عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 15 سبتمبر 2011

بين الديستي و دجيد بعد تفجير مراكش


في تفجيرات 2003 عرف الجميع " مول الصباط " ، و في 2011 قدم وزير الداخلية المغربي " مول السبرديلة " منفذا مفترضا لحادث أركانة الإرهابي ، فالمسمى عادل سبق له ثلاث مرات على الأقل خروج المغرب و محاولة الالتحاق بتنظيم القاعدة عن طريق البرتغال ، و أخرى عن طريق ليبيا ، ثم سوريا و كل هذه الدول نعتته بالعنصر الخطير دون أن يتم إلقاء القبض عليه ، و هذا يشير إلى أمرين :
الأول ، عدم وجود تنسيق أمني كاف مع الدول المذكورة ، و المغرب بعد أركانة فتح بابه لكل المحققين من إسبانيا ، و فرنسا ، و إف . بي . آي الأمريكي و روسيا حسب مصادر إعلامية ، مما عجل في إلقاء القبض على المتورط ، فمن وصف المشتبه به سائح هولندي ، و عادل المنفذ المفترض اعتبرته أجهزة دول أخرى " خطيرا " و عليه يكون العمل الدولي من كشف عادل .
الثاني ، أن العمل مع الدول من اختصاص ( دجيد ) في المغرب ، و العمل في الداخل من اختصاص الديستي ، بمعنى أن الأسماء التي تعتبر " خطيرة " في مجال الإرهاب تعطيها الدول إلى المغرب عن طريق دجيد ، و الجهاز الذي عليه المتابعة على التراب الوطني هو الديستي ، وعليه يكون عدم اعتقال عادل ناتج عن عدم التعاون الكافي بين دجيد و الديستي ، و هذا الوضع يكشف صراع الأجهزة يما لا يفيد أمن المغرب .
عدم اعتقال عناصر الحموشي لعادل يعني أن هذا الجهاز له وجهة نظر أخرى ، قد تكون مضادة لما أكدت عليه تقارير الدول آلأخرى ، و لدجيد تحديدا ، من زاوية تقول :
1 - أن جهاز الديستي وحده صاحب الاختصاص في مجال الإرهاب ، و لا يقبل توصيات غيره .
2 - أن هذا الجهاز يعمل بسياسة خاصة به ، و ربما يكون القبض على عنصر يوصف بالخطير لا يكون إلا بعد سعيه لتأسيس مجموعة ، وحالة عادل الذي يدخن و يشرب الخمر حسب شقيقته ( أخبار اليوم 8\5\2011 ) تبعد عنه الشبهة ، خصوصا و أن بائعي الأحدية المغاربة يسافرون إلى ليبيا و لسوريا ، و البرتغال الدولة التي لم تتعرض لأي اعتداء إرهابي .
و التقييمات الفرنسية اعتبرت المجهود الأوروبي واحدا و محترفا ، و أجهزتها عملت لكشف هذا المطلوب أساسا من خلال ( غرافيك ) السائح الهولندي .
هل عدم اعتقال ( عادل ) تقصير أمني كما ورد في الصحف ؟
الواضح أن هناك رسائل تهم أطرافا متعددة :
- من يريد أن يعتبر أن الاهتمام بحركة الشارع بعد 20 فبراير قللت من العمل الاستباقي لأجهزة الأمن ضد الخلايا الموصوفة بالإرهابية .
- و من يريد أن يؤكد على أن ضعف التنسيق الدولي ليس في صالح أمن المملكة .
- فرنسا رغبت بقوة في الإشراف على التحقيقات في مراكش - إلى جانب الأمريكيين - لإبعاد أي اتهام للجزائر أو للبوليساريو . يقول مصدر في باريس : من المهم في هذه المرحلة الحساسة عدم اتهام دولة ، إنه الدم الفرنسي ، و أردنا أن نعاقب المجرم لا أن نعاقب شيئا آخر .
الجزائر طالبت آلان جوبيه و تعهد لها الأخير بتحقيق نزيه في حادث أركانة ، فكان مهما - كما هو ملاحظ - ألا يصل الاتهام إلى دولة الجزائر ، أو أن يكون الاتهام سياسيا بالمطلق .
التحقيقات يجب أن تكون محترفة و تهتم بالجريمة و فاعلها . الرسالة وصلت ، لأن الضحايا أوروبيين، و يبقى لغز مقتل الدبلوماسي الروسي في تفجير أركانة ، هل كان مصادفة إلى هذا الحد ؟
من جهة : ليس من صالح الأوروبيين دخول الروس على الخط في حادث أركانة ، و في قضية تخص المغرب ، و قد اهتم ساركوزي بالموضوع . و لهذا طلب السرعة و الفعالية ، و من جهة أخرى ، رأى آلان جوبيه أن عدم اتهام دولة كالجزائر أو الوضع في ليبيا أي الوضع الإقليمي في صالح التحقيقات التي تطمح إلى عدم التسييس على صعيد الداخل ، كي لا تسمح أطراف لنفسها بعرقلة إصلاحات المغرب . و على صعيد الخارج ، كي لايكون للوضع الإقليمي التأثير الذي يعرقل التوجهات الإصلاحية انطلاقا من الدستور في الجزائر و المغرب . فالقذافي يرغب في " تهويل خطر القاعدة إلى حد الذي يشرعن به حربا ضد شعبه " .
و لايمكن الأخذ بهذه القراءة الليبية . الفكر المتطرف قد يكون وراء عملية التفجير ، لكنه لن يكون له مدلول سياسي أو إقليمي .
=== عدم تعاون الديستي و دجيد ، هل كان وراء حادث أركانة ؟
منذ عملية أمغالا تدخل الجيش في محاربة الإرهاب ، الجنرال بنسليمان زار موقع التفجير في مراكش ( أركانة ) و هذه الاشارات تكشف أن كل الأجهزة المختلفة تعمل ، و أن عدم التعاون بين الديستي و دجيد قد يكون وراء حادثة أركانة ، أو عدم التنسيق سهل مأمورية الفاعل لأن دجيد و من خلال تقارير دولية اعتبرته خطيرا . و لم تعتمد الديستي هذه التقديرات .
دخول الجيش على الخط بعد عملية أمغالا ، و من خلاله ( دجيد ) التي حاربت الإرهاب في الواجهة ، و اتجاه الديستي إلى مراقبة الوضع بعد 20 فبراير كشفت في نظر بعض المراقبين الأجانب عن صعوبات في مواجهة " العمليات المعزولة و الفردية أو العنقودية " . فمن جهة رأينا كيف أدار ياسين المنصوري الأمن الانتقالي ، و هناك من يعارضه في هذه المهمة الصعبة لإنتاج معادلة ترغب في ضمان الإصلاح و في الحفاظ على الاستقرار. و من جهة أخرى ، هناك من يرغب في " احتكار " محاربة الإرهاب ، و لا يهتم بتطورات العمل السياسي الذي يعتبر العصب الحقيقي لكل استقرار .
من الناحية التقنية هناك فجوة ، كما يظهر ، و التفاصيل لم تكشف بعد .
 قصة أمغالا حسب المتورطين فيها تكشف أن الاعتقالات تمت في فترات متباعدة ، و لا يجمعها شئ هناك من رغب في ربط البوليساريو في الداخل بالقاعدة ، والأجواء الاقليمية لم تسمح بذلك في مخيم ( إزيك ) .
  === إف .بي . آي ( F.B.I ) لم تكشف عن تقريرها بعد ، و الفرنسيون يغطون العمل المغربي كاملا ؟!  
إف . بي . آي لم تكشف عن تقريرها بعد و لا ترغب ، و الفرنسيون يتكلفون بتغطية العمل المغربي بشكل كامل من جهة ، لاستعادة الثقة في الأجهزة المحلية بعد ما أثير من غموض و أسئلة في تفجيرات البيضاء ، خصوصا مع تعدد الفاعلين ( في وقت واحد ) و تواجدهم في حي واحد .
و من جهة أخرى لضمان الوصول إلى الجاني تبعا لوعد ساركوزي بعقاب من كان وراء الحادث الذي ذهب بأرواح فرنسيين ، و أخيرا لإنفاذ رغبة جزائرية وعد بها آلان جوبيه حكومة بوتفليقة ، و القاضية بعدم توجيه الإتهام تحت أي ظرف إلى بلدهم .
تقزيم هالة القاعدة في المغرب جزء من خطة تنظيم بن لادن نفسه ، لرغبته في أن تكون المملكة قاعدة خلفية للوجستيك و للتخطيط لاستهداف أوروبا ، و بقيت العمليات في المغرب " فردية و معزولة " عن تأييد المركز .
في حالة عادل .ع نرى بوضوح أن الأب مقيم بالديار الفرنسية، و الابن رغب في الالتحاق به ثم رجع من البرتغال بوصمة الخطر . و لكل هذه الاعتبارات رأينا فك اللغز من الأوروبيين و الفرنسيين تحديدا .
=== ساركوزي يضع ضمانات على إصلاحات المغرب 
لم يهتم الرئيس الفرنسي بشئ أكثر من كشف لغز عملية أركانة في مراكش ، و في حواره مع الأسبوعية الفرنسية - لكسبريس - ربط بين التفجيرات الإرهابية و بين من يريد أن يعرقل السير نحو الديموقراطية ، و الواضح أن دعم الديموقراطية أفضل جواب على الإرهاب .
تأكيد ساركوزي و قبله آلان جوبيه على دعم إصلاحات المملكة هو رسالة غربية و أمريكية إلى من يريد عرقلة الديموقراطية في المغرب تحت عنوان : محاربة الإرهاب . باريس حاليا لا تقبل أي مبرر لجيوب مقاومة التغيير .
إننا أمام " مجرمين داعين إلى الإرهاب " بتعبيره ، و هناك إرهابيون ، و بالتالي تكون صورة الاشتغال على الجريمة المنظمة جزء من الحرب على الإرهاب ، و فرنسا واعية بذلك . و محاولة الفرنسيين التأكيد على إدارة ناجحة للأمن الانتقالي بما يجعل الإصلاحات أهدافا استراتيجية للدولة المغربية يكشف أن هناك تقسيما مستترا :
أولا ، أن أمريكا تباشر بقوة الحرب على الإرهاب في الجزائر ، في مقابل احتكار فرنسي للحرب على الإرهاب في المغرب . و أن الذهاب أبعد في التعاون مع أمريكا زمن تفجيرات البيضاء 2003 كشف رغبة فرنسية في تعميق دورها في المغرب بعد تفجير مراكش .
ثانيا ، أن ساركوزي الذي يدير معركة استنبات مصالح بلاده في ليبيا ما بعد القذافي ، لا يرغب في أن تختلط الأوراق و يتأكد للرأي العام أن القاعدة قوية ، لأن حرب القذافي ضد شعبه بناها على حربه على تنظيم بن لادن .
فرنسا تعتقد ، بل و تدافع عن الإصلاحات في الجزائر و المغرب باعتبارها معركة ضد الإرهاب .
ساركوزي يحارب القاعدة و يحارب مناهضي الديمقراطية الليبرالية في الشارع العربي ، وتحالفهم يعني تحالف الظلاميين .
المجرمون الداعون إلى الإرهاب و المناهضون للديمقراطية الساكتون على الإرهاب ، و المبالغون في رفضه في البلاغات هم الظلاميون الجدد ، و تحالفهم في أي مرحلة انتقالية يكشف الهشاشة التي يرغب هؤلاء بتكريسها كصورة و كواقع للدولة و المجتمع . اليمين الديني المتطرف و يمين الدولة المتطرف هما أكبر خطر على المغرب ، و على مستقبله ، و تحالفهما يكشف عن صعوبات في إدارة المعركة .
=== تحالف اليمين الديني المتطرف و يمين الدولة المتطرف خطر على إصلاحات المغرب و على مستقبله 
تعاون ظلامي أو في الظلام بين اليمين الديني المتطرف و يمين الدولة المتطرف ، هو ما يشكل الصعوبة و الخطر الحقيقي على المستقبل ، و الهدف حاليا كما يقول الناصري : لا يتمثل في القيام بعملية استعراض - عكس المرحلة السابقة - .
أولا ، لأنها سياسة استنفدت مهامها .
ثانيا ، أن الدولة لا ترغب في استعراض عمل جهاز في مقابل جهاز آخر ، بعد أن أشار الشرقاوي إلى مجهود استثنائي لجهاز ( الديستي ) في عملية القبض على عنصرين آخرين يشتبه في تورطهما في العملية .
و المهم هو تأهيل الديستي التي ذكرها الشرقاوي في ندوته الصحافية لأول مرة يكون فيه عمل هذا الجهاز مستقبلا تحت إمرة النيابة العامة و هذا التأهيل انتقال إلى تطبيق إحدى توصيات الإنصاف و المصالحة .
=== الشرقاوي وزير الداخلية يصف تحريات الديستي بالدقيقة و الناصري يصف الجهاز بالذكي ؟!
في توصيف لا يخلو من عودة قوية للديستي  و لرجلها القوي : الحموشي ، وصف وزير الداخلية الشرقاوي تحريات الديستي بالدقيقة ، و وصف عمل هذا الجهاز بالذكي مع الفرنسيين . لكن مع ذلك تم طرح أكثر من سؤال لا يزال معلقا .
آلان جوبيه يصرح بمشتبهين و يصرح وزير الداخلية المغربي بثلاثة لتمييز الموقفين قبل أن يصل العدد إلى سبعة ، فتغطية عمل الديستي لم يكن فرنسيا بالشكل الكافي مما اضطر الطيب الشرقاوي إلى وصف تحريات أضافت إلى اللائحة مشتبها ثالثا بالدقيقة ، و أن الابقاء على الإطار المحترف كان جزءا من هذا التعاون من خلال اعتماد التحريات على الاستعلامات و الشهادات ، كما أكد الناصري وجود كاميرات مراقبة ساهمت في كشف لغز عادل .ع ، الذي ظهر بباروكة و بقيثارة ، لكن لا أحد  يدري لماذا حول 9524 درهم إلى 800 يورو في 26 \04\2011 ، هل للظهور أنه من مغاربة المهجر و أنه عاد توا لتعامله باليورو ، أم لأن اللغز لم يكتمل ، فوالده أصلا في الديار الفرنسية و لا يحتاج لهذه اللعبة ....
لم يستبعد كلود غيان وزير الداخلية الفرنسي ايقاف عدد أكبر لهم صلة بالحادث ، و استنادا إلى رغبة الديستي التي استجاب لها الطيب الشرقاوي ، و أبلغها لنظيره الفرنسي .
اليوم هناك عودة الديستي بغطاء دولي ، و لعملها كما في السابق في التحريات . وضع أوقف عنها هجمات إعلامية دعت السلطات إلى حل المؤسسة ، كما حدث في تونس و مصر ، أو على الأقل تغيير قائدها الحموشي ، أو في مستوى ثالث دعت السلطات إلى رفض الاعتقالات التي تتم بمقرها المركزي في تمارة .
و السؤال : هل فرنسا تدرك الاحتقان الذي سبق الحادث ؟
الشئ المؤكد أن لا مكان لأي جهاز إن لم يكن إلى جانب الاصلاحات التي نادى بها الملك ووافق عليها المجتمع الدولي و أيدها ، و إصلاحات يراها الشعب اتجاه مؤسساته بما فيها الاستخبارية لتكييف الديستي و غيرها مع الشروط و الاصلاحات المرتقبة في المملكة . الرسالة واضحة إلى هذا الجهاز ، ففرنسا لا تقبل حل أي جهاز أمني أي لا تقبل حل الديستي و لا ترغب في أن يعرقل أي جهاز أمني أو استعلامي إصلاحات الملك التي وصفها آلان جوبيه بالشجاعة .
قد تكون قوة الديستي مثيرة للطيب الشرقاوي ، و قد حمى هذا الجهاز وزير الداخلية و الآن يحميه الوزير ؟! و قد تعرضا معا إلى انتقادات من صحافي تعرض أخيرا إلى الاعتقال ،  أمريكا من جهتها ترغب في دعم الأمن الانتقالي الذي يديره ياسين المنصوري " بقدرة فائقة و بإيمان قوي " إلى حين وصول إصلاحات الملك إلى أهدافها كاملة دون تأجيل أو تعطيل . و في ظل هذا الوضع الأمني نجد أن الرغبة في التعاون و الاحترافية و عدم الانتقام و المزيد من المسؤولية هو ما يشكل الواقع الذي يمكن معه أن يكون تأمين المرحلة من الانزلاق ، و تأمين الإصلاحات للوصول إلى أهدافها - بتعبير آخر تقرير فرنسي - .

ماوراء الحدث عدد 28 ص 3 بقلم عبد الحميد العوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق