عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 18 مارس 2011

في آخر عدد من دورية Cassandre لا ثقافة لا مستقبل No culture, No future ؟!


قد نلخص آخر عدد من دورية Cassandre بكلمة واحدة "لا ثقافة، لا مستقبل" وقد نقله المنبر بلفظه عن الإنجليزية رغم أن الدورية فرنسية، والعدد 84 أخذ معنى جديداً من خلال طرح ذات السؤال على وسطنا الثائر في مصر وتونس، والطريق الدموي اتجاه الديمقراطية في ليبيا، حيث رأينا الشباب الذي يدرس أبجديات التنظيم الإداري وإدارة المجتمعات ينتفض لجعل الدولة على نفس المستوى من الحكامة.
وفي هذا الإطار نجد أن :
المجتمعات الديمقراطية الجديدة في الشرق الأوسط يجب أن تخضع إلى "الحكامة" الجيدة، ويمكن من خلالها التوجه إلى ما يفيد المجتمع.
أن هذه المجتمعات تحتاج إلى ثقافة ديمقراطية أكثر تجذرا في الأجيال الجديدة، فالثورات تنجح إن وجدت تحولها البنيوي يساير روح الثورة المجتمعية، والتنظيم.
أن المستقبل يحتاج إلى ثقافته.
أن التقديرات الجديدة لا ترى حاجة العالم العربي إلى الحكامة بل حاجة العالم إلى "تغييرات جذرية"، فالأزمة المالية قد تتجدد إن لم يصل الغرب إلى تبني هذه الإصلاحات الموصوفة من طرف رئيس البنك المركزي في أنجترا (بالجذرية)، والثورات العربية تحتاج إلى نفس التغييرات الجذرية للوصول إلى الأهداف التي تحرك لأجلها الشارع.
وفي هذا العدد نجد المفكر الإنجليزي Hanif Kureishi يقول أن روحاً حية من التاتشرية لا تزال تعمل في مملكة بريطانيا، وهو ما يمكن إطلاقه على المغرب حيث روح الحسن الثاني لا تزال "حية" وتعمل في نظام المخزن، وبومديان يحكم الجزائر. وما تبقى تاكتيكات.
عدم إنتاج ثقافة بديلة لما يجري صورة من تكريس الثقافة التي نعيشها، وبالتالي تكون أوروبا قد دخلت في مرحلة "العجز الثقافي" بنفس القدر ويزيد في مرات عن الأزمة المالية.
هل نحن أمام أزمة مالية أم ثقافة أزمة في أوروبا. حالياً  لا توجد ثقافة أوروبية في أجواء اقتصاد أوروبي متكتل، فعدم تكتيل الثقافة من خلال روح، يعني أننا أمام عجز في وحدة أوروبا. الغنى وحده لا يصنع الوحدة، وبالتالي أوروبا تضطر أن تموت ثقافتها بفعل ثقافات متعددة لا تجد من الأصل "مخيالها الوحدوي".
ونجد على النقيض تخلف "التفرقة" ضد ثقافة الوحدة "البنيوية" لما يسمى في العالم باللوبي.
الثقافي عنصر وحدة قوي في لحظة التقدم الاقتصادي، وفقر هذه الثقافة في أوروبا يزعزع اقتصادها، لأن الاقتصاد ليس معادلة فقط بل روح أيضاً.
لا مستقبل لأوروبا دون ثقافة أوروبية، هذه الخلاصة تجاوزت في مضمونها كل منظري الحقبة الجديدة لما بعد اليورو. والحقيقة الصادمة : ليس باليورو وحده يمكن أن تعيش أوروبا، فحاجة أوروبا إلى روح بقدر حاجتها إلى "تشكيل اقتصادي" يرى ضرورته في "إصلاحات مالية جذرية".
الواقع الجديد يجب أن يحمل :
فلسفة اقتصادية يؤطرها الألمان، لأن انتقال هذه الفلسفة إلى العمل أثرت في كل أوروبا.
تنظيماً فرنسيا.
روحا انجليزية تعتبر أن خلف هذه الشبكة "ثقافة أوروبية" يجب أن تتحرر من تمركزها "الأنجلو ساكسوني" واللغوي في فرنسا وألمانيا، وأن تنفتح إلى أفق ثقافي لا يجعل التعدد "منافسا حتى الموت" بل قادراً على الحياة في سيرورة من التطور.
الواقع الثقافي ينطلق من مثلث الديغولية في فرنسا والتاتشرية في بريطانيا، وروح هلموت كول في ألمانيا والتي بلغت نهايتها بوحدة ألمانيا، وبعدها لم يعد لهذا المذهب "ثقافة"، كذلك الديغولية التي حاصرتها الوحدة مع ألمانيا، والتاتشرية التي أوقفها "اليورو"، والثقافة لم تخرج عن مثلث آخر : التميز في أنجلترا، الخصوصية في فرنسا، والتفرد في ألمانيا، وكلها تخدم وجهاً واحداً ضد الوحدة الأوروبية، فالعجز في هذه القارة عجز في ثقافة الوحدة وليس في شيء آخر.
الثقافة في حد ذاتها أضحت "جزءا من الاجتماعي" le social الذي احتوى الثقافي le culturel، ففي فرنسا مثلاً نجد إصلاحات حكومة نيكولا ساركوزي تخدم الانتصار إلى ما تدعوه (انتصار الاستثناء الفرنسي)، وكأن هذا الانتصار "مضمون" حسب Serge Reyourd (البروفسور بجامعة تولوز، ومدير مؤسسة الحق في الحيز : الإدارات الترابية والتواصلية Idetcom، ومؤلف كتاب "السياسات الثقافية" : رهانات التعددية الثقافية" الصادر في 2010).
الاستثناء الثقافي في فرنسا لا يستهدف أكثر من تمييز الإبداع الثقافي في البلد عن ليبرالية السلع التي تقودها منظمة التجارة الدولية (OMC).
الاستثناء الثقافي يحتوي الاستثناء الفرنسي إن لم نقل يحتوي فرنسا، لعمل المنظمات المحترفة من أجل تعريف وإعادة تعريف هذا الاحتواء.
حماية الثقافي من خلال "رهانات خاصة" في الحقل الدولي يطرح مباشرة "الإطار الوطني".
هذه المفارقة قد تتجلى في قوة الفعل من داخل الثقافي والتواصلي، وإعادة النظر في السياسات التطبيقية، فتكون الأهداف قائمة على "وضع المسؤولية على ثقافة النتيجة" أي أن النتيجة تصنع مبررها، وفي صناعته نجد الثقافة المصاحبة التي تشكل ثقافة المجتمع.
ضمان الاستعمال لكل "يورو" وتوازن الحسابات العامة جزء لا يتجزأ من هذه الثقافة.
الشيء الرئيس في كل سياسة ثقافية حالياً ليس أهدافها، بل الموازنة المالية لإنجازها ؛ الثقافة مجرد عملية في وزارات الثقافة، لذلك لابد من التحول إلى مجلس للإبداع يكون من مهامه قياس الثقافي على ما هو نفسه، هل يمكن ذلك ؟ وإن لم يكن فلا مستقبل لأوروبا، لأن لا ثقافة يعني لا مستقبل.
وبتعبير Christine Albanel : لابد من مساعدات عامة من أجل الإبداع يمكن أن تدعم الهبة التي يتوقعها الجمهور.
الثقافة في أوروبا إنتاج إبداعي عن مال خيري. لذلك بقي هذا الإنتاج تحت "سقوف مجتمعية محددة، وأكثر محلية  locale وتستجيب للاستثناء الثقافي لكل بلد".
أوروبا ببساطة فشلت في إنتاج ثقافتها (الأوروبية).
برامج إصلاح "الجماعات الترابية" الذي قرره الفرنسيون في 2010، قرأ الأهداف في عمل مجلس دستوري "يحتمل أكثر المخاطر والأخطاء"، لأن فرنسا في هذه الحالة تقمع "قدرتها" وتزيد من "توسيع مصلحتها العمومية" بشكل محلي أكثر.
قدرة فرنسا على الإبداع في مقابل "توسع مصلحي" محلي قرار يشكل صدمة المستقبل. وهذه الوضعية منتقدة لأن رهن الإبداع بالمصلحة كفيل بقتله، على أن "التمويلات الهجينة" : العمل المضاعف، وهدر المورد العمومي، وصعوبة تحديد (من يعمل) أخرجت ما توقعه الفرنسيون في 1983 عن سكته، من هذا التاريخ أصبحت القدرة آخر زاوية يمكن التفكير فيها، وقوانين اللعبة يشكل عملاً على مركزة الإبداع ولامركزة الفعل عند اليساريين، والعكس عند اليمينيين، وفي الإطارين يمكن أن نقرأ المعنى الجديد للثقافة. ثقافة خرجت عن رهان القدرة، ووجدت إدارتها عبر (الخدمة العامة) كرهان في انتخابات معينة.
ضعف مشاركة (الجماعات الترابية) في العمل الثقافي يشكل صورة أخرى من الأزمة، كيف للفرنسيين الذين يخسرون ثلثي (64 %) ميزانيتهم العامة (7 مليار يورو) في "المصاريف الشخصية" أن يمولوا الإبداع ؟!
التجربة الفرنسية فاشلة يزيد منها أن منطلق القرب زاد من الخسائر المالية، ووضع روح الفرد الفرنسي في الهامش.
إذن إفلاس "الدمقرطة الثقافية" وتقدم العقيدة الاستعمالية للمنتوج السياحي والإشهاري كشف على موت "العواصم الثقافية الأوروبية".
ومهما يكن فإن إدارة "المساعدات" المحتملة من الدولة إلى الجماعة المحلية، والجماعة المحلية إلى العمل الثقافي قد يكون مهما.
الأساس الثقافي قادر على "توظيف" المؤسسة وعلى الاستفادة من أموالها، واحتجاجات المثقفين تحمل صورة الوضع على أساس أن يكون الثقافي إبداعياً، وليس الثقافي سياحياً، أو رياضياً كما آلفت عاداتنا ذلك.
المعركة في حكم القدر على إعادة تأسيس خطة ثقافية من خلال الفاعلين، فيكون المراقب الترابي مراقباً ثقافيا. فهل هذا المعنى جديد أم متحول ؟ القادر على إعادة إنتاج "المعنى الثقافي" لا يحمل نظرة إلى الاقتصادي، بل يكون انعكاساً له. فمن جهة، يقرأ الوضع الترابي الثقافي، مما يعطيه محلية يطلق عليها (الاستثناء). ومن جهة أخرى، يقرأ الثقافي نفسه ليس على أساس المادة (الثقافية) بل التدخل لإنجاح مشروع معين أو سياسة معينة.
بالإضافة إلى التقليعات الثقافية التي تعني في جزء منها التحول عن ما هو موجود إلى خيال قادر على إبداع "شكل آخر" أو مضمون آخر، وبين إنتاج إنسانوي وإنتاج محلوي تعيش أوروبا أزمتها الداخلية، لأنها ترغب في أن تكون كونية من خلال ثقافتها، لكنها من خلال اقتصادها فقط عالمية ؟
في 2015 ستكون فرنسا مؤهلة لعمل جهوي (أكثر تقدما) ويطرح مثل هذا (التقدم) سؤال الثقافة هل ستزيد من محليتها، وتصبح إنتاج كل جهة يؤثر على وحدة الثقافة الفرنسية، أم ستكون تحريرا للثقافة الفرنسية ليكون العولمي قادراً على خلق جذوره بما يناسب أوروبا كاملة والعالم ثانيا.
الاستثناء الفرنسي يأتي نتيجة عمل ثلاث مديريات (حالية) كما يقول الوزير : وسائل الإعلام والصناعات الثقافية medias et industries culturelles، ومديرية التراث ومديرية الإبداع الفنيوكلها انعكاس لما تدعوه حكومة ساركوزي (السوسيو سياسي) فكل الثقافي يخضع جبراً لعلم الاجتماع السياسي، وليس للثقافي نفسه أو للإبداع فقط، نظرية الاستثناء تقتل الإبداع بوضعه تحت القدر المجتمعي والسياسة التي تدير البلد، لذلك لا مجال للقول بإبداع كوني للفرنسيين إلا من داخل منظومتهم.
هذا الإفلاس محدِّدٌ لكل السياسات الحالية، من جانب : الصناعة الثقافية (وبالأساس الحقل السمعيالبصري والسينما) كأساس لصناعة أخرى تعني (الاستثناء الفرنسي)، فهل الاستثناء لا مستقبل له في إطار أي ثقافة، أم أن فرنسا تجعل الثقافة في خدمة محافظة الفرنسيين في مقابل محددات أخرى.
الرهانات على الاستثناء الفرنسي سياسة، وإن كان الاستثناء الثقافي هو الواجهة الحية لكل ما يدعى (الاستثناء الفرنسي) ويتساءل في هذا الخضم Serge Regourd هل هذا الاستثناء الفرنسي تراث ؟
القائل بهذه الرؤية يتجه إلى تحرير إحدى مديريات وزارة الثقافة كي تخدم الإبداع الإنساني في فرنسا وليس الإبداع الفرنسي في فرنسا.
شاهده ما سمي المساعدات الجهويةانطلاقا من الجهةلدعم السينما (مقال كلود لولوس ورادو مهيلينو) في جريدة ليبراسيون : 26 فبراير 2010.
والمسألة سياسية حسب الكاتبين، في وسط ما يدعى "العائلة الكبرى للثقافة" La grande famille de la culture بظلالها "غير المعروفة"، حيث السمعي البصري والسينما تشكل الجزء المهم في إدارة المجتمع الفرنسي، وحيث اللامساواة جزء لا يتجزأ من العنف في الحقول غير المحمية وثالثا حيث يتكرر معنى أن نقرأ bankables أي المربح والذي يتحول إلى إعادة إنتاج مالي في مواجهة الاستثناء الثقافي.
هل الثقافة المربحة مناهضة للاستثناء الثقافي لأنها تحدد نوع الجمهور وتُحَذْلِقُ الثقافة التي تناسبه.
هذه المفارقة تعكس ما لدى السلطات العمومية، وكما توقع Levy – Jouyet ثورة اللامادي L'immatériel كتقدم للمستقبل، فإن اقتصاد المعرفة ليس فقط لا ماديا، بل منتجاً عبر المادة، فالاستثناء الثقافي تخلف مصنوع أمام العولمة الليبرالية.
ومن دواعي السرور أن نجد (مشروعاً) في مقابل (المشاريع الترابية) لكن، إدارة الثقافي لا يجب أن يكون بشروط هذا الإبداع. وبالتالي فإن المسألة الثقافية في جزء منها مسألة أمة وليس مسألة حدود، ونظرة تعددية للثقافة وليس نظرة أحادية، وبالقدر نفسه، فالبناء الأوروبي يحمل استثناءات ولا ينتج وحدته (الثقافية). وهذا الفقر الثقافي يجعل أمريكا والصين في مرحلة جديدة من التقدم انطلاقا من وحدة ثقافية تساهم من داخل التعدد في بناء وحدة اتجاه الخارج، ويمكن لكل ما هو خارجي ألا يكون استثناءً في الداخل، كما أن الداخل لا يشكل استثناءً وفي موت نظرية الاستثناء الثقافي يكون العالم قد صنع استثناءه الحقيقي أمام تاريخه الدموي، وتطوره نحو المزيد من إنسانيته.


عدد 19 ل 11/3/11 كل الحقوق محفوظة لجريدة ماوراء الحدث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق