عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 4 مارس 2011

حسابات مسيرة 20 فبراير ومصالح ثلاثي نافذ تهددان بانشقاق حزبي


حسابات مسيرة 20 فبراير ومصالح ثلاثي نافذ تهددان بانشقاق حزبي
"ما وراء الحدث" تكشف أسباب وتداعيات استقالات من الأمانة العامة للعدالة والتنمية
إلى أي حد يمكن أن تمتد التأثيرات السلبية لاستقالة ثلاثة أعضاء من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، على هامش الخلاف حول موقف الحزب من المشاركة في مسيرة 20 فبراير الجاري؟ هذا هو السؤال الكبير الذي تبحث قواعد الحزب الإسلامي عن أجوبة له، خاصة أن الاستقالة تتعلق من جهة بمصطفى الرميد، الذي يلقب بكبير صقور الحزب، والحبيب الشوباني، الذي سبق أن شغل منصب رئيس فريق برلماني للعدالة والتنمية في مجلس النواب.
في الواقع، يتعلق الخلاف عن الموقف من احتمالات تهم الوضع المحتمل الذي أقلق المسؤولين المغاربة بخصوص مسيرة 20 فبراير، حيث كانت هناك هواجس أمنية عند المسؤولين المغاربة من أن تندلع أحداث شغب غير متحكم فيها، إلى درجة تطلب تسريع من اتصالات بين بعض مسوؤلي الدولة وعبد الإله بنكيران، الرجل القوي في العدالة والتنمية، من أجل تفادي مشاركة أعضاء الحزب الإسلامي في المسيرة، إلى جانب حديث في الكواليس عن لقاءات موازية مع أعضاء من العدل والإحسان.
ومن عاين طبيعة الحضور الإسلامي في المسيرة، سواء حضور العدالة والتنمية أو العدل والإحسان، لا شك أنه لاحظ حضورا متواضعا لأعضاء من العدل والإحسان، وغيابا واضحا لقواعد العدالة والتنمية، وهذا المعطى، أو حساباته في الكواليس، هو الذي غذى بعض القراءات التي تحدثت عن "صفقة سياسية" بين الدولة والعدالة والتنمية على الخصوص، وهو "الاتفاق" الذي عجل بإعلان مصطفى الرميد والحبيب الشوباني، عن استقالتهم من الأمانة العامة للعدالة والتنمية، قبل أن ينضم إليهما عبد العالي حامي الدين، والذي ينتمي إلى تيار الرميد في الحزب.
وكان من معالم "الاتفاق"، أن يطلق سراح جامع المعتصم، القيادي في العدالة والتنمية، والذي كان معتقلا في ملف فساد مالي وإداري بسلا، وتعيينه أياما قليلة بعد الإفراج، في لائحة أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك، ورغم أن أبسط مبتدئ في اللعبة السياسية، لا بد له أن يعقد علاقة واضحة للعيان حول احتمالات "صفقة سياسية" بين الدولة والحزب الإسلامي، ولن تنقص التأصيلات الشرعية التي سوف تصدر عن الأقلام المدافعة عن كل ما يقوم به بنكيران ويتيم وبها، إلا أن جامع المعتصم، بالرغم من ذلك، لا زال مصرا على أنه إذا تبين له أنه كانت هناك صفقة في الموضوع من أجل أن يصدر قرار العفو والإفراج عنه، فإنه سوف يعود للسجن مجددا، كما عبر عن ذلك في تصريحات إعلامية "للمساء" و"أخبار اليوم"، (عدد الثلاثاء الماضي) مع أنه لا يمكن لجامع المعتصم أن ينكر، أنه قرر المشاركة في مسيرة فبراير الأخيرة، ولكن أثناء خروجه، اتصلوا به من الأمانة العامة للعدالة والتنمية، وأخبروه أنه مطالب بالمشاركة في لقاء حزبي للعدالة والتنمية بالقنيطرة، وهذا ما كان، دون أي معارضة أو نضال أو مزايدة.

 استقالات لإراحة الضمير
وحسب المقربين من مصطفى الرميد والحبيب الشوباني، فقد بدت معالم "الاتفاق" بنكيران ويتيم وبها مع الدولة في صدور بلاغ عن وكالة المغرب العربي للأنباء، وجاء فيه "أعلن حزب العدالة والتنمية أن قراره بعدم المشاركة في تظاهرة 20 فبراير قد تم في الأمانة العامة للحزب بعد أربع ساعات من النقاش المستفيض الذي تناول الموضوع من مختلف جوانبه"، وأضاف البلاغ أن هذا القرار الذي يأتي "في إطار مراعاة المصالح العليا للبلاد واستقرارها وفي إطار احترام لمرجعيات الحزب وقواعد العمل فيه"، تم اتخاذه من خلال "تصويت سري، حيث صوت لعدم المشاركة تسعة أعضاء وامتنع ثلاثة عن التصويت ولم يصوت أحد للمشاركة"، معتبرا في رسالة استباقية إلى قرار مشاركة الرميد ومن معه في المسيرة أن "مشاركة أي عضو من الحزب مهما كان وضعه في الحزب لا يمكن أن تكون إلا مشاركة شخصية وعلى مسؤوليته ولا يمكن أن تعتبر تمثيلا للحزب بأي شكل من الأشكال".
وبالموازاة مع صدور هذا البلاغ، أعلن الشوباني رسميا عن استقالته من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية مرجعا الأسباب التي دفعته للاستقالة إلى ما قال عنه تجاوز عبد الإله بنكيران للمشروعية بتهميش الأمانة العامة للحزب في "حدث كبير كالذي تموج فيه الأمة العربية ووطننا اليوم"، مضيفا في رسالة الاستقالة التي نشرها الموقع الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية إنه "تألم لموقف بنكيران الرافض للمشاركة في تظاهرات 20 فبراير"، معتبرا الموقف "متسرعا وتجاوزا لمؤسسة الأمانة العامة لحزبه"، مشددا على أن "تجاوز المشروعية ينطوي على مخالفة شرعية وأخرى تنظيمية تستوجب سلوكا تصحيحيا"، كما اعتبر الشوباني أن قرار استقالته "قرار لا رجعة فيه وأنه اتخذه بمسؤولية واستقلالية وتجرد وسلامة صدر، ليصحح ما بينه وبين مؤسسة الحزب وليريح ضميره الذي لا يمكن أن يتعايش مع مسلكيات ضرب مشروعية المؤسسات"، قبل أن يعلن مصطفى الرميد هو الآخر عن استقالته،  ليتلو ذلك، التحاق عبد العالي حامي الدين بالنائبين، ليصبح ثالث قيادي يستقيل من مؤسسة الأمانة العامة، معتبرا بدوره أن دواعي الاستقالة تتمثل في "التدبير المرتبك الذي طبع سلوك بنكيران في هذه المرحلة وخاصة الموقف المتعلق بـ20 فبراير"، والذي اعتبره حامي الدين "قرارا انفراديا من قبل الأمين العام رهَن معه باقي مؤسسات الحزب"، كما وصف حامي الدين في رسالة استقالته التصويت الذي جرى داخل الأمانة العامة لحزبه حول الموقف من تظاهرات  اليوم الأحد بـ"التصويت الفاسد، لأنه جاء عقب معطى أساسي يطعن في سلطان الإرادة لدى أعضاء الأمانة العامة".

 ليس دفاعا عن بنكيران
سهل جدا أن يتفق أي مراقب لأداء العدالة والتنمية، على أن بنكيران وجماعته، (يتيم وبها) يفعلوا ما يشاؤون في الحزب وفي المؤسسات التي تتفرع عنه، الحركة والجريدة والنقابة ـ التي تتعرض للانشقاق ـ والتنظيم الطلابي والقطاع النسائي)، بدليل تأمل عدد المناصب التي يترأسها محمد يتيم، وسوف نتوقف بعد قليل عند بعض نتائج هذه العقلية على واقع الحزب الإسلامي، على اعتبار أنها عقلية بعيدة عن المرجعية الإسلامية، وتؤسس لنوع من "الاستبداد الحزبي الإسلامي" الفريد من نوعه في المغرب.
ولكن في المقابل، المراقب الدقيق لموقف العدالة والتنمية من قرار عدم المشاركة في مسيرة 20 فبراير، (والأكيد أن بعض أعضاء الأمانة العامة، هم تابعون لمواقف بنكيران، بل إن بعضهم يعتبر الرجل ولي نعمته..) يخرج بخلاصة أنه فعلا جاء "في إطار مراعاة المصالح العليا للبلاد واستقرارها وفي إطار احترام لمرجعيات الحزب وقواعد العمل فيه"، حسب نص البلاغ الصادر في وكالة المغرب العربي للأنباء.
إذا كان هناك خلاف حول الحديث عن قرار يأتي "في إطار احترام لمرجعيات الحزب وقواعد العمل فيه"، بل إن هذه الفقرة، أشبه بنكتة إسلامية، حسب قواعد الحزب، وحسب بعض المسؤولين المقربين من بنكيران، والذين شاركوا في المسيرة، فإنه لا يصعب المزايدة على بنكيران بخصوص التعامل مع القرار على أساس أنه فعلا وبالتأكيد يأتي "في إطار مراعاة المصالح العليا للبلاد واستقرارها"، لأن موضوع المصالح العليا للبلاد والاستقرار، كان هاجس المسؤولين الكبار في الدولة قبل موعد المسيرة، بل كانت هناك مخاوف من أن تنقلب الأمور نحو ما لا يحمد عقباه، وبذلك، يمكن المصادقة على أن مخاوف بنكيران، التي توازي مخاوف المسؤولين، كانت في محلها، وأن يستغل الأمين العام للحزب الإسلامي، للموقف من أجل الإفراج عن المعتصم، وتحقيق مطالب سياسية أخرى، فهذا أمر جاري به العمل في اللعبة السياسية: إنه منطق "اعطيني نعطيك"، بصرف النظر عن اختلاف المرجعية، بين أن تكون يساريا أو إسلاميا، إنه نوع من "البيع والشراء" السياسي والمميز للعبة السياسية، ومن لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، فـ"أبواب الحزب مفتوحة" و"أرض الله واسعة" لتقديم الاستقالة، لم لا، تأسيس حزب إسلامي جديد، حسب ما تطمح إليه بعض قيادات العدالة والتنمية في الأمانة العامة.

 نفاذ صبر العثماني
هل يمكن أن نتوقع الإعلان عن حزب إسلامي جديد، كنتيجة متوقعة لبعض التأثيرات السلبية لاستقالة الرميد والشوباني من الأمانة العامة؟
هذا احتمال قائم، رغم أنه ضعيف، إلا أن اضطرار الرجلان إلى تقديم الاستقالة، ومعهم العضو الثالث، يعبر عن مدى السخط الذي يسود في الحزب من الهيمنة الكبيرة التي يقودها الثلاثي بنكيران ويتيم وبها في مؤسسات الحزب، ويكشف لأول مرة عن تذمر بعض أعضاء الأمانة العامة، وبالتالي، تيار في الحزب من هذه السلوكيات، لأنهم يعتبرون أنها تسيء للعمل الإسلامي.
وقد يكون الإسم المؤثر في خيارات ما بعد تقديم هذه الاستقالات الثلاث، هو سعد الدين العثماني، رجل "إمساك العصا من الوسط" في الحزب، والرجل الذي يتحسر أغلب أعضاء الأمانة العامة وأغلب القواعد الحزبية في العدالة والتنمية، على الحقبة التي كان حينها، أمينا عاما للحزب الإسلامي، لمسيرته الطيبة، وعلاقاته الإنسانية (مع الجميع، وليس فقط مع أعضاء الحزب)، إضافة إلى طبيعة خطابه الثقافي والسياسي المعتدل، وغيرها من الخصال الغائبة عند بنكيران، ولعل غياب هذه الخصال، يفسر كثرة الأزمات السياسية التي تورط فيها العدالة والتنمية منذ تعيين الأمين العام الحالي في كرسي الرئاسة.
وتفيد مصادر "ما وراء الحدث"، أن صبر سعد الدين العثماني يكاد ينفذ مما يجري، فللصبر حدود، بخلاف ما صدر عن الرميد والشوباني وحامي الدين الذين نفذ صبرهم، وقرروا تقديم الاستقالة، وانتظار ما سوف تستجد به الأسابيع المقبلة.
ومن غير المستبعد أن نجد في لائحة هذه المستجدات، ما أشار إليه محمد أمحجور، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، والذي اعتبر أنه "لن يضر حزب العدالة والتنمية أن يثبت في حقه أنه أخطأ الموقف، ولن يضيره أنه لم يوفق في اختيار الموقف السليم أو المناسب إذا ثبت بعد حين أن موقف الأمين العام والأمانة العامة كان يجانب الصواب، كما أنه من المحتمل أن يكون لموقفنا هذا ضريبة بأن ينال من شعبيتنا أو أن يتهمنا هذا أو ذاك بما يشاء، كل ذلك ممكن ومحتمل، فما هي السياسة إن لم تكن حصادا لثمن موقف أو قرار إما ربحا أو خسارة، وتلك سنة السياسة كما يتداولها الناس، ولو كان الأمر غير ذلك لخلد كل حزب في موقعه ولما تداول الناس على السياسة معارضة وموالاة، إصابة للمرمى أو إهدارا لهدف محقق؛ إن ذلك كله ممكن ومتصور، وغير المتصور هو أن ننقض أسس منهج ارتضيناه، وأن نضيع قواعد عمل بنيناه، وبعد 20 فبراير نجد أنفسنا حيارى لا موقفا أصبناه ولا منهجا حفظناه، وتلك لعمري هي الخسارة كل الخسارة لا قدر الله".
وهذه قراءة حكيمة تختلف عن قراءة المراوغة والهروب نحو القشور، كما صدرت عن الكاتب والإعلامي والأستاذ والنقابي والبرلماني... محمد يتيم، والذي اختزل الهواجس السياسية الكبيرة والأسئلة الخطيرة التي تطرحها بعض القيادات وأغلب القواعد، بخصوص موضوع الاستقالات في التأكيد على أنه "انطلاقا من قاعدة المسؤولية نؤاخذ على بعض الإخوة الفضلاء عدم تحمل مسؤوليتهم في الحضور للقاء الأمانة العامة حيث رجع البعض أعمالا أخرى على التزاماته المرتبطة بعضويته في الأمانة العامة وهذا قد يكون مبررا في بعض الأحيان حين تكون الظرفية عادية لكنه ينم عن إخلال بروح المسؤولية في الظروف الاستثنائية، أما إذا صح أن البعض قد قاطع اللقاء قصدا فتلك مسؤولية مضاعفة. فحضور هؤلاء بالمعطيات التي تكون لديهم أو بالحساسية الفكرية التي يمثلون كان من الممكن أن يرشد تفكير أعضاء الأمانة العامة نحو قرار أفضل أو أن يجعلهم من خلال التفاكر الجماعي أن يغيروا موقفهم. للأسف الشديد الانسحاب أو عدم تحمل المسؤولية فيه بشكل أو بآخر قصد إلى ذلك أو لم يقصد اعتداد بالرأي، وتصريف له في غير الفضاء الذي كان أن يصرف فيه فأضروا بالحزب وأضروا بأنفسهم".
الأعضاء الذين يخافون على مصير الحزب من هذه التطورات وانعكاساتها على الأوضاع الداخلية، يعتبرون أنه من غير المستبعد أن يسقط الحزب في "نقض أسس منهج ارتضيناه، وأن خسارة قواعد عمل بنيناه"، أما أحد المتحكمين في دواليب الحزب، فاعتبر أن الأزمة، تكمن بالكاد في "عدم تحمل المسؤولية فيه بشكل أو بآخر ـ من طرف الثلاثي المستقيل ـ وتصريف له في غير الفضاء الذي كان أن يصرف فيه فأضروا بالحزب وأضروا بأنفسهم"، وكفي الله الأمانة العامة للعدالة والتنمية، شر مواجهة الأعضاء الذين قدموا استقالتهم، لأن هناك من يتمنى الحصول على هذا المنصب، وغيره...
جريدة ماوراء الحدث عدد 17  ل 25/2/11   خليل العلوي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق