عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

السبت، 12 مارس 2011

بعد نزول كتاب براون (ما بعد الانهيار) وحواره في دير شبيغل هل إنقاذ الاقتصاد مسؤولية الفرد المغربي ؟ كما تقول الثورات في مصر وتونس


في كتابه (ما بعد الانهيار) تحدث غوردن براون عما دعاه (مسؤولية الفرد) كي يتصرف لوقف الانهيار الكامل بعد أن أعلن بنك (ليمان برازرز) عن إفلاسه.
المسؤولية الفردية كي لا يحدث الانهيار هو عنوان ثورة مصر وقبلها تونس، وصناعة الشعوب لخشبة خلاصها من خلال الحرب على الفساد استراتيجية العقل الجمعي، خصوصا بعد انتقال شعاراتها إلى المغرب.
السوق عنوان ممكن للثورة، لأن الحرب على الفساد والريع معا هو خلاص البنيات الاقتصادية من الديكتاتورية، لأن مصالح الحكم قبل ثورتي مصر وتونس "فردية" (الرئيس ومحيطه وحزبه) ويجب أن يواجهه عمل كل فرد لوقف الانهيار.
غوردن براون يرى أن كل فرد مسؤول ولا يمكن القول إن المجتمع الاقتصادي أو مجتمع المال والأعمال مسؤول وحده.

 الفرد ينقذ السوق
يمكن بعد الأزمة المالية الأخيرة أن نؤكد على أن الفرد يمكن أن ينقذ السوق، كما أثبتت ثورات مصر وتونس وفي . الفرد (المواطن) يواجه "الفرد الغني جدا والديكتاتوري جدا".
الغرب أنقذ بإجراءات كثيرة انحراف الثروة، على أن العرب واجهوافي لحظة انشغال الجميع بالأزمةانحراف (الثورة)، وقاموا بأشياء رائعة وكأن العالم بين معالجة انحرافين للثروة وللثورة بثمن من خلال استخدام أموال عامة، أو تضحيات في الشوارع لإنقاذ وجه العالم.
لا أحد في الغرب عرف كيف يمكن أن يواجه الانهيار المالي، كذلك بالنسبة للعرب لم يقرروا أو يدرسوا اقتصاد ما بعد إسقاط النظام : شعار الشارع العربي من الرباط إلى المنامة.
اقتصاد الثورات الشعبية يتأسس على "العمل"، وعلى المزيد من احترام القوانين، والدولة تحاول أن تكون شفافة إلى أبعد حد ممكن.
القادة العرب خسروا الملايير من الدولارات في الانهيار المالي، ويضخمون من "خسائر التحول"؟
هذه الازدواجية غريبة، والأغنياء في قلتهم يستطيعون أن يسقطوا في الأقفاص. فتواجد شبكة واسعة ومعقدة من المصالح المتنوعة والمتداخلة يصعب معها التحول، وكلما زاد تركيز الثروة والسلطة في يد واحدة سهل قطعها.
الإهدار المالي كشف عن عجز الغرب عن قيادة خارطة طريق إلى الأمام. البنوك والحكومات وقفت، وواصلت خداع نفسها حالة الإفلاس الماليفيوالإفلاس السياسيفي الأنظمة العربية التي زالت : بن علي ومباركوكشفت أن المتورطين دائما يخدعون أنفسهم، ويغدرون بغيرهم.
ما عشناه في هذه اللحظات الصعبة من التحول إلى الشفافية وتجذير المعاملات القانونية كشف عن ضرورة الاعتماد على ما قد أدعوه "الفرد الاقتصادي" ثم "الفرد السياسي" لحماية الدولة.
في سقوط الأنظمة تنقذ الدول شعوبها، غوردن براون قرر إعادة رسملة مباشرة للبنوك البريطانية من الأموال العامة. صورة معينة من التأميم، والثورات التي حدثت في الوطن العربي لم تكن أكثر من تأميم آخر لمدخرات الدولة بعد إسقاط النظام.
اللحظة في جزء منها مغامرة ومقامرة. وسيجر إفلاس النظام إلى إفلاس الدولة، سياسيا، وماليا كل خطوات تحول النظام المالي من "شبه مفلس" أو على حافة الإفلاس إلى حالة أخرى باسم الدولة.
مال الدولة وبنياتها تنقذ المجتمع من انحراف النظام أو تحريفه.
الهدوء الذي يطبع مرحلة الخطوات والتصعيد المحسوب ليس جزءا من اللعبة بل هو التسويق الطبيعي لخفض الخسائر مع الوصول إلى الأهداف. الفرد الاقتصادي هو الجزء الرئيس في التحول.

 نجاح غوردن براون... من فتح الله ولعلو
الفرد والدولة ينقذان أي نظام مالي أو سياسي والرسملة المباشرة لأبناك في حافة الإفلاس قام به ولعلو في المغرب، ويحسب له، وبراون في كتابه الأخير (ما بعد الانهيار) اعتبر ما قام به استثناء وفكرة له. وهذا غير دقيق. لقد هدد بالاستقالة إن لم تنجح خطوته المذكورة، وخلال أيام من قراره اتخذت كل الدول بما فيها أمريكا نفس الخطوة.
الوزير الألماني للمالية في حينه أنكر وجود الأزمة المصرفية، وحمل (بيرشتا ينبروك) المسؤولية للممارسات الأنجلو-أمريكية.
من البديهي أن نعتمد على المال العام لتمويل خصاص معين، وهذا الإجراء لا يحتاج إلى عبقرية، لكن أن يتهيكل من داخل الخطوة توازنا ماليا مريعا، فهذا ما أبدع فيه غوردن براون من خلال النظام البريطاني الشفاف. من جهة، لم يكن هناك إهدار هناك أصول ضعيفة، نتجت على المبالغة في أثمنة بعض الأصول. فتقديرات براون تسير باتجاه تمويل بنوك أوروبية لها أصول في أمريكا لتغطية الفوارق بين الأصول الضعيفة وأخرى قابلة لإعادة التثمين، وهذا ما أنصت إليه الألمان. إنها مخاطرة حسب كتاب براون، لكن النظرية الاقتصادية تقر بضرورة استجابة الأسواق لكل إجراء مالي، وإلا ضاعت الخطوات، لأن هذه الاستجابة وما ستفعله الحكومات الأخرى شكل "الجزء العميق من الأزمة"، وكان يمكن للندن وحدها أن تدفع الثمن. هذه القدرة في التفكير على إنقاذ الأصول المتعثرة لم يكن هاجسا عند براون، لقد اعتمدها كأصول منهوبة، على نفس تقدير ولعلو، إنما الفارق أن أصول بنوك المملكة المغربية فعلاً منهوبة، وأصول بنوك المملكة المتحدة متعثرة مما يجعل إجراء براون له معنى، ويكون قرار ولعلو تسترا على جرائم بنكية من خلال أموال عامة.
الخطة الفُضْلَى أن تمول الدولة انخفاض رأسمال البنوك، وليس إفلاسها أو نهبها، ولذلك لا تكون البنوك سوى أدوات "عمل جديد" تخدم دورة المال والنقد، فالسياسة المالية والنقدية يجب أن تعملا معا، لذلك تم طبع الأموال بوضوحوهو لا يحدث في أقطار أخرىوعليه فالتكيف مع هذه الإجراءات المالية يخدم ضخا عالميا مما خدم الشبكة البورصوية وحدَّ من الخسائر. الإجراء في حد ذاته لو كان عالميا لتقرر تجاوز الأزمة في زمن قياسي.
المفاجأة بالانهيار صَعَّب من هذا التنسيق. حوار ديرشبيغل يحمل بعض المسؤولية عن الأزمة لبراون نفسه في 2005، عندما قرر أن تكون للدولة لمسة خفيفة ومحدودة في التشريعات المصرفية.
لندن بما أنها عاصمة مالية تخلصت من نظام التشريع الذاتي وعملت على توحيد الهيئات الرقابية في البورصة، مما دفع بعض الإجراءات أن تكون مخففة جدا، والحل في هذه الحالة : إعلان الإفلاس في حينه.

 عملت المصارف المغربية من خلال مساطر مالية بدرجة من القوة مارسها بنك المغرب. إذن رغم الفساد والريع في المغرب فإن هذه الصرامة قللت من "تعميق الأزمة المالية".
لقد درس أمريكيون تجربة ولعلو (في حكومة اليوسفي، وبقرار سياسي من الأخير) وفي 2007 حاكوا هذه التجربة (من طرف وزير الخزانة الأمريكي : هانك بولسون ورئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برناتكي) وكانت النتيجة بحدود انتقال الأثر من مؤسسة إلى أخرى. وقامت التوصية على رسملة البنك أو المؤسسة الفردية من المال العام دون توضيحات، وقد دعى ساركوزيبهذا الخصوص - أن يكون نظام عالمي للتحكم على صعيد كل البورصات، والمشكلة إلى الآنحسب براونأننا لم نطبق قوانين عالمية (وعلى صعيد عالمي)، ولابد من نظام إنذار كوني كذلك.
والغرب يخطئ، كما أخطأ ولعلو عندما أصابت حكومة اليوسفي لمستوى من الرضا الذاتي، وتطور إلى المصادمة مع القصر.
السياسة الاقتصادية المغربية في تمويل الصناديق الاجتماعية والصناديق البنكية يجعل كل الطبقات تحت سقف واحد، وهذا قتل المبادرة والطبقة الوسطى ولم ينقد الدولة، لأن (الأمن المالي) أساس أي تدخل أو مقاربة، لذلك فالسياسة المالية انطلاقا من أمن مالي فئوي ومركزي لا يخدم اقتصاد البلد. وهذا معلوم عند الاقتصاديين.
الاقتصاد الذي يتعافى من دون صرامة في تطبيق القوانين يتجه إلى التطبيع مع الفساد كجزء لا يتجزأ من حركة الأموال، أو يتقدمهذا الاقتصادخطوات اتجاه التقلص والتعامل مع فرضية الركود.
البنوك في المغرب سلطة "غير خاضعة" لاستقرار المؤسسات المالية، وفي هذا الجانب نجد أن تقديرات التقارير المصرفية تجمع على القول : أن الأزمة مركبة بما يمكِّن من جعل البنوك "جامدة" بخصوص المساطر، و "جامدة" اجتماعيا في المساهمة في التنمية البشرية والاجتماعية.
إن البنوك تحتاج إلى ثورة في سلوكها العملي، من جهة لا يمكن تعريض المؤسسات المالية للمزيد من المخاطر، ولا أن تدفع باتجاه "تعميق" المخاطر على صعيد أوراق الأفراد، لذلك يجبكما يقول براون في كتابهمن حماية دافع الضرائب في المستقبل، ويقترح على واشنطن، لندن، باريس، بالإضافة إلى ألمانيا فرض ضريبة مصرفية عالمية، وأن تكون هناك قيادة تحاول دفع هذه الدول إلى الاتفاق، وتحديد إشراف مالي عالمي، وهذا الأمر غير عقلاني في ظل التقدم الصيني المفرط، لذلك فدراسة الأبناك على المستوى الوطني يخدم في جزء كبير استراتيجية أوباما المتوازنة والتي يمكن نقلها إلى أي دولة.
ومرحلتنا هذه هي مرحلة انتقالية يقول براون : في الثورة الصناعية كان يجب أن يتم تغيير المؤسسات المحلية بمؤسسات وطنية، وحاليا المؤسسات الوطنية تضطر أن تكون مؤسسات ما فوق قومية، وكونية وهي خلاصة العولمة، فكيف لمن يتجه أكثر إلى المزيد من المحلية بكثير من الفساد المحلي والريع المحلي. إننا نختار أن نكون مأزومين. كل فرد مغربي عليه أن يتحمل مسؤوليته، لأن التغيير عبر الفرد سيد المرحلة، كما أن التغيير عبر الجماعة المدنية صورة أخرى من مصر وتونس.


ماوراء الحدث عدد 18 ل 4/3/2011  ص 9


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق