عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الأحد، 27 مارس 2011

في آخر مقال لـ Alain Gresh بين 1995 و2001 : 400 عطلة خاصة في المغرب لوزراء فرنسيين ؟! ونهاية نظام إقليمي...


كتب آلان غريش على صدر الصفحة الأولى لجريدة لوموند دبلوماتيك عن نهاية نظام إقليمي في ظل ما دعاه (اليقظة العربية)، وتخوف الاتحاد الأوروبي من هجرة مكثفة قادمة من ليبيا، ومتابعة أمريكية لما سيكون عليه انعكاس اليقظة العربية على النظام الإقليمي بعد سقوط مبارك أساس سياستهم في المنطقة، والمتمثلة في الملف الإيراني والصراع العربيالإسرائيلي. لكن كل الحسابات قد تتأثر بالرأي العام (الذي لم يعد واحداً ولا رسميا) وحساساً لقضية الفلسطينيين.
كثيرة هي أسابيع الإضرابات والتظاهرات التي تغرق هذا البلد المسلم الكبير، الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ووضع الدولة بيد عائلة الرئيس، واشنطن تركت حليفها التقليدي. سكرتير الدولة يطلب من الدولة الاستقالة من أجل الشروع في طريق الانتقال الديمقراطي.
لسنا في مصر فبراير 2011، نحن في أندونيسيا ماي 1998، والكلام لأولبرايت وليس لهيلاري كلينتون، وهي تتحدث إلى ساهارتو الذي قدم إلى السلطة بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية CIA في 1965 بعد أن قتل نصف مليون شيوعي، قالت : عليه أن يغادر المشهد مع سقوط جدار برلين (1989) ونهاية الاتحاد السوفياتي (1991) أندونيسيا فقدت مكانها الطليعي في محاربة الشيوعية، في واشنطن نحب أن نرافق الحركة نحو الديمقراطية، نوجهها باتجاه المصالح الأمريكية في وقت يريد فيه بيل كلينتون أن يعطي صورة مفتوحة عن أمريكا. في الأخير، الخيار ممكن، وفي جاكرتا، العلاقات ضيقة مع واشنطن، حتى أندونيسيا، عضو نشيط في منظمة المؤتمر الإسلامي، تضع برهاناً على استقلاليتها، خاصة في الملف النووي الإيراني.
دروس يمكن أن تكون من هذا المثال ؟ أولا، لا ديكتاتورية أبدية حتى التي تعيش في أكثر المجتمعات الإسلامية كِبَراً، وثانيا التغيرات الداخلية تؤثر على السياسة الخارجية، والتطورات تتنوع حسب كل الظروف : مصر ليست أندونيسيا، والشرق الأوسط ليس جنوب شرق آسيا.
عاد الحديث عاديا عن (الشارع العربي) في أروقة الإليزيه وفي كل الغرب. هل يجب أن نحسب حسابنا على أصوات ملايين من الأفراد وأن نسمعها عوض الشعارات الإسلامية والمناهضة للغرب، ونحن "نتواطؤ" مع حكام قادرين على فرض نظام (خَلاَصِيٍّ) في وقت يستقبل فيه الملوك والرؤساء حكامنا ومثقفينا بأريحية وضيافة كلها شرقية ؛ بين 1995 و2001. سجل في المغرب 450 عطلة خاصة لوزراء فرنسيين، والأوتوقراط حاليا يحلمون بمسلسل للسلام والاستيطان الإسرائيلي يتمدد ؟
في أسابيع، أسطورة "سلبية" الشعوب العربية وعدم قدرتها على الاتجاه إلى الديمقراطية انتهت (في الهواء)، - وأمامنا - الثورات التونسية والمصرية. الحركات التي تخلخل المنطقة من الجزائر إلى البحرين مرورا باليمن وليبيا، والتي تمس إيران (الفارسية غير العربية) لا تهتم فقط بخيارات الشعوب والتقدم، ولكن بالسياسة الإقليمية.
لأول مرة منذ سنوات 1970، لا يمكننا أن نحلل جيوسياسية المنطقة دون أن نضع في الحساب وليس بشكل جزئي، آمال الشعوب ودول أصبحت فاعلة لتحديد مصيرها.

 الاتفاقيات الموقعة في كامپ ديفيد جعلت يد إسرائيل طليقة.
هذا صحيح بالنسبة لمصر، من المبكر أن ترسم محيط مستقبل سياستها الخارجية، كل الملاحظين يعتبرون أن البيت الأبيض فقد حليفاً وفيا، وصديقاً وثيقاً، وطرح استراتيجيته مع إسرائيل وإلى جانبها طيلة ثلاثين سنة، فمصر شاركت في الحرب على العراق (1991-1990).
وفي السنوات الأخيرة حسني مبارك على رأس الحرب ضد "التهديد الإيراني"، وأدار وَهْمَ "مسلسل السلام"، ضاغطا على السلطة الوطنية الفلسطينية التي تتابع المفاوضات، ومُسْتقبِلا بشكل دائم في شرم الشيخ "المسؤولين الإسرائيليين" الذين لا يرغبون في أي اتفاق سلام.
مبارك شارك في حصار غزة، وساهم في إفشال مصالحة حماس وفتح، رغم تدخل طرف ثالث معتدل (العربية السعودية، فبراير 2007).
طيلة يقظة الشتاء، بعض المحتجين حملوا لوحات بالعبرية تتعلق بهذا التفهم الكبير للمسؤولين الإسرائيليين لحسني مبارك.
المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يمارس السلطة في القاهرة، ضمن دعم كل من واشنطن وتل أبيب بعد أن أكد التزامه بكل الاتفاقيات الموقعة من طرف مصر، وتتضمن تعهدات كامپ ديفيد واتفاق السلام المصري الإسرائيلي في 1979.
وفي احتمال عودة الشعب المصري إلى الحرب، لن يكون مهتما بهذه النصوص كعامل للسلام والاستقرار الإقليميين. وفي هذا السياق يكتب A. Cook من مجلس العلاقات الخارجية (نيويورك) : في نظر كثير من المصريين هذه الاتفاقيات قللت من تدخل مصر، ومكنت إسرائيل والولايات المتحدة من حماية مصالحهما الإقليمية. متحررة من مخاطر حرب ضد مصر، إسرائيل استطاعت أن تملأ كل مستعمرات الضفة وغزة بآلاف الجنود، وقد اجتاحت لبنان مرتين (1982 و2006) وأعلنت القدس عاصمة وقنبلت العراق وسوريا والمقال في Foreing Affairs تحت عنوان The U.S - Egyptian break up.
شعب مصر عبر عن تضامنه مع فلسطين ولبنان طيلة حرب 2006 ؛ صور حسن نصر الله في كل متاجر القاهرة، والنظام يدين مغامرة حزب الله. الآن المتظاهرون الذين طالبوا بالتعددية والديمقراطية لم يتوددوا إلى إيران.

 إكراه التراجع الأمريكي في المنطقة 
في الغد حكومة أكثر تمثيلية في القاهرة تأخذ بعين اعتبارها توجهات الرأي العام، خصوصا اتجاه قطاع غزة والعلاقات مع إسرائيل، وتتبع سياسة أكثر تحفظاً اتجاه المحاولات الأمريكية لخلق جبهة موحدة (غير معلنة) بين الأقطار العربية وإسرائيل ضد إيران.
هامش المناورة في القاهرة يرتبط بالوضع الاقتصادي الذي عرف الليبرالية منذ سنوات. البلد لا يزال تابعاً للمساعدات الأمريكية وأموال الاتحاد الأوروبي.
البعض يثير إمكانية تبني سياسة خارجية مستقلة، مشابهة لتركيا، لكن هامش مناورة أنقرة تتكئ على (دينامية) اقتصادها، وعلى ناتج وطني يتفوق ثلاث مرات على مصر (مع ساكنة تقريبا متعادلة).
ما يجري في القاهرة يدفع إلى خنق باقي الدول العربية (المعتدلة) وفي المقام الأول : السعودية. الملك عبد الله تدخل عند الرئيس الأمريكي لصالح مبارك. هؤلاء القادة هُزِمُوا، ذلك هو التراجع في المنطقة.
قدرة الولايات المتحدة - على نسج جبهة ضد البرنامج النووي الإيراني، وعلى فرض عقوبات ضدهاسمحت بهزيمتها في العراق. فيالق أمريكا يجب أن تخرج بنهاية هذه السنة من العراق وقد مسته الاحتجاجات التي تجتاح المنطقة، الشأن نفسه في أفغانستان، وفي إسرائيل لم تستطع واشنطن الضغط على نتنياهو لوقف الاستيطان.
استقالة الحريري في يناير 2011 وسقوط مبارك عمَّق مخاوف المعتدلين العرب خصوصا بعد توسع موجة الدمقرطة في اليمن والبحرين، لأن شباب الخليج تأثر بما جرى في تونس ومصر؛ يومية الوطن السعودية بتاريخ 16 فبراير دعت إلى الاهتمام بآمال هؤلاء الشباب (الذين يهتمون لخطط التنمية ولسرعة التنفيذ في علاقة بالفعالية، لأنهم يتناولون المعلومات حول ربح وخسارة من هذه المشاريع) خصوصاً أن شبهة الفساد تحيط بهذه المشاريع قبل هذه الأحداث.
السعودية اختارت طريقها الخاص في المنطقة عندما تقربت من سوريا، وأجابت بإيجابية عن دعوة على أكبر صالحي وزير الخارجية الجديد
بالنسبة للسلطة الفلسطينية خسرت بذهاب مبارك حليفاً وفيا، عدوا لمصالحة حماس التي تضع عائقا أمام سياسة التفاوض مع إسرائيل. في منتصف فبراير وضعت السلطة على مجلس الأمن قراراً يدين الاستيطان وأوباما طلب من عباس سحب "النص". ورغم ضغوط أمريكا محمود عباس رفض وأظهر صلابة استراتيجيته أمام الأمريكيين، فهل المأزق يقود شباب الضفة وغزة إلى التظاهر من أجل الحرية والكرامة، وفي إطار حقوق الإنسان والمساواة، أولاً من أجل وحدة الفصائل الفلسطينية، وضد الاحتلال. الجيش الإسرائيلي كما تكشف "جيروزالم بوست" يتهيأ لمثل هذا الوضع من خلال قوة للتدخل السريع، والحكومة مهتمة كسائر حلفاء واشنطن من العرب لأن نتنياهو لم يتوان في دعم مبارك.
هذا الموقف أكده (دانييل ليفي) العضو المؤثر في دائرة التفكير لـ New American fondation ويضيف أن هناك نقطة مرجعية في تل أبيب تقول إن إسرائيل (الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط)، هذه العبارة لا توحي بأن مثل الإكراه يعزل إسرائيل المحاطة بالديكتاتوريين، لأنها تريد أن تبقى وحيدة، وهو امتياز. في تل أبيب، القادة المتعاقبون خير من أنظمة تسلطية قريبة من الغرب لا تستطيع أن تقضي على مشاعر الشعوب المساندة للفلسطينيين.
في هذه اللحظة، الحكومة مُزَلْزَلَة بحكم التغيرات الجارية، تطرح مآل دور الإسلاميين، وتحالفهم مع ثورة 1979 في إيران، مما يضاعف التهديد الإيراني الذي دفع إيهود باراك إلى تهديد لبنان باجتياحه مجدداً.
إن (خسر الغرب) هل يربح محور دمشق طهران وحلفائه من حزب الله وحماس ؟ ونقط الضعف واضحة.
حماس في كنتونة بغزة، كذلك احتمال إدانة عناصر من حزب الله من طرف المحكمة الخاصة بقتلة الحريري تضعف حسن نصر الله.
وإن حيت قيادة إيران الثورة المصرية فإنها تقسو على متظاهرين يحملون نفس الشعارات في بلدها.
في يد بشار الأسد ورقتان : الخوف من شعب سوريا والموقف الصارم من إسرائيل، في وقت يشهد فيه هذا البلد دفعة ديموغرافية، وبرامج ليبرالية تواجه تعقيدات اقتصادية واجتماعية خطيرة من غير ذكر أمل الشباب السوري في الحرية كباقي الشباب العرب.

+++ إن ركز المتظاهرون على مبارك فهم لم ينسوا فلسطين
لقد ذكرنا أندونيسيا والطريقة التي تكيفت بها واشنطن بعد سقوط الديكتاتورية. الاختلاف الكبير في الشرق الأوسط يرتبط بفلسطين، حيث مجموعة من المراقبين لاحظوا أن هذه القضية أصبحت ثانوية عند المتظاهرين. في القاهرة، المنظمون أرادوا التركيز على خصم واحد : النظام، الأمل الذي رغب الجميع فيه، ومع سقوط مبارك في 18 فبراير، وبعد الاحتفالات حمل المحتجون شعاراتهم لتحرير القدس. لعقود، دعمت أمريكا إسرائيل بشكل غير مشروط دون أن تدفع الثمن. هذه المرحلة انتهت، وقد سمعنا في وقت سابق الجنرال بتروس في مارس 2010 يقول : (الغضب العربي من المسألة الفلسطينية يحد من قوة وعمق علاقاتنا مع حكومات وشعوب هذه المنطقة، وتضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي). هذا المحيط الجيوسياسي الجديد تدفع بقوة الإدارة الأمريكية إلى خيارات صعبة فهل تستطيع أو تريد ؟
هذه الأسئلة يمكن أن تطرح على الاتحاد الأوروبي، الذي جمعته علاقات بلا غيوم مع مبارك وزين العابدين بن علي. لم يستطع الأوروبي أن يأخذ أي مسافة مع الديكتاتوريين. وضاعف اتفاقياته مع حكومة إسرائيلية معادية للسلام، ومتقدمة لسياسة نيوليبرالية ساهمت في الفقر والفساد في دول الجنوب والمتوسط. فهل يمكن أن تأخذ أوروبا حالياً مطالب "الشارع العربي" الذي لا يحضن اللحى والبرقع ؟ وأين يمكن أن نضع دعوة جورج قرم للغرب لأخذ المثال من الشارع العربي الذي رفض الأوليغارشية النيوليبرالية التي تفقر الاقتصادات الأوروبية غير الخالقة لفرص الشغل، والساحقة لعدد كبير من الأوروبيين من كل الجنسيات، هذه الطفرة السلبية خدمت "فئة" من المديرين بحساباتهم السنوية التي تلتهم الاقتصاد الوطني.
قبل سنوات، العالم أصبح غير مُتمركز. كل بلد كبير من البرازيل إلى الصين، من الهند إلى جنوب أفريقيا، يبحث عن مكانه، ليس ضد الغرب وليس في خدمته، لكن إلى جانبه للدفاع عن مصالحه الخاصة. تركيا عضو في الحلف الأطلسي (الناتو) وحليف أمريكا يلعب دوراً جهويا متصاعداً، ويسعى أن يكون مستقلا في البرنامج النووي وفي قضية فلسطين. المغرب العربي والشرق الأوسط يبحث كي يلتحق بالركب العالمي
ما تطلبه هذه الشعوببتعبير Graham E. Fuller من CIA قديما وكاتب : مستقبل الإسلام السياسيأن تدير حياتها ومصيرها، في المدى القصير، على واشنطن أن تأخذ الحقل وتترك الزارع أي تترك المجتمعات لنفسها، وأن تضع نهاية لسياستها الطويلة في عدم اعتبار الشعوب ؛ في منطقة - الشرق الأوسط - مؤسَّسَةٍ على نظرة "قاصرة" للمصالح الأمريكية.
لا شرق لا غرب شعار رفعه الإيرانيون في 1979، واختاروا أن يواجهوا أمريكا قبل الاتحاد السوفياتي (ليس مع الغرب وليس ضده) هي شعارات المحتجين اليوم في العالم العربي مطالبين بالاستقلالية والسيادة في عالم متعدد الأقطاب، ويحاكمون الغرب من خلال مبدأ الحق والعدل في فلسطين. ولن يقبلوا من حكوماتهم أن تقاوم الغرب من أجل أن تكون ديكتاتورية.
جميع الحقوق محفوظة لجريدة ماوراء الحدث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق