عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 18 مارس 2011

على هامش الملف الأخير لـ Latitudes اليهود المغاربة والملك : من السرفاتي : إسقاط النظام إلى أسيدون : إسقاط الفساد ؟







على هامش الملف الأخير لدورية latitudes, cahiers lusophones 39-38 الخاص بالشتات اليهودي والمسيحيين الجدد في البرتغال نطرح سؤال : كيف لليهود دور في نشأة مسلمين متطرفين أو مسلمين جدد كانعكاس طبيعي وثقافي لتواجدهم. اكتشاف الذات لا يكون إلا من الآخر المرفوض أو النقيض، وبالتالي يكون الشيء الرئيس بعد إثارة هذا الملف : طرح سؤالين : لماذا السرفاتيون صنعوا (مخزنيين جدد) أو ملكيين جدد ؟ 
هذا جدل الذات والآخر، في إطار جدل مركب لإعادة إنتاج الآخر في الآنا (السياسية) التي تكون رافضة إن لم نقل معادية لما هو خارجي.
السرفاتي كما هو معلوم أدار موجة إسقاط النظام قبل أن يباشر أسيدون دعوة إسقاط الفساد، فاليهود المغاربة أقلية طليعية مثلت بامتياز نبض الشارع، وإن لم يكن فنبض النخبة، فالذين كانوا ضد الملكية المطلقة يهود، رفضوا لاستثنائيتهم أي استثناء آخر، وطوروا من المعنى العلمي الحركة المجتمعية لتجاوز الإنتاجات الحاضرة، وبناء أساس آخر للتحول.
اليهود في هذه الحالة لم تكن خارج التخمير الطبيعي لقيادة مجتمع وسياسة. لقد فهم الحسن الثاني الوضع وكأنه صراع ضد إمارته الإيمانية، وهذا لم يكن صحيحاً.
المعنى العادل والسلمي لتواجد يهودي مناهض للصهيونية يكون في جوهره ضد كل استبداد. فلا يمكن أن نرفض الصهيونية ونقبل الاستبداد ؟
اليهود نجحوا في إنتاج "مسيحيين جدد"، وفي انعزال السرفاتي رأينا كيف نتج عن أتباعه (مخزنيون جدد) والشيء الرئيس في هذا الباب أن اليهود عاشوا التوراة لأجل المساواة في كل المناطق خارج إسرائيل وقاتلوا لأجل ذلك.
هل هذه المسألة متوقفة على تاريخ ما بعد تدمير الهيكل وإعلان الشتات مذهبا عقديا، وإلى مطلع القرن العشرين ليعلنوا "الوطن اليهودي" مذهباً إيمانيا تمثله الصهيونية ؟
المسألة اليهودية دخلت التراث التاريخي إلى جانب المسألة الشرقية قبل تمزيق الإمبراطورية العثمانية. لقد أتى حل المسألة الأولى (على حساب) المسألة الثانية، والأمر نفسه في البرتغال وغرب المتوسط (المغرب) ونتج عن المسألة اليهودية مسألة أخرى، حيث صادم المغاربة المسيحيين المستعمرين إلى جانب اليهود (مناهضي المسيح والصلب)، فالقراءة الأولى ليهود غرب المتوسط تمنح ثلاث مصادرات :
أن يهود المغرب أمازيغ قبل التاريخ الميلادي ويهود أيبيريون، وبين محافظة هؤلاء وطليعية الآخرين، أصبح الشتات اليهودي في مقابل الوطن المغربي لكل يهودي. وهذا أبدع محاولات التميز في غرب المتوسط بإعلان دول أو إعلان عن الاستثناء اليهودي في بحيرة المسلمين. وبالتالي فالأساس اليهودي :
ليس أقلويا minoritaire، بل طليعيا.
أنه يعمل داخل المخزن بشكل متنور.
أنه محافظ على أساس العروبة المغربية وليس التمزيغ الذي يعتبر اللغة الأمازيغية آرامية يهود شمال أفريقيا بالأساس.
أن الوجود السامي يوحد في هذه النظرة جغرافيا الشمال الغربي للمتوسط.
النخبة اليهودية صنعت مصطلحاً مفتاحاً لتواجدها في المغرب، الجزائر وباقي بلاد المغربي العربي وإسبانيا والبرتغال أي أن غرب المتوسط اصطلاح التواجد الأورومغاربي لليهود، وهذا البعد دقيق إن تأكدنا أن اليهود رفضوا الاستثناء، ودخلوا في صلب الدولة، وأداروا معارضة شرسة ضد الاستبداد، وقبلوا أن يديروا هذه المعركة من خلال أيديولوجيات علمانية لا تدخل الدين كعنصر في الصراع.
النضال من داخل مرجعية كونية عوضت الشيوعية عند النخبة اليهودية، وهذا التنوع يكشف عن رفض (الاستثناء المغربي).
إذن قراءة المسألة اليهودية في غرب المتوسط من خلال الشتات ليست "واقعية" لأن التاريخ صنع جغرافيا الشتات ولم يصنع (أنطولوجيا) أو وجود اليهود، أو وجودهم وبالتالي قرأنا كيف كان التحول كبيراً بعد نكبة الأندلس، لأن إسبانيا الأندلسية دمرها المسيحيون المحافظون، والتنوير المسيحي صنعه "الشتات اليهودي"، على أن رفض الاستبداد الإسلامي جزء منه مسيحي ويهودي لتواجد هذا المكون على طول الخارطة من الخليج إلى الحدود التاريخية للأندلس.
لم يكن اليهود أكثر من همزة وصل حقيقية بين معتنقي الأديان. لأنهم لا يبشرون بدينهم، فهم على ذلك يحاولون "تحديد موقعهم" في الخارطة، ويمثل هذا التحديد تحديا لأن الصورة الجديدة قادرة على تفعيل التواجد الرمزي، وبالتالي نقرأ الرقم اليهودي ليس فقط ضمن المعادلة بل جزءا من الصورة.
غرب المتوسط صورة ذهنية لليهود الساكنين بهذه المنطقة، إنهم ليسوا أقلية رغم أنهم كذلك، بل كطليعة اقتصادية في حال الانسداد السياسي، أو كتواجد فاعل في معادلة الحكم بعد إنشاء إسرائيل، والتميز إحدى أبواب العمل في أي مجتمع.
ملف اليهود المغاربة ملف داخلي عند بعض الباحثين، وملف "إقليمي" عند أبرز الدارسين، وملف تاريخي عند نخبة اليهود، وديني عند المبشرين والداعين لتطبيق شريعة ما، وفي إيبيريا انتقل اليهود من وضع "الحلفاء المنتجين" إلى حال آخر : المطرودين إلى جانب المسلمين. ونتساءل : لِمَ طرد الكاثوليك اليهود والمسلمين معاً من بلادهم بعد سقوط حكم الأندلسيين ؟ الجواب أن الجزيرة الإيبيرية استعادت انغلاقها بوجه ديني، والإحساس الجغرافي قاد التاريخ بعد سقوط النموذج الأندلسي، في وقت فاز فيه التاريخ على الجغرافيا في تجربة الأمويين.
السياق معقد، لأن المكون اليهودي في المغرب أصيل، وجزء من الشتات الإيبيري، ولا يزال جزء من (الدياسبورا) حيث هاجر معظم اليهود إلى إسرائيل، وبقي المكون الأصيل منفتحا، ومعارضاً جذريا لأجل المبادئ السامية والكونية لحفظ النفس والثقافة المحلية.
الشيء الرئيس يقوم على معنى آخر قد يجعل الاستقرار في فلسطين من زمن الشتات. كما حدث في الأندلس، فبعد قرون عادت الأمور إلى سابق عهدها، وطرد الإسبان اليهود، فالجغرافيا تنتصر على التاريخ فهي كالزلازل والبراكين تقبل بما يكون أمامها لزمن بعيد ثم تثور عليه.
فكل ثورة تذكير بالبركان ؟ فهل النخبة تعي قرار الجغرافيا لتحديد مستقبل التاريخ والإنسان ؟



عدد 19 ل 11/3/11 كل الحقوق محفوظة لجريدة ماوراء الحدث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق