عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 18 مارس 2011

بعد ظهورهما العلني في لقاء المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة فينق الهمة والعماري ينبعثان ويفاجئان الإسلاميين والصحافة "المستقلة" ومن يهمهم الأمر


لا يمكن فهم الأسباب الحقيقية التي دفعت مدير نشر الزميلة المساء مقال رأي، يتضمن نصائح موجهة مباشرة إلى فؤاد علي الهمة، في عدد الثلاثاء الماضي، دون العودة إلى موقف مجموعة من الصحف "المستقلة" (مستقلة عن الأحزاب ولكنها مرتبطة بأجهزة أمنية)، خلال الآونة الأخيرة، على هامش التعاطي مع مسيرة 20 فبراير والمطالب الإصلاحية التي رفعت في المسيرة، وأيضا، استحضار الصدمة السياسية الكبيرة التي تمت في العاصمة الإدارية للمملكة، صباح الأحد الماضي، مع انعقاد أشغال المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة.
من كان من قبل، يجرؤ عل توجيه نصائح مباشرة إلى شخص وازن في الدولة مثل فؤاد علي الهمة، وبالتالي، وإذا كانت حالة عبد الإله بنكيران، واضحة، بخصوص وجود طرف ما كبير أيضا، وراء توجيه اتهامات كبيرة وخطيرة ضد فؤاد علي الهمة وضد إلياس العماري، الرجل الثاني في الأصالة والمعاصرة، فإن الأمر لا يمكن أن يختلف كثيرا عن أسباب نزول هذه النصائح الملطفة الموجهة إلى "صديق الملك"، والاكتفاء مرحليا بتوجيه النصائح، عبر بوابة مجموعة من الصحف "المستقلة".

 ثلاث صدمات ضد من يهمهم الأمر
وهكذا، دعا المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة الشباب إلى "الانتقال من مجرد التعبير عن المطالب إلى الفعل من أجل التغيير من خلال الانخراط الواعي والمسؤول في أشكال العمل السياسي على مختلف الواجهات من أجل كسب رهان المغرب المأمول"، معتبرا في بلاغ أصدره عقب الشوط الأول من الدورة العادية لمجلسه المنعقد الأحد الماضي بالرباط، أن المطالب الاجتماعية للشباب تعد "حقا ديمقراطيا ينسجم مع الدينامية العامة التي شهدتها العشرية الأخيرة"، مؤكدا أن الانكباب عليها بهدف جعلها واقعا ملموسا يعتبر مطلبا ملحا لإكساب هذه الدينامية، إيقاعا جديدا ونفسا مميزا للديمقراطية الاجتماعية التي نهدف إلى إرسائها"، كما سجل البلاغ أن "التجربة الديمقراطية لبلادنا تحتاج لوتيرة أقوى لمواصلة أوراش الإصلاح، وهو ما عكسه الحراك السياسي خلال الأشهر الأخيرة والتعبيرات الشبابية المتطلعة إلى تعميق البناء الديمقراطي"، مذكرا بأن الحزب نوه في حينه بهذه التعبيرات السلمية والسياسية التي عكست عموما درجة النضج السياسي والانحياز للمطلب الديمقراطي الحداثي ولدينامية المصالحة مع العمل السياسي والاهتمام بالشأن العام.
إلى هنا والخطاب موجه لشباب حركة 20 فبراير، والذين ينتمي العديد منهم إلى أحزاب النهج الديمقراطي والطليعة، أي إلى حزبين يجسدان أقلية سياسية وخارج التغطية والأحداث والتفاعل مع الإصلاحات القائمة، رغم كثرة أعطابها، التي تقف وراء تنظيم مسيرة 20 فبراير.
وجاءت الصدمة الثانية في النصف الثاني من البلاغ، موجها لمن يهمهم الأمر، من بعض الأجهزة الأمنية أولا وبعض الأحزاب السياسية (وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، عبر التصريحات النارية التي كانت ولا زالت تصدر عن عبد الإله بنكيران)، وبالتالي، ضد بعض زملاء في مهنة المتاعب، من صحافة "مستقلة" موالية لهذا الجهاز الأمني أو ذاك، ومنها الصحف التي كانت إلى وقت قريب تتحدث عن احتمال طلب إلياس العماري للجوء السياسي في فرنسا، أو إقامته في فرنسا التي ستطول، بحكم فشله في تدبير ملفات كبيرة، إلى جانب فؤاد عالي الهمة، إضافة إلى جملة من الاتهامات صدرت في بعض الصحف والأسبوعيات، بناء على تعليمات واضحة جاءت من الذين يهمهم الأمر.
وجاء في هذا الجزء الثاني أن المجلس الوطني للحزب وقف "على الهجومات التي تحاول استهداف حزبنا من أطراف تخدم أجندة معلومة"، مؤكدا بهذه المناسبة أن "أصحاب هذه الدعوات يمثلون دعاة الفكر الشمولي بتلويناته المختلفة".
أما الصدمة الثالثة، فقد لخصها الجزء الثالث والأخير من البلاغ، وجاء فيه أنه في ما "يتعلق بالبناء الداخلي للحزب، وقف المجلس الوطني على عمل الحزب على بلورة خطة إصلاحية لتنظيماته (..) بما يترجم نهوض مشروعنا بالقيم والمبادئ التي قام عليها بروح تشاركية وبشفافية"، مشيرا أيضا إلى أن المجلس "تدارس التطورات السياسية التي تعيشها المنطقة من خلال ديناميات مجتمعية مطالبة بالديمقراطية والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان"، مؤكدا وقوفه إلى "جانب طموحات هذه الشعوب وثقته في قدراتها على تقديم الأجوبة المناسبة لكل تجربة".

 ترجمة الصدمات الثلاث
يمكن ترجمة الصدمة الأولى على أساس أن الحزب يعتبر نفسه معنيا بالتعاطي الضروري مع المطالب الإصلاحية المشروعة التي رفعت في مسيرة 20 فبراير، ولو أن الحزب سيجد نفسه في موقف حرج عندما يتذكر أن بضع هذه المطالب تتعلق بعرابه، فؤاد علي الهمة، حيث طالبت العديد من الأصوات بضرورة إبعاد الهمة عن تدبير بعض القطاعات الاستراتيجية في الدولة، على غرار المطالب الموازية بضرورة إبعاد منير الماجيدي عن القطاع المالي والاقتصادي والرياضي وغيره، وقد توقفنا في المقال السابق عند بعض القطاعات الاستراتيجية التي يتحكم فيها الماجيدي، والتي تجعل أغلب المواطنين يصادقون بـ"العشرة" على مطلب إبعاده (يتحكم الماجيدي في أهم المجالات الاقتصادية ويتحكم في المواد الأساسية من زيت وسكر وحليب، باعتباره المكلف بإدارة "أونا" المحتكرة لهذه المواد، ويتحكم في الصحافة من خلال اقتناء "سابريس" ومن خلال توزيع إعلانات على الصحف الناطقة باسمه والمدافعة عن مصالحه وقتل كل صحيفة (عبر وقف الإعلانات) تغرد خارج السرب ويختار مدراء المؤسسات العمومية كـ"صندوق الإيداع والتدبير" و"المكتب الوطني المطارات"، كما يرهب رجال الأعمال ويستغل الصحافة لتصفية حساباته معهم كما فعل مع خالد الودغيري، الرئيس المدير العام لـ"التجاري وفا" ومولاي حفيظ العلمي وميلود الشعبي، من خلال ما تنشره "مساء نيني").
أعضاء المجلس الوطني مطالبون بالرد على مطالب حركة 20 فبراير بخصوص مواقفهم من حضور ووزن فؤاد علي الهمة، والذي يبقى أحد الرجال الأقوياء في المغرب اليوم، وهي القوة التي أصبحت تزعج كثير حزب الاستقلال (أو دولة آل الفاسي، التي تكاد تكون دولة داخل الدولة)، والذي يدفع بقياده الوازن، حميد شباط لتوجيه الاتهامات في أغلب تصريحاته ضد الأصالة والمعاصرة، ولن يكون آخرها ما جاء في لقاء حزبي نظم بمقر حزب الاستقلال بفاس صبيحة الأحد 6 مارس الجاري، حيث وصف أعضاء "الباك بأنهم "يمثلون ثقافة مختلفة عن المغاربة، إن هذا الحزب أسس لفرملة عمل الحكومة ومعاكسته ، وتشكيلة هذا الحزب متناقضة، وكيف يعقل أن رئيس لجنة الانتخابات يدخل هذه الانتخابات، ولقدر الله إن فاز هذا الحزب في الانتخابات القادمة ستكون بداية حماية جديدة على المغرب، وتجلى ذلك في الاحتجاجات الأخيرة  التي عرفت حدتها في المدن التي يسيرها  حزب البّام وهي مدن طنجة والحسيمة ومراكش وكلميم".
لا تخرج ترجمة الصدمة الثانية عن بعض رسائل ترجمة الصدمة الأولى، لأن عودة الهمة وإلياس العماري أمام الملأ، أكدت لمن يهمهم الأمر، أن الرجلان حاضران بقوة في الساحة، بالرغم من سعار الحملات الإعلامية الكبيرة التي هندس لها ضدهما، وجعلت بعض المراقبين يتساءلون فعلا، عما إن كانت مرحلة ما بعد 20 فبراير تتميز بنهاية الهمة والعماري، حتى أن مقالنا للأسبوع الماضي بهذا المنبر كان عنوانه: "شعار المرحلة لدى الأغلبية والمعارضة في مرحلة ما بعد مسيرة 20 فبراير: متى يعلنون عن نهاية الهمة والماجيدي و"دولة" آل الفاسي؟"، وأشرنا فيه إلى أن مسيرة 20 فبراير التي دعا إليها بعض "مغاربة الفايسبوك" كانت واضحة في الدعوة برحيل فؤاد علي الهمة ورحيل منير الماجيدي ورحيل دولة آل الفاسي، باعتبار أن ما يقوم به هذا الثلاثي، يساهم في الاحتقان السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي.
أما تتمة الترجمات، وهي الصدمة الكبرى في حدث الأحد الماضي، فجاءت من خلال تأكيد بلاغ المجلس الوطني على أن هذا الأخير "تدارس التطورات السياسية التي تعيشها المنطقة من خلال ديناميات مجتمعية مطالبة بالديمقراطية والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان"، بما يفيد أن جماعة الهمة، معنية بتقديم إيجابيات عل مطالب الشارع المغربي اليوم.

 قرارات سياسية وازنة في الطريق
يمكن إذن في هذا الإطار، قراءة الخليفة التي تقف وراء نشر مدير المساء لنصائحه يوم الثلاثاء الماضي، يومان فقط بعد أول ظهور رسمي للثنائي الهمة والعماري في أشغال المجلس الوطني، بعد كانت العديد من الأوساط الأمنية والحزبية والسياسية تسعى للإعلان النهائي عنه نهاية مشروع الهمة في الساحة، وفسح المجال لأجهزة أمنية معينة، ولتيارات إسلامية معينة ولصحف "مستقلة" معينة، لم يعد يخفى على أي متتبع طبيعة ارتباطاتها مع بعض من يهمهم الأمر، وما يفسر هذا التحالف (الأمني الإسلامي الإعلامي)، هو طبيعة ما كانت تنشره بعض الصحف بعينها دون غيرها حول مشروع الأصالة والمعاصرة، ونشرها أيضا للمجموعة من الشائعات حول الهمة والعماري، منها على سبيل المثال لا الحصر، إشاعة اعتقال إلياس العماري، ليلة أحداث الشغب التي عرفتها مدينة الحسية، أو إشاعة وقوفه وراء أحداث الشغب، دون الحديث عن إصرار بعض اليوميات على الترويج لأخبار احتمال طلب العماري اللجوء السياسي في فرنسا.
مصادر "ما وراء الحدث" أكدت أن الأسابيع القليلة القادمة، حبلى بقرارات سياسية وازنة، سوف تساهم في زعزعة العديد من الأسماء، وأكدت أيضا، أن الهمة والعماري باقيان في تدبير مشروع الأصالة والمعاصرة، وأكدت أخيرا وليس آخرا، أن الحروب الأمنية التي يتم تصريفها عبر أعمدة بعض الصحف "المستقلة" والأخبار إياها، معرضة للمزيد من التطورات، وخاصة قبل موعد تنظيم مسيرة 20 مارس التي دعا إليها بعض شباب الفايسبوك.
خليل العلوي ص 4 عدد 19 ل11/3/11

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق