عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

السبت، 12 مارس 2011

صراع خطير بين أجنحـــــة النظام حول محمد الســــادس


 ‬الأغلبية مستعدة لتعديل بعض مواد الدستور إن قرر الملك ذلك،‮ ‬الاتحاد الاشتراكي‮ ‬تحديداً‮ ‬لا‮ ‬يرى مانعاً‮ ‬من هذه الخطوة،‮ ‬وأن تكون القرارات‮ "‬توافقية‮"‬،‮ ‬لكن بعض المدافعين عن سلطات الملك الواسعة‮ ‬يرون أن هذا الباب إن فتح لن‮ ‬يغلق وقد‮ ‬يسقط في‮ ‬تنازع بين البرلمان والقصر مستقبلا،‮ ‬وأن توافقات الحسن الثاني‮ ‬مع الأحزاب التي‮ ‬أعطت دستور‮ ‬1996 يمكن أن تعطي‮ ‬توافقات أخرى مع ملك آخر‮ .‬
الشارع‮ ‬يطالب بتغييرات جذرية‮ (‬بطريقة مباشرة أو‮ ‬غير مباشرة‮) ‬والملك‮ ‬يقول بإصلاحات وبطريقة عمل معين،‮ ‬وبينهما نرى النخبة منقسمة على نفسها تريد‮ "‬تغييراً‮ ‬سلمياً‮" ‬لتوزيع السلطات في‮ ‬المغرب‮.‬
‮ ‬ويتساءل المراقبون‮ : ‬هل الاصلاحات المطروحة ذات معنى ؟
عباس‮  ‬الفاسي‮ ‬مستعد للاستقالة تذكر باستقالة اليوسفي
أوضحت مصادر شديدة الاطلاع‮ ‬أن اتفاقاً‮ ‬تم بين‮  ‬المعتصم وعباس الفاسي‮ ‬حول الطريقة التي‮ ‬يراها القصر صالحة للمرحلة،‮ ‬وأن الوزير الأول ليس راغباً‮ ‬في‮ ‬السلطة إلا بما‮ ‬يريدها له الملك،‮ ‬وفي‮ ‬خدمة الوطن‮. ‬رسائل الطمأنة حملها نقابيون عن القصر‮ ‬،‮ ‬و العرش‮ ‬يخاطب النقابيين في‮ ‬سابقة هي‮ ‬الاولى من نوعها بشأن الاصلاحات السياسية،‮ ‬وقد احتكرت الاحزاب مثل هذا الحوار،‮ ‬وخوف النظام من الشباب و النقابات،‮ ‬ويعني‮ ‬تحالفهما تحريك الشارع‮ ‬
وقد اعتبر البعض أن عائلة الفاسي‮ ‬ظلمت في‮ ‬التركيز عليها إعلاميا لإبعاد الضوء عن الملك‮  ‬وعن‮  ‬نفوذ الهمة واجتياحه الذي‮ ‬توقف‮. ‬من جهة قال عيوش أن الملك سيبيع شركاته وينشئ صندوقاً‮ ‬استثماريا،‮ ‬ويقرض المال للأشخاص الذين‮ ‬يريدون خلق المقاولات،‮ ‬وهذا‮ ‬يطرح سؤالاً‮ : ‬وماذا عن عمل البورجوازية المتنورة والمواطنة وهل ستساعد في‮ ‬تعميق هذا التوجه الملكي‮ ‬؟ لأن من المهم ألا تقصد المرحلة إضعاف موقع الملك المالي‮ ‬في‮ ‬مقابل بقاء صلاحياته الواسعة،‮ ‬لأن استفادة رأسمالية معينة من وضع الملك الضعيف اقتصاديا سيضع كل النظام تحت جناح الشركات الكبرى،‮ ‬ففكرة أن‮ ‬يكون الملك‮ ‬investisseur et non opérateur وأن‮ ‬يكون موقعه تنافسيا وليس احتكاريا في‮ ‬المال والسلطة هو تقدير آخر للوضع‮.‬
قد تكون إشارة عيوش إلى إغلاق الشركة المكلفة بكل العمليات التواصلية والإشهارية لأونا‮ ‬FCAD - قبل انطلاقتها من طرف الماجيدي‮ - ‬كما قد تكون رسالة من النظام إلى المجتمع،‮ ‬لأن عيوش لا‮ ‬يتحرك من دون ضوء أخضر باسم الملك منذ أن طلب القصر من جطو إعطاء مليار و100 مليون سنتيم إلى‮ (‬2007 دابا‮) ‬؟‮!‬
الرسالة وصلت،‮ ‬لكنها لا تحمل جديداً،‮ ‬لأن تحرك القصر نحو الإصلاح هو تحرك أجنحة،‮ ‬وليس تحرك برنامج ملكي‮ ‬واحد‮.‬
النظام الملكي‮ ‬يعاني‮ ‬من صراع أجنحة حول أجندة الإصلاح
القصر لا‮ ‬يعتمد على برنامج واحد،‮ ‬ويعاني‮ ‬من صراع أجنحة حاد‮ (‬حسب تقرير سري‮) ‬ويسبب هذا الوضع في‮ ‬صعوبات في‮ ‬تحرك الملك بين أجنحة متصارعة تدعي‮ ‬كلها الإصلاح،‮ ‬فالهمة قرر أن‮ ‬يدير هذه الإصلاحات،‮ ‬وأجندته تتبع المحافظين الجدد سقطت بسقوط بن علي،‮ ‬وأحزاب الحكومة ترغب في‮ ‬إصلاحات تضم تعديل الدستور،‮ ‬بتوافق مع الملك،‮ ‬وهناك آراء أخرى لمستشارين آخرين‮. ‬هذا التنوع وتعدد الرؤى‮ ‬يدفع إلى التردد والانتظارية التي‮ ‬يرغب فيهما القصر لكسب المزيد من الوقت‮. ‬لكن تطورات الشارع العربي‮ ‬في‮ ‬مصر وتونس وشارعه قد لا تسمح له بالاستمرارية على نفس الخط‮. ‬والأكيد أن تحول طاقم الملك من أصدقائه في‮ ‬الدراسة إلى مستشارين آخرين قد‮ ‬يعتبر تحولاً‮ ‬في‮ ‬الصورة نحو‮ "‬المزيد من الاستقرار والتطور بما‮ ‬يستجيب لمطالب الشارع‮".‬
المغرب‮ ‬يستبعد سيناريو إدارة المرحلة الانتقالية بحكومة عسكرية‮ ‬يرأسها الملك
حكومة عباس الفاسي‮ ‬القادمة من انتخابات نزيهة حسب المعارضة،‮ ‬وإن بمستوى منخفض في‮ ‬معدل المشاركة،‮ ‬تطرح إشكالا‮ : ‬كيف‮ ‬يمكن إسقاط الحكومة ؟
ذهاب حكومة عباس‮ ‬يعني‮ ‬حكومة مهمتها إجراء الانتخابات ولكن بأي‮ ‬دستور ؟ هل القصر مستعد لأضعف الإيمان‮ : ‬تعديل حكومي‮ ‬يكرس الدينامية على اعتبار أن المطالب اجتماعية واقتصادية من انتفاضة العيون وإلى‮ ‬20 فبراير،‮ ‬أم أن إقرار الإصلاحات السياسية من خلال تعديل الدستور هو آخر شيء‮ ‬يرغب فيه القصر،‮ ‬ويربطه بقبول المنتظم الدولي‮ ‬وجبهة البوليساريو للحكم الذاتي،‮ ‬وما لم‮ ‬يحدث ذلك فإن الدستور الحالي‮ ‬ورقة ضغط في‮ ‬المفاوضات مع الأمم المتحدة‮.‬
هل‮ ‬يمكن رهن خيارات التقدم‮ "‬الطبيعي‮" ‬والتنمية السياسية بقضية الصحراء‮ (‬الغربية‮) ‬؟
الفرضية الأولى‮ : ‬أن تعديل الدستور لن‮ ‬يكون بغير‮ "‬حكومة دستورية‮" ‬وبرلمان‮ "‬مشهود‮" ‬له بالنزاهة‮.‬
والثانية،‮ ‬أن تعديل الدستور لن‮ ‬يكون بدون مشاركة الأحزاب،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن تمرير تعديلات دون مشاركة‮ ‬الأحزاب،‮ ‬والأحزاب لن تستطيع أن تمرر أي‮ ‬تعديل دون مشاركة الملك أو التوافق معه،‮ ‬لكن كيف التعامل مع انتظارات الشارع ؟
الشارع إن تعقدت الآفاق أمامه سيدعو إلى إسقاط اللعبة الحالية وهذا‮ ‬يخاف منه جميع المستفيدين،‮ ‬فمن‮ ‬يقرر في‮ ‬أمر الدستور‮.‬
الكل‮ ‬يريد حماية الملكية ولكل ملكيته ؛ وهذه الصعوبة قد تدخل الجيش على الخط،‮ ‬فيمكن إن تطورت الأوضاع بشكل سيء،‮ ‬أن‮ ‬يدير الملك إلى جانب جيشه المرحلة الانتقالية،‮ ‬كما في‮ ‬مصر،‮ ‬ويتجه إلى دستور جديد‮.‬
هناك البيعة بين الجيش والملك تزيد عن كون الملك قائداً‮ ‬أعلى للقوات المسلحة،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الإطار‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقرر ويدير الجيش‮ (‬التحول‮) ‬المطلوب في‮ ‬المرحلة‮.‬
سيناريو استدعاء الجيش‮ ‬يرفضه الكثير،‮ ‬لأن حل البرلمان‮ ‬يعني‮ ‬إسقاط الحكومة واستدعاء الجيش‮.‬
الكرة التي‮ ‬أرسلها شباب حركة‮ ‬20 فبراير وحلفائها أحرجت الوضع ؛ فنحن أمام خيار‮ : ‬حكومة عسكرية‮ ‬يرأسها الملك وتشرف على المرحلة الانتقالية أو حكومة تكنوقراطية تضع اختصاصات الملك الواسعة في‮ ‬المحك،‮ ‬والشباب طالب بتحديد هذه الاختصاصات بما‮ ‬يناسب توازن السلطات وفصلها‮.‬
أما بخصوص سيناريو استمرار الحكومة الحالية فممكن،‮ ‬ويتطلب الوضع تعديلاً‮ ‬جوهرياً‮ ‬وواسعا على حكومة عباس لاحتواء المطالب،‮ ‬وإطلاق دينامية جديدة‮.‬
من جهة،‮ ‬لأن هذه الحكومة دستورية واتبع الملك في‮ ‬تشكيلها ما‮ ‬يدعى المنهجية الديمقراطية،‮ ‬ومن جهة أخرى،‮ ‬يمكن أن‮ ‬يستقيل عباس الفاسي،‮ ‬وتظهر الاستقالة كأنها‮ "‬تحت الضغوط‮" ‬مما‮ ‬يؤكد مجدداً‮ ‬تدخل القصر القوي‮ ‬في‮ ‬شؤون الوزارة الأولى‮.‬
كيف لحكومة أتت بمنهجية ديمقراطية في‮ ‬تعيين وزيرها الأول أن‮ ‬يسقط بدون منهجية ديمقراطية ؟ أو‮ ‬ينسحب الاتحاد الاشتراكي‮ ‬فيسقط التحالف الحكومي‮ ‬فيكون إسقاط الوزير الأول بإجراءات‮ "‬ديمقراطية‮" ‬؟‮!‬
أي‮ ‬يجب أن‮ ‬يسقط البرلمان الوزير الأول‮.‬
الجيش المغربي‮ ‬سيكون بعيداً‮ ‬عن ترتيبات المرحلة الانتقالية‮ ‬ إلى حدود هذه اللحظة‮ ‬ ‮.‬وضعية تَحَيَّرَ‮ ‬المستشار المعتصم وبعض المسؤولين في‮ ‬إسقاط حكومة عباس الفاسي،‮ ‬فيمكن عبر صلاحيات الملك التي‮ ‬انتقدتها تظاهرات‮ ‬20 فبراير أن‮ ‬يسقط القصر الحكومة،‮ ‬ويجعل الشارع والملك وجها لوجه،‮ ‬ولهذا الوضع مخاطره،‮ ‬حيث الحكومة‮ "‬بارشوك‮" ‬حقيقي‮ ‬بين الطرفين،‮ ‬كي‮ ‬لا‮ ‬يكون إسقاط النظام إسقاطاً‮ ‬للملكية‮.‬
الأمر الآخر،‮ ‬حكومة عباس الفاسي‮ ‬أتى تنصيبها من خلال ما‮ ‬يدعى المنهجية الديمقراطية التي‮ ‬أنكرها القصر في‮ ‬2002 ثم عاد إليها في‮ ‬2007وأصبحت عرفاً‮ ‬من أعرافه بعد‮  ‬ 2007 وفي‮ ‬هذه الحالة‮ ‬يجب إسقاط الحكومة عبر نفس المنهجية‮ (‬حسب المصدر‮).‬
الهمة‮ ‬يستدعي‮ ‬نفسه‮ ...‬
دعوة أطراف معينة إلى إسقاط حكومة عباس الفاسي‮ ‬من خلال البرلمان عبر تقديم ملتمس رقابة لن‮ ‬يكون دون دعم من‮ ‬علي‮ ‬الهمة،‮ ‬وخصومه‮ ‬يرفضون مثل هذا الإجراء‮. ‬والمعلوم أن بداية كل تغيير‮ ‬ينطلق من تراكم الأعراف الديمقراطية بدءاً‮ ‬مما‮ ‬يسمى المنهجية الديمقراطية في‮ ‬تنصيب الوزير الأول،‮ ‬والآن‮ ‬يمكن أن تسقط الحكومة من خلال منهجية برلمانية مكفولة في‮ ‬الدستور،‮ ‬والحال أن الأوضاع قد تؤدي‮ ‬إلى‮ :‬
‮-‬ شبه حالة استثناء إن أشرف الملك على إسقاط الحكومة وتعيين أخرى خارج البرلمان،‮ ‬وإن من الأغلبية‮.‬
‮-‬ أن تشكيل حكومة انتقالية بعيدة عن الأغلبية سيضع الملك في‮ ‬وجه التظاهرات،‮ ‬وإن تحقق جزءٌ‮ ‬من مطالبها‮  ‬ستطلب من الملك اجراءات أخرى‮.‬
وعزل الطبقة الحزبية والنخبة التقليدية من طرف الشارع والملك سيكون له ردود فعل‮ "‬معرقلة‮" ‬وهطيرة،‮ ‬وقد تعود الأحزاب إلى الشارع لرفع مطالب جذرية أكثر قد تمس بالنظام‮.‬
نحن إذن أمام صورتين‮ : ‬أن‮ ‬ينزل الملك إلى الشارع ويعطيه ما‮ ‬يريد في‮ ‬حدود النظام قد‮ ‬يصل الملكية البرلمانية،‮ ‬أو تعود الأحزاب إلى الشارع ضد حكومة تكنوقراط تحاصر معها القصر‮. ‬ولصعوبة الوضع‮ ‬يقترح مراقبون أن‮ ‬يدير البرلمان عملية إسقاط الحكومة وتعيين أخرى،‮ ‬ونكون قد بلغنا الملكية البرلمانية‮ (‬العرفية‮) ‬أو بشكل عرفي‮ ‬لاحتواء هبات الشارع العربي‮.‬
هل‮ ‬يستطيع الملك أن‮ ‬يراكم عرفاً‮ ‬جديداً‮ ‬يدعم ما‮ ‬يسمى المنهجية الديمقراطية،‮ ‬فتعين هذه المنهجية الحكومة‮ ‬وتسقطها‮.‬
تعيين عباس الفاسي‮ ‬من خلال المنهجية الديمقراطية وإسقاط حكومته من خلال تقديم ملتمس رقابة في‮ ‬البرلمان هو دخول للمغرب في‮ ‬ملكية برلمانية‮ (‬عرفية‮)‬
أن‮ ‬يبقى الدستور على ما هو عليه،‮ ‬وأن‮ ‬يعمل الملك على المنهجية الديمقراطية في‮ ‬تعيين الوزير الأول وإسقاط حكومة من خلال البرلمان هو انتقال مغربي‮ ‬إلى ملكية برلمانية عرفية‮ ‬غير مدسترة‮. ‬يكون معها الدستور الحالي‮ ‬متجاوزاً‮ ‬وخاصاً‮ ‬بالإدارة الاستثنائية للبلد‮.‬
تراكم أعرافٍ‮ ‬ديمقراطية‮ ‬غير‮ ‬مدسترة قد‮ ‬يشكل‮ "‬توافق المرحلة‮" ‬دون إعلان طبيعة النظام وتحديد معالمه‮.‬
وهنا نتساءل‮ : ‬لِمَ‮ ‬لا‮ ‬يناقش البرلمان تعديل الدستور إن أسقط الحكومة الحالية وتمكن من تشكيل حكومة جديدة‮.‬
الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يكون هذا الوضع امتصاصاً‮ "‬قوياً‮" ‬لمطالب الشارع والنخبة،‮ ‬وفي‮ ‬حال رفض الشارع للحكومة الانتقالية تكون مهمتها فقط‮ : ‬الإشراف على الانتخابات‮.‬
عباس الفاسي‮ ‬نقل وعود الملك بنزاهة هذه الانتخابات،‮ ‬مما‮ ‬يطرح سؤالاً‮ ‬حول نزاهة استحقاق‮ ‬2007 ‮ ‬فهل القصر له رؤية أخرى لانتخابات مبكرة أم أن العمل نحو نزاهة استحقاق‮ ‬2012 قد‮ ‬يكون باتجاه واحد‮ : ‬الطعن في‮ ‬النتائج التي‮ ‬وصل بها عباس الفاسي‮ ‬وحزب الاستقلال إلى الوزارة الأولى،‮ ‬ومن حق الجميع إسقاط الحكومة الحالية‮. ‬ونكون أمام أمرين‮ : ‬هل إسقاط الحكومة أتى من الطعن في‮ ‬نزاهة انتخابات‮ ‬2007 أم من قصور العمل الحكومي‮ ‬؟ في‮ ‬الحالة الأولى‮ ‬يكون عباس الفاسي‮ ‬قد أبلغ‮ ‬عن الملك‮ "‬سبب إسقاط حكومته‮". ‬وخروج القصر اليوم عن الإجماع الذي‮ ‬تم الاتفاق عليه مع الأحزاب في‮ ‬2007 "حول نزاهة الانتخابات‮" ‬سبَّبَ‮ ‬في‮ ‬وضع الانتخابات الجديدة في‮ ‬صورة أخرى،‮ ‬بعد الشك الذي‮ ‬خالط الجميع في‮ ‬الانتخابات الجزئية التي‮ ‬فاز فيها حزب الأصالة والمعاصرة بالمرتبة الأولى‮. ‬الأمر متعلق بإقصاء الهمة‮ ‬واستراتيجية حكمه،‮ ‬وأنصاره‮ ‬يدعون إلى اتباع المنهجية البرلمانية في‮ ‬إسقاط حكومة عباس الفاسي‮.‬
المنهجية البرلمانية في‮ ‬إسقاط حكومة الفاسي
بعد الدعوة إلى المنهجية الديمقراطية لتعيين الوزير الأول هناك دعوة لاتباع‮ ‬المنهجية البرلمانية لإسقاط الحكومة،‮ ‬وفي‮ ‬تثبيت الحالتين‮ ‬يكون المجتمع السياسي‮ ‬والمدني‮ ‬قد أفرغ‮ ‬فصولاً‮ ‬من الدستور الحالي،‮ ‬وجعل سلطات الملك واسعة‮ "‬دستوريا‮" ‬ضيقة‮ "‬عرفيا‮" (‬من خلال الأعراف الديمقراطية‮) ‬فهل‮ ‬يدخل المغرب في‮ "‬ديمقراطية عرفية‮" ‬؟
القصر والشعب إن عزلا العمل بالدستور الحالي‮ ‬في‮ ‬انتظار تضمينه الأعراف‮ (‬المتفق عليها‮) ‬والمواد التي‮ ‬يجب تغييرها في‮ ‬حال تنفيذ الحكم الذاتي‮ ‬في‮ ‬الصحراء‮ (‬الغربية‮)‬،‮ ‬نكون أمام وضع داخلي‮ ‬ينتظر المجتمع الدولي‮ ‬والأمم المتحدة لتعديل الدستور،‮ ‬وهذا‮ ‬يمس بالشعب والقصر معا‮.‬
إدارة الملك لديمقراطية‮ (‬عرفية‮) ‬في‮ ‬بلده بدأت منذ زمن حيث الحريات الأساسية‮ "‬منقوصة أو زائدة‮" ‬حسب المزاج العام والظروف الدولية،‮ ‬ولم تكن‮ ‬يوماً‮ ‬من خلال تثبيت القوانين ودستور متوازن ودائم،‮ ‬له السند الشعبي‮ ‬في‮ ‬التأسيس وفي‮ ‬الاستفتاء‮. ‬لأن معضلة الدستور أنه ممنوح،‮ ‬ويمكن أن‮ ‬يباشر البرلمان تعديله ويستفتي‮ ‬الشعب حول الدستور مجدداً‮ ‬؛ وليس فقط حول مواد منه‮. ‬قد‮ ‬يقول الدستوريون‮ : ‬إن باقي‮ ‬المواد مستفتى بشأنها،‮ ‬ونقول إن من حق الشعب تغيير مواد دستوره،‮ ‬لذلك‮ ‬من حقه أن‮ ‬يتحفظ عنها بحكم أن الشعب مصدر كل السلطات بما فيها السلطة في‮ ‬تغيير ما‮ ‬يراه‮.‬
الأغلبية البرلمانية الحالية قادرة على تعديل فصول دستورية،‮ ‬وتنتظر قرار الملك‮ !‬
حسب مصادر مطلعة،‮ ‬فإن القلق وسط النظام‮ ‬يدفع إلى استمرار الوضع على ما هو عليه‮.‬
من جهة‮ ‬يبتعد القصر عن انتقاد رجال الأعمال،‮ ‬ويبتعد الشعب عن إسقاط النظام،‮ ‬ويقترب مستشاري‮ ‬الملك من احترام الدستور الحالي،‮ ‬والشعب قد‮ ‬يركز على‮ "‬دستور جديد‮".‬
أولا،‮ ‬لأن تحرك‮ ‬20 فبراير لم‮ ‬يكن عفويا وذا زخم،‮ ‬فمثلا حركة كفاية ومليون توقيع سبقت الثورة في‮ ‬مصر،‮ ‬فالتحركات الشعبية ليست عفوية،‮ ‬كما أنها ليست بالزخم المليوني‮ ‬كما حدث في‮ ‬حالة مصر‮.‬
ثانيا،‮ ‬أن خروج مواطنين في‮ ‬53 عمالة وإقليم كشف أن النزول إلى الشارع أفقي،‮ ‬ويمكن أن‮ ‬يكون بالزخم المطلوب‮.‬
ثالثا،‮ ‬أن المغرب لا‮ ‬يحتاج إلى استعراض قوة،‮ ‬لأن الإصلاحات التي‮ ‬يطلبها الشارع لا تزيد بكثير عن سقوف أحزاب مشاركة في‮ ‬الحكومة‮ (‬الاتحاد الاشتراكي‮) ‬أو التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال نفسه ؟‮!‬
الحكومة هو المكان الطبيعي‮ ‬للتوافق مع الملك،‮ ‬ويمكن أن تدير هذه الحكومة رغم ضعفها الإصلاحات المرجوة إن قرر الملك ذلك،‮ "‬وترك الكتلة تعمل على أجندتها من داخل الحكومة بما ترغب‮  ‬وتريد‮". ‬والحكومة الحالية تستطيع أن تدير الإصلاحات السياسية بتوافق مع الملك وقرار منه‮.‬
حسب مصدر‮ ‬غربي‮ : ‬هناك تفكير جدي‮ ‬في‮ ‬تمرير الإصلاحات عبر حكومة عباس الفاسي‮ ‬بسهولة ويسر إن قرر الملك ذلك،‮ ‬لكن هناك من‮ ‬يريد تصوير القصر قائداً‮ ‬لهذه الإصلاحات،‮ ‬بأي‮ ‬ثمن،‮ ‬فقرار الإجراءات الاجتماعية‮ : ‬توظيف الدكاترة المعطلين أو صندوق المقاصة لا‮ ‬يقل عن إعلان إجراءات سياسية‮.‬
الإصلاحات في‮ ‬عمومها تقلص سلطات الملك،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن لحكومة جلالة الملك أن تذهب إلى البرلمان لتقليص سلطات من عَيَّنَها ؟
الشعب خاطب الملك والملك رد،‮ ‬والحكومة لا تستطيع أن تنحاز لمن عينها ولا لمن انتخبها،‮ ‬وعباس الفاسي‮ ‬مستعد لأي‮ ‬تحرك إن تقرر فعلاً‮ ‬دخول المغرب في‮ ‬إصلاحات‮. ‬الملك‮ ‬أعد ورقة‮.‬
المعتصم أعد ورقة بعد حواره مع الأحزاب،‮ ‬لكنها تنتظر الظرف المناسب
مصير حكومة عباس الفاسي،‮ ‬تساؤل احتكر‮ ‬الكواليس،‮ ‬فمن جهة،‮ ‬لا‮ ‬يرغب مستشارون في‮ ‬إسقاط الملك للحكومة بشكل مباشر،‮ ‬والذين نعتوا ووجهوا أصابعهم للفاسي‮ ‬وعائلته تراجعوا عند سقوطه ليكون‮ "‬بمنهجية لا تورط صلاحيات الملك الواسعة في‮ ‬هذا التقدير والقرار‮ ".‬
عدم إسقاط الملك لحكومة الفاسي‮ ‬رغم مطالب الشعب إحراج له‮ ‬يضاعفه إعمال هذه السلطات‮ ‬ المنتقدة من نفس الشارع‮ ‬ لإسقاط الحكومة،‮ ‬و‮ "‬حياد الملك‮" ‬إلى الحدود القصوى‮ ‬يخدم الملكية،‮ ‬واجترح المعتصم خطة لإنجاح معنى مركَّبٍ‮ ‬للتحول،‮ ‬لا‮ ‬يزيد من انتقاد سلطات الملك الواسعة،‮ ‬ويتكفل النظام الدستوري‮ ‬الحالي‮ ‬بمعالجة نفسه‮.‬
المشكل في‮ ‬إدارة الإصلاح هو وجود مراكز نفوذ متعددة،‮ ‬وخارطة الوضع القائم تؤكد أن اختلاف هذه المراكز‮ ‬يؤثر على‮ (‬وحدة مطالب التغيير والإصلاح‮) ‬مما‮ ‬يجعل الشارع رهان البعض،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬يرى فيه آخرون ضرورة إشراك الجيش في‮ ‬أي‮ ‬عملية انتقال تخوضها الدولة،‮ ‬وهنا تكمن الخطورة‮.‬
‮ ‬صراع أجنحة‮  ‬في‮ ‬قيادة النظام المغربي
حزب مشارك في‮ ‬الحكومة‮ (‬حزب التقدم والاشتراكية‮) ‬يطرح على وزير الداخلية مناقشة التعديلات الدستورية كما تورد جريدة الصباح،‮ ‬ويرى نبيل بن عبد الله أن الإصلاح الدستوري‮ ‬ورش حكومي‮ ‬كباقي‮ ‬الأوراش،‮ ‬ومن حق حكومة الفاسي‮ ‬أن تناقش وتعدل الدستور الحالي‮ ‬بما تراه مناسباً‮ ‬للمرحلة،‮ ‬ويبقى للملك موقفه،‮ ‬وقد رفضت داخلية الشرقاوي‮ ‬مثل هذا الاقتراح فوراً‮.‬
أنصار الهمة‮ ‬يدعون إلى إسقاط الحكومة من خلال البرلمان،‮ ‬وضع‮ ‬يستدعي‮ ‬حزب الأصالة والمعاصرة إلى لعب دور سياسي‮ ‬في‮ ‬هذه المرحلة الحرجة،‮ ‬ويرفض الكثير مثل هذا السيناريو ونقاشات المعتصم‮ (‬مستشار الملك‮) ‬مستمرة على أساس التوافق بين الأحزاب والملك‮.‬
الجناح الآخر‮ ‬يدعو إلى إدارة الأوضاع من دينامية الملك التي‮ ‬تغطي‮ ‬عجز الحكومة،‮ ‬والجناح الأخير‮ ‬يؤكد على أن‮ ‬20 فبراير ليست‮ "‬مليونية ولا شعبية‮" ‬بالشكل الذي‮ ‬حدث في‮ ‬مصر وتونس،‮ ‬ويمكن الاحتواء الأمني‮ ‬والقانوني‮ ‬لكل هذه المطالب‮. ‬والاحتواء السياسي‮ ‬قائم،‮ ‬لأن الملك لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يسقط حكومة‮ "‬اتبع بموجبها ما‮ ‬يدعى المنهجية الديمقراطية‮" ‬وتستدعي‮ ‬صلاحياته الخاصة أو الواسعة‮.‬
صراع‮  ‬بين الأجنحة‮ ...‬
جناح‮ ‬يظهر ويؤيد إدارة أمير المؤمنين للمرحلة إلى حين انقضاء المهلة الدستورية للحكومة في‮ ‬2012 ويجد صداه عند أنصار بنيكران‮. ‬وهناك من‮ ‬يدفع باتجاه التأزيم الشديد‮ ‬بين الشارع والملك،‮ ‬من خلال الدفاع المستميت عن عدم تقديم أي‮ ‬تنازلات،‮ ‬لأن مس الاستقرار‮ ‬يبدأ من المس بالحكومة‮.‬
ومن‮ ‬يعلن في‮ ‬داخل الحكومة عن‮ "‬ثورة‮" ‬ملك وشعب،‮ ‬وقد‮ ‬يدخل المغرب جراءها‮ (‬ملكية ثانية‮).‬
إن ما‮ ‬يجري‮ ‬بين الأزمة والتأزيم،‮ ‬يخدم تحت جلد المخزن ولأجندات ليس بالضرورة ملكية،‮ ‬بل ترغب‮  ‬هذه الاصوات في‮  ‬وضع المغرب في‮ ‬حالة استثناء‮ ‬ إن تدهور الوضع وإن بقي‮ ‬على حاله تدافع عن الخصوصية لإبقاء الجمود‮.‬
هذه الأجنحة تحمل أجندات خاصة،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقف معها المرء لكشف تحالفاتها وآفاق عملها،‮ ‬لأن الخطورة تكمن في‮ ‬صراع أجنحة‮ ‬ينتظر أن تواجه فيه الملكية الشارع أو‮ ‬يواجهها‮.‬
الكل‮ ‬يخدم النظام لصالحه،‮ ‬هذا الترتيب الوحيد الموجود،‮ ‬والعرش لا‮ ‬يجب أن‮ ‬يبقى رهين نفسه،‮ ‬أو الأجنحة المحيطة به،‮ ‬والتوجه الواضح نحو خط إصلاحي‮ ‬هو الجزء الرئيس من الأمن والاستقرار‮.‬
التقارير الدولية تؤكد على‮ "‬استقرار‮ ‬يرغب في‮ ‬سماع النبض الاجتماعي‮ ‬وليس السياسي‮ ‬للشارع وهو ما‮ ‬يمزق في‮ ‬صورة أولى الشارع،‮ ‬ولكنه قد‮ ‬يتطور إلى صراع أجنحة في‮ ‬النظام تزيد من ضعف‮ ‬أمنه العام‮.‬
‮ ‬آخرهم‮... ‬لا‮ ‬ينتبه إلى تحول خطير
هناك من‮ ‬يريد أن نكون‮ ‬على موجة الفرنسيين ونقطع‮ ‬تأثرنا بالشارع العربي،‮ ‬وقد اقترح مستشار وأجهزة أن‮ ‬يكون تعديل حكومي‮ ‬واسع بعد التعديل الذي‮ ‬قام به ساركوزي،‮ ‬وبذلك‮ ‬يكون الإصلاح قد تمَّ‮ ‬في‮ ‬المغرب من مرجعية باريس‮. ‬فكأننا ديمقراطية ولا ننتظر أن نكون ديمقراطيين،‮ ‬واعتماد هذه الدعاية وهذه المرجعية‮ ‬يفيد الاستقرار،‮ ‬ويبعد الرباط عن الرياح القادمة من الشرق‮ (‬مصر،‮ ‬تونس وليبيا‮) ‬؟‮!‬
والذي‮ ‬لا‮ ‬يفكر فيه هؤلاء أن التحول الفرنسي‮ ‬خطير‮ : ‬يرفض التحالف مع الأنظمة ضد الشعوب في‮ ‬شمال أفريقيا‮ (‬حسب الخطة الجديدة لدعم ما‮ ‬يراه ساركوزي‮ ‬تحولاً‮ ‬تاريخيا في‮ ‬المنطقة بل قد تتورط فرنسا إلى جانب الشعوب لإنتاج أنظمة جديدة تدخل في‮ ‬دائرة تأثيرها‮.‬
الذين‮ ‬يهربون من أمريكا لن‮ ‬يجدوا الملاك في‮ ‬باريس‮. ‬واللعبة خطيرة ؟‮!‬
ربح الوقت صعب إن كان هدفاً،‮ ‬و المصادر تؤكد حسم محمد السادس القريب و العميق و القوي،‮ ‬وأي‮ ‬ردة‮ ‬سيكون فيها السقوط النهائي‮ ‬في‮ ‬جدار الثقة‮  ‬


ماوراء الحدث عدد 18  ل 4/3/2011    ص 3    عبد الحميد العوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق