عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الأحد، 27 مارس 2011

أسرار فرنسية خطيرة في ليبيا


لم تنجح باريس طيلة 300 سنة الماضية في "احتواء ليبيا وبقي المغرب العربي الفرنسي التأثير، محكوما بإسبانيا في طرف وفي طرف آخر بإيطاليا.
حاليا فرنسا تحاول عبر الثورة على القذافي أن تصل إلى أهدافها القديمة، لأن برلسكوني ينتظر انتصار السفاح وأمريكا تنتظر انتصار الثورة.
فرنسا يهددها القذافي بالكشف عن صفقة جبانة لإطلاق الممرضات البلغاريات، وبسر آخر قد يكلفه نهاية عمره السياسي، ويرد ساركوزي باللعب على مصلحة قومية لأمن بلده في كل المغرب العربي عندما قرر الاعتراف بمجلس بنغازي ممثلاً وحيداً لشعب ليبيا، وإن اختار القذافي المزيد وتجاوز الخط الأحمر، والاستخبارات الفرنسية أعدت خطة لقتل القذافي.
الغريب أن نرى إسرائيل غير متعاونة في هذه الخطة، ولا ترغب في أي عمل يثير عليها "خلايا نائمة للقذافي" في مناطق متعددة من العالم، لأن تل أبيب استهدفها في وقت من الأوقات.
إسرائيل حالياً فشلت استخباريا بعد تهديد حزب الله لقتلها مغنية، وتفشل دبلوماسيا كل يوم في ظل إدارة ليبرمان. كيف لأي سفير أن يحمي إسرائيل ووزير خارجيته في الأمم المتحدة يقول : لا احتمال للسلام، ونتنياهو يقول : لا مجال ! (بفعل الاستيطان).
إسرائيل تفكر ملياً في خطة ساركوزي داخل ليبيا، وتأخر أمريكا يدفع تل أبيب للتقدم لأول مرةفي المغرب العربي - إلى جانب فرنسا.
ساركوزي يسلم الإسرائيليين أوراقا لن يقدمها أحد في العالم لهم. أوباما يحمي إسرائيل، لكن لا يدفعها للتقدم وفرنسا ساركوزي يسلم تل أبيب أكثر مما تتمناه.
وأرى كيهودي، أن هذه اللعبة خطيرة على أمن إسرائيل، لأنها تزيد من تطرف حكومتها. ساركوزي يساهم في بقاء نتنياهو على رأس حكومة لا تقبل السلام والأمن البعيد المدى.
الرئيس الفرنسي لم يعد جنديا فقط لليبرمان، بل يشكل طوق أمان مغاربي لإسرائيل بعد سقوط مبارك. ويعوض العمق المصري بعمق ليبي إن أمكن لأمن إسرائيل.
هذا الإغراء ليس في فائدة السلام، وعلى كل يهودي أن يقف إلى جانب نظرة واحدة : أمن إسرائيل لا يأت من خارج السلام مع الفلسطينيين، وليس من خارج الجوار. صنع عمق آخر لإسرائيل في شمال أفريقيا سيزيد مع المغرب أو الجزائر وإن حكومات البلدين لا تريد إثارة الشارع المطالب بالإصلاحات.
إن شمال أفريقيا عمق حقيقي للسلام، فإسرائيل بدأت فكرتها للشرق الأوسط الجديد من الدار البيضاء، وفشلت لأن السلام تعثر. وتعثر المشروع مع أمريكا، وحاليا الشعوب العربية تصنع هذا الشرق الجديد، وعلى إسرائيل أن تتبناه وتتكيف معه لا أن تحاربه وتحارب التاريخ معه.
والمخيف أن تنفجر هذه المنطقة (شمال أفريقيا) بعد حرب القذافي على شعبه، وتكون سوقا لشركات السلاح. أردوغان حذر من هذه الخطة التي تنسب لليبرمان...
وأرى أن المغرب عمق حقيقي لإسرائيل إن قبلت السلام، لا أذكر هنا قمة البيضاء الاقتصادية بل أذكر يهوداً مغاربة يوالون فكرة السلطان، وعندما سألت لم فضلتم أن تطلقوا على محمد الخامس السلطان وليس الملك الذي أراده في حياته، قالوا : السلطان حمى اليهود، والملك طردهم وأرى أن الكلمة قاسية، لأن السلطان في الأندلس له وقع خاص وديني يجعل حماية اليهود من الدين، والملك يحميهم كمواطنين. والفارق واضح، وأرى أن الدين الذي حمى اليهود في القديم يخيف إسرائيل اليوم ؟
هل نقفز في الهواء ؟ التوراة تنبهنا إلى غير هذا المسار، وفرنسا تكرسه، لأن اليهود الفرنسيين مات تأثيرهم بوصول ساركوزي إلى الحكم.
المادة الأولى للسلام كانت هذه الخميرة الفرنسية، وحاليا يعتمد الجميع على الليبراليين اليهود في أمريكا. فأوباما لا يمكن أن يضغط على تل أبيب دون مشاركة ساركوزي ، وتحالف اليهود الفرنسيين والليبراليين الأمريكيين سيكون له معنى، لكن ساركوزي يفضل أن يعطي ما خسره نتنياهو مع  مصر في ليبيا، هذه الحقيقة غير المهضومة تكرر صعوبات :
أن إسرائيل تجد في ساركوزي مسانداً لاقتصادها مع الأوروبيين، فكلما خسرت عالمها الإقليمي وجدت في أوروبا السند، وهذا يعيد تل أبيب إلى الخلف.
أن فرنسا عملت على توجيه رأي أوروبي عام مناهض للحكومات الإسرائيلية المتطرفة، وهذا التوازن اختل.
أن ساركوزي في سياسته المغاربية الجديدة بعد سقوط بن علي، وسقوط حليفه في الاتحاد المتوسطي (مبارك) يقرأ الوضعين المتوسطي والمغاربي في صلة واحدة، وهذا خطير على مصالح أمريكا والغرب، لأن المتوسط بقضاياه من قبرص إلى مشكل تركيا ليس مماثلا لتحول شعبي عارم في الدول العربية. لقد سقط نصف شمال أفريقيا في يد الثوار ونصفها الآخر يتأرجح، ويسابق في طرح مبادرات قد تكون بدون تنفيذ.
الجزائر رفعت حالة الطوارئ فقللت من حكم الدولة الشاملة للجيش، وخفض المغرب من صلاحيات الملك الواسعة فقلل من الدولة المطلقة للعرش، وهذا الإجراء يحمي باقي الشمال الأفريقي، لأن اللعبة الفرنسية تخدم إعادة توجيه اللعبة مع الشارع كي لا يتكرر النموذج المصريالتونسي.
أمريكا من داخل حركة الاحتجاج تدير سياساتها، وفضلت باريس أن يطرح حلفاءها المبادرات لاحتواء الاحتجاج. بوتفليقة ذهب خطوات والملك المغربي وضع سقوفا، وكل منهما رفع حالة الطوارئ بطريقته ووضع إدارة أخرى للطوارئ. إنها لعبة أخرى تبدأ من ليبيا، وفرنسا ترغب في تقسيم أدوار مع إيطاليا : أن يكون للثوار امتياز فرنسي يحمي (تشاد) من العمق الليبي وأن تكون لإيطاليا قناة مع طرابلس. وفي الحالتين تلعب أوروبا فيما تعتبره حديقتها الخلفية بما يشبه مشهدا واحداً : ساركوزي مستر كولونيال آخر.
جون فنهارت ماوراء الحدث عدد 20 ص 20 ل 18/3/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق