عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 4 مارس 2011

الاقتصاد المغربي تحت تأثير الأزمة


الاقتصاد المغربي تحت تأثير الأزمة


هل انتقلنا من التوازنات الماكرو مالية إلى التوازنات الماكرو حزبية ؟ 
الاقتصاد المغربي وقع تحت "حمى" الأحداث بعد ثورتي تونس ومصر وحركة 20 فبراير المحلية، فانتقل من اقتصاد ماكرو مالي إلى ماكرو سياسي في قفزة هواء "غير منتمية" للحسابات، وغير مضطلعة باستراتيجية إنقاذ "حقيقي ووطني".
الدولة استغنت عن النمو الاقتصادي كي تشتري السلم الاجتماعي بتعبير الاقتصادي بنعلي.
المغرب عرف احتجاجات اجتماعية عديدة لكنها لم تؤثر على توازناته الماكرو اقتصادية وإن استعان الحكم بما دعاه مخططاً وطنيا للتنمية البشرية على هامش هذه التوازنات، وانتقل الوضع كله إلى مرحلة ثانية. هل نحن أمام تنمية بشرية تحت "الطوارئ والاستثناء" أم نحن أمام رشوة باسم ميزانية الشعب والدولة لبقاء السياسيين الكلاسيكيين أو التقليديين في أماكنهم.
المغرب جمد إصلاحاته السياسية ومَوَّل قراره تحت عنوان التنمية البشرية فاقتحم الجمعيات وأدارها لصالحه.
احتواء أطراف من المجتمع المدني واحتواء المطالب الاجتماعية للطبقة الهشة جدا لم تسعف اللعبة في دفن مطالب الإصلاح السياسي.
الاقتصاد انتقل من تمويل الأحزاب إلى تمويل التوازنات الماكرو حزبية ومن تمويل الجمعيات (عبر نسيج التنمية البشرية) إلى إدماج جمعيات المعطلين الدكاترة، وجمعيات كبرى تابعة للأحزاب.
من جهة لم تنجح الملكية الاجتماعية في الوصول إلى أهدافها الاستراتيجية، لأنها "تشكلت" بطرق مختلفة، وحملت أقنعة عديدة ضمنها : الإنساني والتضامني، وهذا بعيد عن وضع الملكية التضامنية جزءا من السياسة الاجتماعية للحاكم والحكم.
من جهة أخرى، يمكن أن يتقرر نقل التضامن من صيغة العمل الإنساني إلى المعمل المهيكل، وفي قلب الاقتصاد، وليس على هامشه
التنمية البشرية يجب أن تكون سياسة دولة، وليس مبادرة شخص أو على هامش العمل الحكومي.
الاقتصاد التضامني فشل في التواجد، لأنه نقيض :
لاقتصاد الريع.
للاقتصاد الممركز
لاقتصاد الفساد، ولا تزال هذه الظواهر جوهراً هاما في اللعبة من تقديرات ثلاث :
ضرب الاستثناء الاقتصادي، والذي يكون في صالح مجموعة اقتصادية معينة، وتظهر على السطح (أونا)، والضحى وغيرها.
ضرب الاستثناء المالي الذي تمثله بعض اللوبيات في البورصة.
وهذه الدراسة تشكل قراءة بحد ذاتها للقول إن الحكم سمع نداء الشارع. الواقع الجديد لا يؤكد فلسفة التضامن، بل محاربة الفساد الذي يشمل (لوبيات النظام) باتجاه احترام القانون.
ويبدأ الوضع في نظر خطاطة أمريكية :
من قانون الصفقات بما يضمن تطبيقه من طرف القضاء وهذا يعني (استقلال الأجهزة الجزائية)
قانون العمل
قانون التعمير.
لا يستغرب متتبع : لم وزير الإسكان ضمن المعتقلين في مصر، لأن لعبة العقار خطيرة في الوضع المالي والاستثماري للمنطقة، وهذا له أكثر من عنوان، لذلك "فالمطالب اجتماعية والاحتجاج سياسي" في كل الدول العربية (سارة بن نفيسة في لوموند دبلوماتيك، فبراير 2010)، وكتاب Eric Verdier وشركاءه حول "الاجتماعي" في البلاد المغاربية يطرح نفس الاستنتاج.
الغنى التونسي من بيع قانون العمل، وعمالة ضعيفة الأجر، وفي مصر سياسة منطلقة من الإسكان وتدور حوله، والمأزقان واضحان في المغرب والقراءة الاقتصادية تمرر (الغنى) عبر الأسر النافذة واللوبيات وصناعة المبررات في الإعلام الموالي.
صورة لم تعد معتمة كما في السابق وانطلقت باتجاهين :
القراءة الاقتصادية الشاملة والتي لا تجعل الاقتصاد مالاً فقط، فتذويب أو بسترة الاقتصاد - في عنوان واحد هو - المال اعتداءٌ قوي على "مصالح الوطن".
السبب الذكي في ترتيبات نظام الاستبداد. أن الكل لا يدور بإرادة المستهلكين إنما بإرادة المنتج، اللعبة جيدة إن كانت السلعة "جيدة" ومتطابقة مع شروط السلامة الاقتصادية والوطنية.
اقتصاد الثورات يخلق توازنات جديدة ويستقر بدوره على بيروقراطيا تحارب الدولة لتجعلها "غير سميكة" والمغرب في جوهره أمام :
بيروقراطية اقتصادية معقدة، قد تضع التحول صعبا، كما وضعت الإصلاح أصعب في مرحلة من المراحل.
نفوذ العائلات.
دورة صغيرة للرأسمال الثقيل في المملكة، و يزيد في الجزائر وتونس، وهذا يؤكد على صعوبة عميقة في إعلان إصلاحات طفيفة. أذكر في هذه اللحظة كتاب Michel Camus وG. Massardier المطبوع في 2009 بباريس حول الفروق بين النظام الديمقراطي والديكتاتوري وفي الجانب الاقتصادي :
لا يمكن أن تعيش الديكتاتورية اللامركزية، وإلا انفصلت الدولة.
لا يمكن أن تعيش الديكتاتورية الديمقراطية التمثيلية لأن الجوهرين يصطدمان، وتذهب الديكتاتورية إلى "اقتصاد التمثيل الشعبي" لإدارة الأهداف التي يقررها النظام.
الاقتصاد السياسي للديكتاتورية لا تزال تعيشه المملكة بشكل كامل.
مصر برهان على فشل مال العائلة الحاكمة التي تتبع مبارك وإن تداخلت مع أموال الحزب الحاكم.
اقتصاد حزب الواحد أو العائلة الواحدة يجب أن ينتهي من الاقتصاد الوطني لإنجاح التحول، ومن ثم قراءة الوضع الجديد بما يفيد جعل المال في خدمة الاقتصاد وليس الاقتصاد كله في خدمة مال السلطة.
معادلة الفساد (المالي) بلغت حدوداً أرادت معها صناعة "مجتمع الفساد"، أي قيمة مطبِّعة مع الفساد في أسلوب الحياة، وبالتالي نقرأ الوضع من خلال إعادة الهيكلة وليس التغيير.
الإصلاحات غير العميقة تزيد من السلبية الشديدة للاقتصاد الوطني كما أنها تبرز :
أن دورة الفساد يمكن أن يكسرها القضاء ولا يجب أن تجبرها السياسة.
أن الفساد سلوك اقتصادي ينتهي بسلوك الدولة ضد الحكم، فيضع الفساد الحكم في "ترتيب هش" لا يصمد معه.
أن الفساد مرفوض شعبيا في ظل التنافس المفتوح بين فئات المجتمع.
وتبدأ المعركة الحقيقية من محاربة الفساد، وفي ذلك تقدير واحد ووحيد للتحول، وإلا اتجه إلى إعادة بناء عقيدة أخرى لفساد الحكم بمسميات جديدة وضحايا بالتأكيد.
حل الأزمة حاليا دفعت عباس الفاسي إلى استنزاف إضافي للمال العام ولم يفكر في إجراءات "توقف التدهور العام".
لم يطلق الوزير الأول "سياسة إصلاحية" بل إجراءات مالية لاستيعاب المطالب.
الأزمة الحالية تشكل بهذه الإجراءات خطورة عندما تعلن من داخل الدورة التي نعيشها إجراءات مفروضة من الواقع من غير استراتيجيات.
الاقتصاد في هذه الحالة يخدم السياسة ويحولها إلى حالة تحت القيد تجعل الاقتصاد مجرد "مال سياسي" يصعب معه قراءة المستقبل. ووزارة المالية في عهد مزوار كشفت عن عجز خطير، فظلال الأرقام موضوعة، ولا تحمل أي مصداقية، إنها أشبه بسجل شركة تذهب لمحاسب (تحت الطلب) لإنتاج معادلة حسابية (حسب الرغبة) وهذا لا يخدم اقتصاد 70% الذي يملكه 30% من الشعب المغربي ؟!

جريدة ماوراء الحدث عدد 17  ل 25/2/11   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق