عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الأحد، 27 مارس 2011

إمارة المؤمنين في المغرب إمامة صغرى وليست ولاية ولا قداسة ؟


كيف يمكن أن نبني دستورا حداثيا ونطالب بإمارة المؤمنين ؟ وهل يمكن تقسيم السلطات وتوارثها في ظل ولاية عظمى ؟
الواقع أن مصالحة إمارة المؤمنين والدستور تستحضر :
أن يكون للملك مذهبه الديني، ومنه يتلقى خصوصيته وفصل السياسة والدين في المجتمع هو ما يجمع الدولة والدين في شخص محمد السادس، فكما أن الأمير ليس ملكا، ولا الملك أميراً، (أي عمر بن الخطاب لم يكن ملكاً وهو أمير المؤمنين) فإن محمد السادس بهذه الصيغة أمير وملك، والإمارة أقل من الملكية والمُلْكُ يَغْلُبُ الإمارة، والتصور المغربي يجمعهما، لأنه جمع الإيمان إلى الحكم شرطاً قاطعاً يسقط أحدهما بسقوط الآخر، على الأقل من الناحية النظرية فتكون إمارة المؤمنين (ولاية كبرى أو عظمى) لا يتحدَّدُ بها الحكم، فالرمزي يغلب الإطار أو الرابط الشكلي يتجاوز كل مضمون.
الولاية الإيمانية غير ولاية الحكم في بيت الرسول ومعظم مذهب آل البيت لا يؤمن بولاية الفقيه، فكيف بغيره، فهل إمارة المؤمنين إمامة أم ولاية ؟ كل التجارب الدستورية تجعل إمارة المؤمنين المغربية إمامة وليست ولاية إن عملت على "فصل السلطات وتوازنها وعلى دستور عصري" واستفادت من تراث البيت الشريف.
اعتبار إمارة المؤمنين إمامة وليست ولاية يتخطى الإشكال الديني السني والشيعي، لأن محمد السادس من الآل المتسنِّن. ويتخطى الإشكال النظري ما بين الإمامة والولاية من اتصال وانفصال في التاريخ والجغرافيا الإسلامية.
تحديد إمارة المؤمنين أنها إمامية يجعلها حافظة للدين ومؤسساته، وعلى التحكيم بين مَنِ اختلف.
إذن تسهل دسترة إمارة المؤمنين كإمامة، إذا تقرر الدستور الحديث وحكم الشعب لنفسه من خلال حكومته، لأنه يصعب في حالة الولاية أن تنتخب حكومة إلا إن فوض الملك صلاحياته لهذه الحكومة، وهو ما يحدث حالياً، والاستغناء عن دسترة إمارة المؤمنين طرح يساعد في تجاوز المحافظة، والاتجاه بعيداً في وضع الدين في مكانه، حيث لاحظنا خدمة إمارة المؤمنين لمعركة التحديث في مدونة الأسرة، واستعان اليسار بهذه الآلية لمحاصرة الإسلاميين، حيث كان أمير المؤمنين في تقنين هذه المدونة إماماً، في عمله وتغليبه لرأي على آخر تدقيقا، وتفصيلا وتصويتا في البرلمان، ولو كان واليا بولايته لأصدر قانوناً في الموضوع يسري بظهير، والقول بالظهير الشريف هو قول قديم، فقهي يقول بظهير الإمام أي مثيله أو من ينوب عنه.
وفي أنجلترة كان من الضروري التأكيد على الكنيسة الخاصة قبل فصلها عن الدولة، والشأن نفسه مع المغرب حيث لملكيته مذهب فقهي واحد قبل أن يفصل دستوره بين السلطات، والأكيد أن كل مذهب في الأصل هو (أصولية) وقد حددها الفكر الأنجلوساكسوني (وجعلها أصولية بروتستانية وأخرى كاثوليكيةوأصولية أخرى تدعو إلى فصل الكنيسة عن الدولة).
دسترة إمارة المؤمنين تعني الدولة وليس السياسة قطعا، فالرابط إن سما إلى القاعدة التأسيسية جعل التحكيم أصلا، فالإمارة الإمامية (أصولية) والإمارة الولائية (أصولية أخرى) والإمارة الإيمانية لا تعمل على مذهب ولا على طريقة وتعمل على حكم لا يكون وراثياً في الغالب، وعمر بن عبد العزيز قرأ الإمارة توبة عن الحكم، وأعيدت بيعته على هذا الأساس فهل مع الدستور الجديد يجب أن تتجدد البيعة ؟
الأساس القانوني يفرض ذلك، على اعتبار الإمارة إمامة.
الإنجليز في دراستهم الأكاديمية يعترفون بتضارب الأسس في نقط منها الدين والدولة، والمحافظة والدين تحت عنوان دقيق the clash of principles، فالقراءة التأسيسية أو الدستورية تحمل في الجوهر، محاولة المرء الجمع بين مذاهب ليكون متميزا ويكون عاديا في الجمع بين تاريخه وعصره.
إمارة المؤمنين هي الرابط بين القيمة التاريخية والعصر، ويريد الكثير منا دسترتها إلى جانب الديمقراطية، فالأولى أن تكون هذه الإمارة قيمة تاريخية والديمقراطية قيمة ثقافية وبين التاريخي والثقافي نجد لحظة القيم، أي أن دسترة إمارة المؤمنين هي اعتراف ثقافي وإن تجاوز هذا المعنى (الإمامي) إلى الحكم انتهى إلى صعوبات أخرى في إعادة استنبات الحرية في هذه البلاد، فإمارة المؤمنين تحكيمية، حيث يحتكم الجميع إلى إمامهم الأعظم.
وفي غير هذا التفسير نكون أمام تفويض دائم من الملك إلى حكومته بأن تكون على ما قرره في خطاب 9 مارس 2011.
بين إمارة التفويض، والإمارة الإمامية، نقرأ معارضة بعض الأطراف لدسترة إمارة المؤمنين.
والتحديث خطوات ل ظهور (أمة) جديدة، فهل يقتنع المغربي بميلاد هذه الأمة، وأن يكون الملك بصلاحيات تعمل على مهام التحديث التي تبدأ :
1 – من مأسسة الإدارة الترابية عبر الوحدة الوطنية المرتبطة بالملكية أو العرش، وحدث هذا منذ الإدارة الترابية لثالوث الحسن الثاني والبصري وتحالف النخبة بعد اندلاع مشكل الصحراء (الغربية).
2 – التقدم الاقتصادي والوحدة عبر وسائل الاتصال والنقل والتواصل عبر البورجوازية (الأوراش الكبرى).
3 – المزيد من التمدين وإن فشلت التنمية في التصنيع
ورابعا، الدمقرطة كضرورة استراتيجية لإنتاج مؤسسات منتخبة.
ولن تشارك الجماهير حقيقة إلا إن أتمت الدولة هذه الخطوات، وعادت إمارة المؤمنين إلى التاريخ والرمزية.
التحديث لا يكون عادة إلا بالعنف والدم modernization did not always proceed without violence and bloodshed بتعبير P.H. Merkel، وعندما نكون في التحديث modernizing يكون تعاون الملك والطبقة الوسطى والعناصر العسكرية كاملا لإدارة التحول من ملكية مطلقة إلى ملكية ممركزة centralized monarchy، وفي المغرب نتحول من ملكية مطلقة إلى ملكية ممركزة، فكيف يمكن أن نعلن إمارة المؤمنين في ظل الملكية المركزية، حيث المركز "إماماً" في الدين، وفي الملكية مطلقة الملك مركز في الدولة (أي إمام) إن قرأنا great lord بهذا المفهوم الإنجليزي والمتطابق مع تراث آل البيت والسنة التي جعلت الرسول إماماً ولم تجعله ملكاً بالمطلق.
الإمامة مناقضة للملكية في عهد الرسول لكنها أبدعت الوراثة عن الحسن والحسين، كما عند يزيد في الأمويين لإنجاح مهمة الإمارة أو الإمامة، وفي كليهما تجاوز لمنطق الشورى.
الرسول، لم يكن يوما ملكا، فإمامته تحكيمية، وليست حُكمية ولا تحكمية، ومحمد السادس في هذه الحالة ليس أمير المؤمنين المسلمين فقط بل اليهود والمغاربة المسيحيين، وقل من آمن بالله، على أن دسترة هذا المطلب، يقوم على أساس أن الملك باختصاصات وأمير المؤمنين باختصاصات أخرى، فهل نؤمن بفصل الملك عن أمير المؤمنين.
مطابقة الملك لأمير المؤمنين في بعدها الإيماني ينحو نحو الملكية البرلمانية وفي بعدها الملكي يتجه نحو الملكية المطلقة. وتبعية أمير المؤمنين للملك يزيد من تكريس الملكية الحالية.
والحل ألا يكون لإمارة المؤمنين بند مستقل بالدستور، وأن تكون صفة للملك فقط، ولا تدخل في بند التعريف "الدستوري" به أو بمهمته مع حذف ما يترتب عن القداسة في الدستور، فيكون الاحترام الواجب له قائما على فصل السلطات وتحمل الحكومة لكل السلطة الفعلية.
إمارة المؤمنين توحد الأمة إن الملكية توحد الدولة، ومقامها يعزز السيادة التي لا تحكم، من الصحراء (الغربية) في مبادرة الحكم الذاتي والجهات وإلى المركز، فالأساس في التقدم اعتبار سلطة الملك محدودة ومحددة Limited authority وإمارة المؤمنين مطلقة، فإن اعتمدتها الجهة الدستورية جعلت كل مطلق "رمزيا".
فيكون الفصل التاسع عشر : الملك الممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وهو أمير المؤمنين وحامي حمى الدين في إطار احترام الدستور الحافظ لحقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات والضامن لاستقلال المملكة في حدودها الحقة.
وربما يكون الجهاد الديمقراطي للمغاربة، قبل أن يسود الملك ولا يحكم، أن يسود أمير المؤمنين ولا يحكم، فلا يقبل منطق دستوري أن يكون "أمير المؤمنين" ظلا للملكية المطلقة في الدستور الجديد، وأن نرى مقام أمير المؤمنين يضيف درجة إلى حكم الملك.
الانتقال من ملكية مطلقة إلى ملكية ممركزة لا يكفي كعلاج في السنوات القادمة، وتنظيم عمل الملك وتحديد مهمات أمير المؤمنين الرمزية بلا موازنة حل لمنطق التقدم، وحماية الملكية ؛ فالانتقال إلى الفيدرالية (ولو في مستواها الأدنى) يعطي للملك أهمية خاصة وللعرش أجندة الوحدة والسهر عليها، وأرى أن تكون الوحدة "موضوعاً دستورياً" وExecutive policy making صناعة السياسة التنفيذية تكون للحكومة وسياسة أخرى (استراتيجية) للملك تحفظ "البدائل". الديمقراطية لا تكون ضد نفسها ؛ وعلى إمارة المومنين أن تكون "المذهب الخاص والتعدد الذي يمنح للمغاربة حرية المعتقد"، وبينهما يصعب مجدداً أن يكون "ِربط ديني لفصل السلطات" إلا في حال اعتبار الدولة مدنية.
بعض أهل المغرب يرغبون (من ضمنهم بعض الإسلاميين) في اعتبار دولتهم دولة مدنية وبقيادة دينية ؟ والأصل أن تكون الدولة مدنية بقيادة مدنية خالصة. والجمع صعب بين نظام يقول بإمارة المؤمنين ودولة مدنية.
إمارة المؤمنين ستفيد وحدة الوطن من وحدة دينه، دون أن يكون لها أثر على الحكم، وحيث أن الدين الرسمي الإسلام، ومصدر التشريع الرئيس الإسلام وإمارة المؤمنين هي الإسلام، فإن الدولة الدينية ظل الدولة المغربية، والأصل أن يتم تحديدها صفة في النظام لا في الدولة، وصفة في الملك لا في الملكية، وفي بند دستوري غير مستقل ولا يخرج عن روحه، فإمارة المؤمنين لا يجب أن تكتب الدستور بل أن تكون دسترتها للحد من سلطاتها المحتملة.
الحد من سلطات الملك يعني "تحديد سلطات محتملة "لأمير المؤمنين"، والمعلوم أن ظل النظام المدني إن ديني أو عنصري أو جهوي خطر على التعايش والديمقراطية والحرية، فالدستور المختلط mixed constitution عرفه الإنسان في 122 قبل الميلاد، ولا يمكن أن تكررفي بلدنا.
إمارة المؤمنين تساهم في أن تبقى الملكية خالصة pure monarchy، وليس في أن تبقى الملكية مطلقة، وهذا الدور يحمل معنى في الحفاظ على رمز الملك وكرامته وحق الفيتو في الجيب (كما قلت في مقال سابق). لذلك على لجنة المنوني :
ألا تتجه إلى "المقاربة الاستعمالية أو الأداتية instrumentalist approach في كتابة الدستور وإلا صاغت ما ورد في خطاب 9 مارس في نص دستور 1996.
ألا تعتبر دستور 2011 مراجعا، بل دستورا للأمة والملك.
ألا تكون إمارة المؤمنين "تنفيذية" أو مقدسة
ألا تكون كل التقاليد دستورية المغربية (حسنية مائة بالمائة)، منسوبة إلى الحسن الثاني.
أن معايير الصياغة يجب أن تكون مفتوحة على غير النص الفرنسي.
أن إمارة المؤمنين لا تعني بأي حال التقديس، لأن هذا الاصطلاح غير ديني ولا شرعي ولا فقهي، فالقداسة فيما يكون بشرا يجوز في يسوع عند المسيحيين، ولا يجوز قطعا عند المسلمين، وإبقاء هذا المعنى الغريب مؤثر على الملك قبل غيره، وهذا لا يخدمه أولا ولا يخدم شعبه أخيراً.
ماوراء الحدث عدد 20 ص 20 ل 18/3/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق