عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 4 مارس 2011

الشباب الديماغوجيون يريدون أن يكونوا بشرا ؟


الشباب الديماغوجيون يريدون أن يكونوا بشرا ؟
الخطاب الرسمي يعتبر الداعين للإصلاح "ديماغوجيين"، رغم تعابير الشباب المباشرة والمقارعة للآخرين والمضحية بالنفس والنفيس في شوارع تقتل وتَسْحَلُ وتدفن من غير عنوان !
الشباب عند الحاكمين ياجوج وماجوج يخرجون ويسقطون الحاكم ويعودون إلى بيوتهم، وقراءة حال الشباب الثائر العظيم الرائع بهذا الشكل يكشف صعوبة أن نرى الشعب جرذاناً.. ونرى أنفسنا أقل من البشر لأن الحاكم استثنائي ومقدس وفوق البشر، إنه المجد... ورد أوباما : لا نريد إلا أن نكون بشرا. الثورات في الشرق تريد أن نكون عرباً وبشراً.
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. الحرية وحدها خبز الحياة... هذا لا يعرفه سلطان السياسة والنخاسة..
لا يختلف خطاب القذافي عندما يقول عن المحتجين (مهلوسين) وبين كلام يقول عنهم : ديماغوجيين أو أيديولوجيين ؟
هل نحن أمام حالة إنكار ؟ جنون العظمة الذي يسود وتخلفه الديكتاتورية في عقول القادة يقتل كل من عداهم وعاداهم، وقد ألهاهم المال والتكبر والتفاخر والتكاثر، حين لا يفرق بين محب مفارق، وصديق منافق.
ويشهد التاريخ أن حول الحاكمين وكل ملك أو رئيس أقوى المنافقين والمتطرفين لإبقاءه ضد زمنه وخارج تاريخه، وعندما يسمع القائد الواحد الشعب لا ينظر خلف ما يرى ويسمع، كما لا يعرف ما يكون خلف خداع القصور، وقد اعترف كل رئيس سقط أنه خُدِعَ، فهل يستمر باقي المخدوعين في فُرُشِ الأمل والعسل ؟!
قال حكيمهم لحاكمهم ما نصيحتك لدى الملوك ؟ قيل : معاونتهم على ما كلفوا به بتنبيههم عند الغفلة وإرشادهم عند الهفوة، وأرى أن الشارع يصدح ويقدح ويعرف ما يريد عند حاكم يريد ولا يريد، وتلك صعوبة المسايرة والمناورة والمكابرة في آن، وهي في كل زمان ومكان شديدة على التسيير والتدبير والشفافية وسلامة النظام، لأن نصيحة العوام الشفقة عليهم، والاستجابة لمطالبهم وتفريج كربهم، وتوقي ما يشغل خواطرهم، ويفتح باب الوسواس عليهم. وخير أن يجري المطلب في نفس الحاكم بما يفيد لا بما يريد، لأن الحب بين الحاكم والرعية دقيق وحقيق بين القلب والنفس. فإن تحول صار إلى غيره، وفي منثور الحكم : وَدَّك (أحبَّك) من نصحك وقَلاَك (جفاك وهجرك) لا من مشى في هواك. لكن جرعة النصيحة مُرَّةٌ لا يقبلها إلا ألو العزم.
وفعل الاستشارة بالأخذ على ما يكون، هو طاعة عمياء، لا طاعة سوية فيما يخدم الحاكم والمحكوم، وفي المثل الفارسي، من يخدم عرش كسرى، قال : من يشتغل في غير من أحبه، ويجتهد بما أحبه ليرد القلوب النافرة إليه. وهذا لا يكون دون دراية ذكية، ونفس مخلصة زكية، تأخذ على ما يكون عليه الأمر، لا بما يكون عليه الآمِرُ ضرورة. وقد اقترب حكم كسرى من الانهيار بفعل الإشارات، ومن لا يميز بينها طغى ولم يبادر، وأرى الشارع قد حمل ذكرا شديداً، اعتبره ساركوزي (تاريخي). وهذا البعيد أدرك فعل التاريخ وتوحيد القيم، فقال لشعبه لا تخافوا، لأن القيم التي ينادي بها المحتجون هي قيم الثورة الفرنسية ؟!
هل العبرة بمن اعتبر التحول تاريخي، وهو عنوان حقبة لابد لكل واحد أن يسايرها، ويأخذ بمعالمها، أم أن السنة والقدوة ما فعل المنصور قديما، إذ بنى لغيره بيتا أساسه من الملح، وأرسل الماء حوله ليلا فذاب وسقط البيت فمات من كان فيه.
اختصاص من يفتون خارج الإشارات والمنطق والتاريخ أنهم يبنون الواقع أحلاماً، والمحتجون في الشوارع من الرباط إلى مسقط يبنون الأحلام واقعاً، وبين الرأيين يكون الجدل والتاريخ بين من يريد أن يُخْرِجُ الحاكم من قصره ويطلب إعادة بناءه مع الجميع ليسلم الحاكم والمحكوم، ومن يترك الأمر على المكيدة والنوايا البعيدة : إن بقي الحاكم كنت معه، وإن خاب انتقلت إلى غيره، فلا يدفع الثمن سواه، والقصد قصدان : ما قاله الغير، من اصفر وجهه عند النصيحة، اسودَّ لونه من الفضيحة، وبين القذافي وابنه زيف الإسلام، والعبرة لمن يعتبر، ليدخل الجميع في المصير الواحد، لا يفرق في النصيحة فاعلها والآمر بها والناصح ضدها والمتطرف في حملها.
من الناس مَنْ إن يستشرك فتجتهد، يَسْتَغشِشْك...
فلا تمتحن الرأي من ليس أهله، فال أنت محمود ولا الرأي نافعه... إلا في أحوال الأمم، يجب في حالة إنكار النظام لما يعتمل في قلب الشعب، أن يتكرر المعنى ويتغير اللفظ ويطلب الفرصة، ولا يبخل عن حب...
المغاربة لا يريدون ما عند غيرهم، ولا يقبلون أقل من غيرهم، فدعواتهممن داخل النفوس والأفئدةأن يكون الإصلاح على قدرهم، مطلباً للمحكوم ومخرجاً للحاكم من أي محتمل لا يلين. فلا إنكار لما يريد الحاكم، ولا إقبار لمطالبهم في الإصلاح ؛ لا إنكار ولا إقبار، ولا ظاهر ولا باطن في الرغبة في أن يكون المغربي داخل موجة التحول وداخل التاريخ. وإلا فإن النظام يصبح في ذاته ديماغوجيا، ويكون لأتباعه أيديولوجيا، والاستثناء بلاء في هذه الحالة. إننا نحتاج إلى جودي بيكولت، قالت في هذا السياق : تعتقد أن من درس الطب يمكنه أن يستخدم سماعة لسماع الفراغ الداخلي للشخص، فهل نحتاج إلى طبيب لسماع الفراغ الداخلي للمغرب.
حمى الله المغرب والمغاربة ؟!
افتتاحية جريدة ماوراء الحدث عدد 18  ل 4/3/11


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق