرار أخطر معركة في المغرب : الصراع بين أجهزة و أجنحة النظام


حاول النظام المغربي أن يظهر منسجما بين أجنحته بعد تفجير " أركانة " ، و في نفس الوقت أن يأخذ المبادرة من الشارع ، و أن تمرر الأجهزة الأمنية الانتقال الدستوري للمملكة من خلال مكافحة الإرهاب ، و ليس من خلال مكافحة الفساد التي يريدها الشعب ، خصوصا و أن مطالب 20 فبراير ذهبت إلى حد التظاهر أمام معتقل تمارة الذي ليس سوى المقر المركزي لمخابرات الديستي . فبين من يريد أن يكون مقر تمارة مقرا إداريا فقط لهذا الجهاز ، و بين من لا يرغب في المساس حاليا بعمل الأجهزة الاستخبارية ، وجدنا أن استعادة المبادرة كان جزء  من السياسة الرسمية.
أولا ، اعتقال صحفي دعا إلى إسقاط قانون الإرهاب قبل ساعات من التفجير الإرهابي في مراكش .
ثانيا ، الإلتفاف على تظاهرات 20 فبراير الموجهة ضد مقر تمارة الاستخباري ، حيث لا تريد الأجهزة أن تدفع ثمن البدايات في مسار الإصلاح ، بل ترغب في قيادة هذا المسار بما يناسب حساباتها .
ثالثا ، الصراع حول الشارع و إعادة برمجة الأولويات جزء حقيقي من اللعبة .
هذه المناورة لم تجد نفعا في سوريا رغم نتائجها على الأرض . فبشار الأسد اختار مع مليشيات ماهر ( أخيه ) أن يلعبا معا في شارع المنتفضين ، من جهة النظام يحارب " التنظيمات السلفية " لأنها تقتل أفراد الجيش و الشرطة ، و ماهر من يطلق النار على جيش أخيه بشار ، لاستيعاب الموقف و استعادة المبادرة من خلال قتل النظام لبعض عناصره ؟!
صراع الأجنحة ساخن بين صناعة الحدث و الركوب عليه . و من أزمات المغرب أن ساسته يحقنون القضايا الداخلية ب ( أهوائهم الاستخبارية ) .
=== خفض السقف السياسي للشارع قبل إعلان مشروع التعديلات الدستورية غير العالية 
إن لم يمتلك النظام المبادرة مجددا لن يتمكن من خفض السقف السياسي للشارع و لحركة 20 فبراير تحديدا ، لأن مشروع التعديلات الدستورية تحت سقف خطاب 9 مارس هو هدف كل السياسة الرسمية في الوقت الراهن . فعوض أن يلتفت المغاربة إلى طبيعة المشاركة المغربية في الزفاف الأميري في بريطانيا ، و التي حضرها الحسن الثالث ( ولي العهد ) التفتوا إلى ساحة جامع الفنا و تلك رسالة القصر الملكي إلى الغرب ، بأن تعديلات الدستور الحالي ستكون للعمل على مرحلة انتقالية باتجاه ملكية برلمانية . و ليس دسترتها في هذه المرحلة .
خلط الأوراق سياسة رسمية بدأت قبل تفجير " أركانة " ، و إن استمرت بعده ، حيث لم يتمكن الحادث سوى في إحداث بعض الإرباك ، لكنه لم يمس الأهداف العامة .
اللعب في منطقة حرجة تتمثل في شعبية النظام الملكي ، فبعد تخفيض المطلب من إسقاط النظام الذي ظهر في تونس و مصر إلى ملكية برلمانية أصبح الهم الحالي هو وضع  التعديلات الدستورية تحت سقف خطاب 9 مارس تماما ، و الأجهزة تريد من خلال النظام الملكي ذي الدلالة التاريخية أن البشر بطبيعتهم يفضلون الثبات و الاستقرار ( كما يقول الصحافي عادل درويش )  أن تخدم نفسها و البقاء على نفس سياساتها .
و السر في أي ملكية برلمانية هو فصل الدولة الثابتة عن الحكومة التنفيذية المنتخبة برلمانيا ، مستقلة على القضاء  و سلطة التشريع . و الصراع الحقيقي في مملكة المغرب : أن الأجهزة الأمنية تريد أن تبقى إلى جانب الدولة الثابتة ، و ليس تحت تصرف و إدارة الحكومة المنتخبة .
=== الصراع طاحن بين الأجهزة الأمنية حول التعديلات الدستورية : هل تتبع أجهزة الأمن للملك أم للحكومة المنتخبة ؟! و الملك يضع التحقيق في " أركانة " بيد حكومة عباس الفاسي

الصراع ليس طاحنا فقط ، بل مصيري بالنسبة لمستقبل البلد ، عندما يرفض الجزء الأعظم من الأجهزة السرية أن تخدم الحكومة المنتخبة ، و ترغب فقط في خدمة الملك .
محمد السادس أخيرا وضع حكومة الفاسي أمام مسؤولياتها في التحقيق . إنها رسالة مركبة  قد تفيد أن الحكومة المنتخبة لها سلطة على كل التحقيقات الأمنية الجارية ، و أن هذه مسؤوليتها في المستقبل ، و يمكن أن تمارس عملها من الآن ، لتكون الأجهزة مجرد أدوات تقنية تحت تصرف الحكومة . من جهة أخرى ، يرغب النظام  أن يعود قويا بعد حادثة مراكش .
ليست حركة 20 فبراير التي أهتم بها الأمن و اهتمت بها كل الأجهزة بما فيها تحويل حزب الأصالة و المعاصرة بقرار - تجمد بعدها - إلى مكاتب لنقل شعارات هذه الحركة و تتبع خطواتها في البداية . إنه التأزيم الذي سبب كما يعتقد البعض في تفجير أركانة .
هذا التصور يريد أن يعيد عمل الأجهزة إلى أسلوبها القديم لأن ثمن أي تحول هو خلخلة الاستقرار حال خلخلة المنظومة الأمنية .
الصراع الحقيقي حول الإجابة عن سؤال : هل تتبع الأجهزة الأمنية للملك أو للحكومة ؟ و ما يسبب في كارثة هو الحسم في هذه النقطة الحساسة . القصر أرسل إشارة واضحة : أن التحقيق في أركانة بيد حكومة عباس الفاسي.
=== هل يمكن أن يسبب نقل بعض الأجهزة الأمنية إلى الحكومة المنتخبة دما في الشوارع ؟
الصراع حول الملك يدخل مرحلة جديدة و صعبة عندما ندرك أن نقل بعض الأجهزة الأمنية إلى الحكومة قد يدخل المغرب في مرحلة من اللااستقرار ، أولا ، لأن الولاء للملك و العمل تحت إدارته مباشرة قد تكون إحدى الإيجابيات التي لا يستطيع رجل الأمن أن يتنازل عنها ببساطة . ثانيا ، أن إجماع علي الهمة و ياسين المنصوري قائم على دسترة و تطبيق توصيات لجنة الإنصاف و المصالحة ، و الرفض نابع من الأمنيين ، وليس من السياسيين الذين يديرون " أجهزة استخبارية " و على رأسهم أصدقاء مقربون من الملك .
إن التوجهات الجديدة تهدف إلى عرقلة وضع أجهزة أمنية تحت إمرة الوزير الأول .
حيث نجد أن البيروقراطية الأمنية ترغب في أن تحسم معركتها في الشارع . و يرغب أخرون في أن تكون الحسابات مركبة تسقط 20 فبراير و معها مشاريع التحول الأمني ، و هذا ليس هينا فتكاسل الأجهزة و حربها لتحديد مستقبلها في الدستور الجديد سبب في كارثة .
قد لا تؤدي دسترة توصيات الانصاف و المصالحة التي دعا إليها الملك بخصوص مستقبل الاجهزة الأمنية إلى حرب أهلية في المملكة و لكنها ستؤدي إلى حرب بين الأجهزة قد تتطور في صراعها إلى تحكيم ملكي يبقيها تحت " إدارة القصر " .
==== دسترة توصيات الانصاف و المصالحة و اسقاط قانون الإرهاب مرة واحدة كارثة في نظر الأمنيين 
إن الذهاب باتجاه دسترة توصيات بن زكري لتكون مادة قانونية مع إسقاط قانون الإرهاب سبب في تخوف أمني ، و في صراع خطير بين الأمنيين ، فهناك نظرة تقول : إن دسترة توصيات الإنصاف و المصالحة لن يكون لها أثر إن بقي قانون الإرهاب ، و في منظور آخر ، يرى المحافظون الأمنيون أن دسترة الانصاف و المصالحة و بقاء قانون الإرهاب سيكون متوازنا ، ولن يسمحوا بأقل من ذلك .
 تحريم الدعوة إلى إسقاط قانون الإرهاب جزء من اللعبة الحالية ، وقد يكون لهذا أثر في المستقبل من زوايا : 
أ - أن الحكامة الأمنية إن تمت دسترتها لن يكون لها مفعول إلا إن تغيرت القوانين المؤسسة أو المكونة للأجهزة الأمنية ، و الحفاظ على القوانين الجاري بها العمل بعد دسترة توصيات الإنصاف و المصالحة أساس في المحافظة على الأوضاع على ما هي عليه .
 ب - أن تعدد و توازن التدخل الأمني ، أي تدخل أكثر من جهاز في القضية الواحدة ، و التوازن بين الأجهزة الأمنية شقان لمعادلة لا يريد أكثر من طرف أن يغيرها .
إن صراع الأجهزة في إطار الانتقال الدستوري شئ طبيعي لسببين :
أ - لأول مرة في تاريخ المغرب تتم دسترة " الموضوع الأمني على أساس الحكامة " . حيث لا يمكن سابقا فتح مثل هذا النقاش ، و كان الموضوع " مسكوتا عنه " ، أما وقد انكشف ، فالأجهزة الأمنية لديها وجهة نظر يجب أن تأخذها لجنة المنوني ، و قد اضطرت أن توصل رسائلها عبر طرق مختلفة .
ب - أن التوجهات الأمنية المحافظة لا ترغب أن تعمل في أي ظرف تحت إدارة غير إدارة الملك مباشرة . و تحت مساطر المحاسبة القانونية ، فمن جهة تريد أن تثبت ولاء ها و إن في المقابل لا تخدم - مثل هذه الاوضاع - التوجهات الجديدة التي قررتها الدولة ، و من جهة أخرى ، تعمل على تجسيد " رؤية " خاصة لتوازناتها بعد دسترة توصيات الإنصاف و المصالحة ، حيث أخذت الأجهزة سنوات قبل إقرارها .
=== الصراع بين اتجاهين ، الأول يقول : إن دسترة توصيات الإنصاف و المصالحة لن يكون لها أثر إن بقي قانون الإرهاب ، و في المنظور المضاد : يرى المحافظون الأمنيون أن دسترة الإنصاف و المصالحة و بقاء قانون الإرهاب سيكون متوازنا

الخطير أن تتصارع الأجهزة الأمنية - كما يظهر - على أساس التفكير في مرحلة انتقالية تبقي قانون الإرهاب في مقابل تفعيل توصيات الإنصاف و المصالحة حتى قبل دسترتها . 
المرحلة الانتقالية التي طلبتها هذه الأجهزة أَزِفَت ، لأن بين توصيات بن زكري و المطالبة بدسترتها زمن لم يستغله الأمنيون في إعادة هيكلة مؤسساتهم ، كما أن تزامن الإنتقال الدستوري للدولة ، و الإنتقال الأمني بعد خطاب 9 مارس الداعي إلى دسترة هيئة الإنصاف و المصالحة قد يسبب في ارتباك يمكن أن يتجاوزه العمل الاحترافي وحده ، و بالتالي فالتواجد في مرحلة انتقالية شاملة قد يؤدي في نظر أنصار المحافظة الأمنية إلى توقع صعوبات شديدة ، ضمنها محاولة خلط الأوراق بعد واقعة أركانة .
الخطورة أن يدخل الإرهاب على خط التحول الأمني الذي تعيشه المملكة .
التطور الذي يمكن أن يشكل القفزة أو الطفرة المرتقبة يتمثل في إدارة المرحلة الانتقالية من جهاز واحد و باستراتجية واحدة .
و واقعة أركانة يجب أن تكون حادثة سير ، و إن هي مؤلمة و إجرامية و بطابع إرهابي .
=== وضع الديستي تحت الإدارة الكاملة لدجيد خيار من أجل إدارة المرحلة الإنتقالية بجهاز واحد و باستراتيجية أمنية واحدة ، أو على الأقل بقرار استراتيجي واحد يتحكم فيه الجيش
إننا أمام ضرورات في الميدان تفرض أن يعمل جهاز واحد أو على الأقل استراتيجية أمنية في إدارة المرحلة الانتقالية ، و التوجهات قد تذهب باتجاه يضع الجيش و مؤسساته في مقدمة من يدير هذه المرحلة بطريقة أو بأخرى  .
أولا ، لأن الجيش قادر على فرض التحول على مؤسسات أمن الدولة و على أجهزتها الاستخبارية بما يفيد عودتها إلى قبول الرقابة القانونية ، و الخروج من تضخمها لتعود رشيقة  و عملية و قادرة على مواكبة التحول .
ثانيا ، أن ( دجيد ) أدارت تغيير قيادات الديستي في فترة انتقال العرش من الحسن الثاني إلى محمد السادس . و إن ظهر أن إداراتها لتحول شامل سيكون مختلفا عن تغيير قيادة الجهاز . الواقع يثبت أننا أمام صعوبة حقيقية : تغيير قيادة - الديستي - لايعني تغيير سياسته  بالمطلق ، و بالتالي سيكون تغيير سياسات هذا الجهاز مهما و خطيرا لأن ملفات - الأمن السياسي لا تزال تحت سيطرته أو على الأقل هيمنته - .
ثالثا ، التحول في الأجسام الاستخباراتية لن يكون دون اتجاه يقرر معه انتقال الأمن الاستخباراتي من مرحلة إلى أخرى ، و القطيعة في هذه الأجسام شرسة ، و تستدعي تدخل جهاز آخر ، لكن دون إثارة عناصره .
واقع ما قبل دسترة الانصاف و المصالحة لن يكون ما بعدها ، كما أن أركانة 2011 ليست البيضاء 2003 ، لأن المقاربة اختلفت و العودة إلى الفعالية مع احترام لروح و نصوص القانون هو تحدي المستقبل الأمني للمملكة ، و فوزنا أن يكون التحول الأمني دون قطرة دم .
   
    
   
           عدد 27 ماوراء الحدث عبد الحميد العوني ص 3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق