عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

السبت، 12 مارس 2011

في اتجاه ملكية ثانية هل المغاربة استثنائيون ؟


تحول المغرب بسيط إلى حد بسيط، ومعقد إلى حد كبير، قد تكون الجملة نفسها مربكة لكن المملكة إن اختارت تحولها بإسقاط الوزير الأول وحكومته، فهذا لا يعني شيئا على مستوى التغيير أو الإصلاح ؛ لأن عباس الفاسي ليس له سلطة "أمنية" ولا يقود الأجهزة، بمعنى أن الحكومة بلا سلطة حقيقية، وهكذا يكون التحول بسيطا إن ذهب عباس الفاسي أو سقطت حكومته، من جانب آخر فالتحول معقد إلى حد بعيد إن أعيدت كتابة الدستور على أساس توازن السلطات وفصلها، وعلى أساس انتقال ملكي إلى دولة ثانية.
هذا التفسير يحمل ظلالاً، هو أن الشارع إن أسقط عبر التظاهرات حكومة الفاسي في الغد يجب على الشعب أن يشكلها.
الحكم دخل في ترتيبات رغم أنفه لا تصل درجة الإصلاحات، لذلك فالحرب على الإصلاحات "الأصيلة والجذرية" جزء من عقيدة الأمن السياسي للمملكة الحارس الدائم لنظامها. اليوم المغرب يقف ليرى موقف أمنه من سياساته ؟! هل ستكون الردة... أم طلاق وعدة مع ما سبق... لقد استخلص وزير الداخلية الليبي العبرة، واستقال قبل أن يلقى مصير وزير الداخلية مبارك وبن علي ؟!.
النظام الأمنيفي هذه التحولات - خرج عن سيطرة الجيش ثم عاد إليه بفعل الثورة، فالصراع بين الأجهزة الأمنية جزء كبير من الأزمة، كما أن التواطؤ بينها قد يزلزل النظام من الداخل إن وصلت الحرارة إلى الحكم.
خيار الريف والبيضاء 84 وفاس 1990 سقط نهائيا بعد قرار مجلس الأمن الأخير ضد نظام القذافي، لقد قارن الأخير ما فعله بما كان في ساحة الصين والهجوم الروسي على الكرملين. ربما هذه المبررات أتت بعكس ما توقعه تماما من سماه نائب المندوب الدائم لليبيا في الأمم المتحدة (سفاح طرابلس).
حاليا، لا يمكن لأحد أن يقبل سيناريو (الأرض المحروقة) في مواجهة المتظاهرين، وعليه يكون دخول الأنظمة حتمي إلى عصر الإصلاحات. لا يمكن أن يعيش أي نظام عربي "متأخراً" عن هذه الموجة، والدليل أن سلطنة عمان الأقل سخونة تحركت أخيراً.
التوجهات العامة رياح عامة لا يمكن الوقوف ضدها، فالحسن الثاني اختار كل شيء تحت الضغط وقدم تنازلاته بعدها، وقبلها في التسعينات لانتقال العرش.
الأساس في كل ما يجري : انتقال حزب الأصالة والمعاصرة إلى حزب طبيعي يديره بيد الله ولا تأثير عليه من طرف الهمة، كما لا تأثير للحزب على الدولة، ثانيا أن الحزب الذي طرح مشكل الحكامة في البيضاء وفي مدن كثيرة واجه مشكل الحكامة في الصحراء، وكان من الطبيعي أن تطرح هذه المشكلة في إقليم ينتظر "حكما ذاتيا". وبالفعل هزمت انتفاضة العيون حزب الهمة قبل أن تُسْقِطَ الثورة التونسية نموذجه، ويخسر بثورة مصر اعتباره "حزب الدولة" (الحزب الوطني)، وينتهي رمزيا في مسيرة 20 فبراير.
ثالثا، أن المجتمع عاد إلى ديناميكيته وإن لم يعد المجتمع السياسي إلى أحزابه، ورغم أن الدولة تخلت عن حزبها فإن المجتمع السياسي لم يعد إلى أحزابه، والنظام مريض "باستثنائيته". فهل المغاربة استثنائيون ؟
الملكية المغربية ليست استثناءا في تأسيسها وفي تراثها الديني وإمارتها الإيمانية، على أن رد فعل المغاربة اكتسب جزءاً من الشجاعة في الحفاظ على السلم الأهلي والمطالبة بالإصلاح من أمير - من داخل الأسرة الحاكمة (مولاي هشام) هاجر إلى الخارج - ومن وزير أول (اليوسفي) رفض أن يكون له رد فعل في 2002 ؟! وغيرهم من النماذج.
إن الشعب ليس استثنائيا، بل ردود فعله "استثنائية" للحفاظ على كل المكتسبات والتقدم إلى إصلاحات جديدة. وللمغاربة صبر أن يطالبوا بهذه الإصلاحات مرة تلو أخرى. اليوم الشيء الذي عليه الإجماع بعد الملكية هو (الإصلاح). من داخل الحكومة (الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية) ومن خارجها، ومن داخل القصر وداخل كل مغربي. لكن الكلمة الثالثة التي يرغب فيها المغاربة السلم الاجتماعي وعدم الفوضى، لسنا بلدا بتروليا لنبني ما نهدم أو نكسر.. الشعب يعي فقر موارده، ويريد الإصلاح، ويرغب في كل شيء إيجابي.
هذا ليس ضعفاً من الشعب المغربي أبداً، لكنه احترام لتراث ثورة أقرها محمد الخامس وشعبه، لتكون "روح العقد السياسي" الجديد. المخيف أن الخطاب الرسمي اليوم، لا يرى ضرورة في إقرار إصلاحات سياسية، لم يباشر تنمية سياسية، ودعا إلى تعاقد اجتماعي جديد، ولم يذكر لفظ "تعاقد سياسي" جديد أو بديل آخر، مما يجعل الدستور هو "المقدس" في المرحلة.
من جهة تعتبر الملكية مؤتمنة على مجموع القيم المشتركة في المغرب فهل يمكن أن تكون أفق التطلعات المشتركة من شباب 20 فبراير في الشارع وإلى تعديلات الاتحاد الاشتراكي على الدستور داخل الحكومة ؟!
إن هناك ردة وانتكاسة في مقابل الثورة التي تجتاح الشعوب من الرباط إلى مسقط، والغريب أن الدرس يتكرر، كل الأنظمة تقيس تنازلاتها بحرارة الشارع. ألن يكون المغاربة استثنائيين ويعملوا على برنامج إصلاحي دون حرارة الشارع ؟
هذا الاستثناء الإيجابي هو وحده الذي يجب أن نُذكِّر به أولي الأمر والنُّهى (العقل السياسي) وليس النَّهي فقط، لأن سلطات الردع والعقل الأمني عموما قد يؤدي إلى اتجاهات لا يرغب فيها أحد.
سيناريو القذافي في المغرب انتهى (الأرض المحروقة على المتظاهرين) كما سبق أن سقط سيناريو (التونسة) مع حزب الهمة، ولذلك نظريات الأمن السياسي التي عملت عليها كل الأنظمة العربية سقطت وإلى غير رجعة.
الانتقال من عقل يقول بالأمن الاجتماعيعوضاً عن السلم الاجتماعي المؤسس على ما هو سياسيإلى تعاقد جديد يتطلب أولا : وضع جدلية الحركة والعمل بين العقد السياسي الجديد وعصبه : الدستور الجديد وبين سلم اجتماعي أساسه نظام سياسي جديد أو متجدد.
في قراءة المخزن ليس مهما "صياغة سياسات بديلة" بل تحقيق الأهداف "المجتمعية" بأهداف مسطرة، وهذه الرؤية الرسمية يعترض طريقها : أن المغرب يرغب في أن يكون ما يريد، على أن سيرورة الغرب السياسي كان في أمريكا - كما يعرف كل الدارسين في العلوم السياسية - هو مزيج بين the best American tradition وthe best frech manner أحسن عرف محلي وأحسن وسيلة وأسلوب فرنسي ؟!
الشعب لا يمكنه أن يصنع العجلة مرة أخرى. فما هو واضح من المبادئ عالميا كقيم كونية لا يمكن تجاوزه باسم الخصوصية، المعنى قمين بأن يعطي روحاً لشكل دستوري معين، وللأوامر ولقوانين داخلية لبرلمان على أساس أن تكون تفصيلا كبيراًكما يقول الفقهاء الدستوريون
لا يمكن أن يكون المغاربة استثنائيين، وعندما ننظر هزيمة الاتحاد السوفياتي السياسية وهزيمة القذافي الأخلاقية نكون أمام انتصار لقيم كونية، وهذا الانتصار العربي في الشوارع ليس لليبرالية، بل للحرية، وللعدالة والمساواة.
لا يمكن أن نستثني عن هذه القيم، هناك استثناء في الأشكال وبعض التفاصيل، وفي فيتو الجيب pocket veto للملك.
صيغة الاستثناء ألا نكون حالة استثناء في العالم، والمغرب عاش استثناءا ديمقراطياً فيما سبق، وحدثت انتكاسة طلبت نموذج بن علي في المغرب، وبعد انكساره يريد المسؤولون أن نكون استثنائيين هذه المرة خارج ما يعيشه إقليمنا وشمال أفريقيا تحديداً.
القراءة الأمنية للأحداث تسيطر على المسؤولين المغاربة، وبعد فشل "قتل الانتفاضة في البيضة" والأرض المحروقة في ليبيا تكون كل الإجراءات الأمنية الناجعة إجراءات سياسية على الأرض وباتجاه الشعب.
التحول الذي لا يجعل المغرب استثناء هو اعتماد الأمن الاجتماعي على الإجراءات السياسية لتصليب الاستقرار. انطلاقا من leaping over أي من القواعد الأولى التي يمكن أن تتغير في أي حوار، وإلى الخطوات التي تؤدي إلى التغيير الديناميكي من داخل المنظومة باتجاه تصحيحها.
القراءة الدستورية لأي تغيير فيما وقع عليه من اتفاق في 1996 يجب أن يكون باتجاه ملكية ثانية، وإن لم يتفق الأطراف على هذه الغاية فلا مجال لإحداث تعديلات لأنها ستكون تحسينية وليست جذرية، ثم أن التوجهات "الخاصة" ستذهب باتجاه فيتو الملك (التنفيذي) بتعليل قراره كتابيا في مراسلاته مع الحكومة في مقابل رغبة الملك المطلقة.
الانتقال إلى نموذج مغربي في تحديد كل السلطات قد يقرأه العالم تطوراً إن حدد العلاقات الدستورية بين السلطات وليس اختصاصات هذه السلطات فقط.
انتقال سلس وذكي وخاص وغير شاذ إلى ملكية ثانية سيكون أفقاً آخر لتقدم المغاربة. الآن يدرك المسؤولون جيداً أن مساس الدستور لن يكون "غير جوهري" ويعني قبل تعديل الدستور الحالي الاتفاق على هذه الملكية الثانية.
الأمن الاستراتيجي لأي تحول معقول ومقبول أن يكون بإرادة الشعب، ويجب أن يخدم "الجودة التشريعية" التي تمكن المغرب من صياغة دستور جديد بمعايير العصر، كما يخدم "المساواة التشريعية" بما يناسب ألا تكون أي سلطة مقدسة إلا بمقابل أخرى، وليست مقدسة بأي معنى مطلق.
المغاربة في هذه النقطة لا يمكن أن يكونوا استثنائيين وخارج عصرهم كما لا يمكن أن يكونوا استثنائيين بمعنى الاستثناء الإيجابي، بعد أن أضاعوا فرصة تحولهم إلى نموذج بفعل الردة والانتكاسة التي حدثت بعد 2002، وتكرست إلى أن سقطت النماذج الشبيهة في شمال أفريقيا.
في هذه الحالة يجب أن تعد ممارسة الملك لسلطاته ممارسة لسلطات الأمة عبر موقعه وليس ممارسة سلطات شخصية له، ويمكن في (الإستاليشمانت) أو المؤسسة الملكية أن نقرأ التحول على اعتبار أن كل السلطات بما فيها الملكية تمثل الأمة المغربية.
ومعلوم أن مثل هذا الوعي قد يحررنا من أي صراع مصطنع، ويقربنا من التحول السلمي الشديد إلى ما يريده الملك وشعبه. الاستثناء المغربي يقصد عند بعضهم، التمرد على قوانين السياسة والتطور، ومعمر القذافي الذي ادعى أنه "المجد والاستثناء" رد عليه أوباما بقوله : أن أكبر شيء نريده أن نكون بشراً. بشريتنا تمنحنا شيئا واحدا : أننا لسنا استثنائيين بكل معاني الكلمة. نحن أبناء شرعيين للتأثير والتأثر، وبالتالي نقرأ معاني الملكية نبلاً من التاريخ وتموقعاً أفضل في الحاضر واستشرافاً لاستمرار العرش.
والثورة الهادئة جزء لا يتجزأ من القدرة على التقاط ذبذبات العصر بأذن محلية، ومن غير ماكياج خادع. فصناعة السياسة جزءها وظيفي، واستدعاء التجارب الأخرى أو تطوير التاريخ يكشف أننا أمام كل تحول نقرأ الآخر ولا نقرأ الذات، وأمام كل استقرار نقرأ الذات قبل أي شيء آخر أمامنا.
وقراءة جيدة للآخر أو لحاجات الذات يكشف معطى واحدا : لسنا استثنائيين ولن نكون في تحقق هذه الحالة سوى جامدين ومتأخرين.
والذي يحب مغربه لا يقبل أن يكون غير ما يرتضيه المغاربة، فالسلطة موضوعة بيد الملك ومصنوعة بيد الشعب ومشروعة حسب الدين والتاريخ والوطن.
مرة أخرى، لا يمكننا أن نكون استثنائيين، وإن صنعنا نموذجنا إلا بمطابقته مع العصر.
الاستثناء الجماهيري أسقط الدم، والاستثناء الستاليني سقط في الدم وقبلهما النازي والفاشي والطالباني ! الاستثناء يجب أن يكون في مسار الحضارة وليس ضدها، والمغرب المتحالف حضاريا لا يمكن بأي حال إلا أن يكون في مقدمة هذه الإنسانية، من أنسنة العولمة إلى أنسنة التقدم إلى تنمية سياسية تقود الإنسان الحر ولا تنقاد إلى الاستثناء لأنه ببساطة غير إنساني ؟!


ماوراء الحدث عدد  18 ل 4/3/2011  ص  20  عبد الحميد العوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق