عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

عندما سيحكم الفصل‮ ‬19العسكر فقط‮ ‬ هل‮ ‬يمكـــن دسترة علاقــــة الملــــك و الجـــيش؟‮


هل الصفقة كبيرة وخطيرة وتاريخية بين الأحزاب والملك‮ : ‬للأحزاب رئاسة الحكومة،‮ ‬وللملك رئاسة الجيش‮. ‬لتكون علاقة الجيش والملك‮ "‬علاقة بيعة‮" ‬وليست‮ "‬علاقة دستورية‮"‬،‮ ‬يجد فيها الفصل‮ ‬19 مكانه تماما‮.‬

اقبار وزارة الدفاع إلى الأبد في‮ ‬مقابل مؤسسة‮ "‬رئيس الحكومة‮" ‬
اقتراحات الأحزاب أقبرت وزارة الدفاع في‮ ‬مقابل دسترة مؤسسة‮ "‬رئيس الحكومة‮"‬،‮ ‬حيث لم تؤكد المقترحات على أي‮ ‬سلطة‮ (‬حقيقية‮) ‬للحكومة على الأمن،‮ ‬إلا بما‮ ‬يفيد بقاء الجيش تحت سلطات الملك،‮ ‬وباقي‮ ‬الأجهزة تخضع لمساطر‮ (‬الإنصاف والمصالحة‮).‬
هذا التقسيم سيكون له ما بعده،‮ ‬فدستور‮ ‬1996 سكت على سلطات ضمنية للملك‮ ‬يتم توضيحها ودسترتها حاليا‮. ‬الصفقة بين الأحزاب والملك تدفع إلى عزل دستوري‮ ‬كامل بين الأحزاب والجيش،‮ ‬من جهة،‮ ‬وتكرس لدور ملكي‮ ‬مطلق في‮ ‬حالة الاستثناء‮. ‬فالتحكيم الملكي‮ ‬يأتي‮ ‬عبر الجيش قبل أن‮ ‬يأت من قناة أخرى‮.‬
الملك لن‮ ‬يكون له حزب،‮ ‬وسيكون له الجيش‮. ‬خلاصة‮ ‬يساهم في‮ ‬الوصول إليها درس الهمة بحزبه الأصالة والمعاصرة،‮ ‬وقد اجتاح‮ ‬ في‮ ‬وقت من الأوقات‮ ‬ الساحة السياسية قبل أن تدفعه الثورة العربية إلى التراجع‮. ‬والواقع أن الجيش في‮ ‬مصر وتونس كسر‮ "‬حزب الرئيس‮"‬،‮ ‬وبحرب ناعمة كسرت المعادلة‮ "‬حزب الملك‮"‬،‮ ‬وقدمت الجيش للملك بشكل نهائي،‮ ‬لنرى التساؤل واضحا،‮ ‬هل الجيش جيش مغربي‮ ‬أم قوات ملكية فقط ؟
الواقع أن الأحزاب وضعت الجيش في‮ ‬يد الملك في‮ ‬مقابل طلبها من الملك رئاسة الحكومة‮.‬
إن مجرد وجود مثل هذه الصفقة‮ ‬يؤهل لملكية برلمانية تضع قرار الحرب والسلم في‮ ‬يد الملك،‮ ‬ولا‮ ‬يعني‮ ‬بأي‮ ‬حال أي‮ ‬تحول جذري‮ ‬في‮ ‬معادلة القوة،‮ ‬مما‮ ‬يؤهل الملك أن‮ ‬يسود ويحكم في‮ ‬كل الأحوال المتوقعة في‮ ‬المملكة،‮ ‬لأن الصفقة الرئيسة لميزان القوى،‮ ‬وهو إلى جانب القصر‮.‬
تسليم قيادة الجيش للملك بمثابة‮ ‬unfinished nationhood ‮ ‬يكون فيها محمد السادس‮ "‬قائدا حقيقيا ومطلقا للأمة بدون الفصل‮ ‬19 أو معه،‮ ‬لأن الجيش أصلا مرتبط حاليا بعقد البيعة،‮ ‬بمعنى أن الفصل‮ ‬19 سيحكم علاقة الجيش والملك مع وفاة الحسن الثاني،‮ ‬بعد أن دخل إلى البرتوكول‮ ‬ لأول مرة‮ ‬ جنرالات بايعوا الملك إلى جانب المدنيين في‮ ‬1999.

هل سيحكم الفصل‮ ‬19 الجيش فقط ؟‮ ‬
السلطات الضمنية للملك والتي‮ ‬حكمت بعض مفاصل الحياة السياسية وعلاقة الملك والأحزاب منذ الثمانينات تحت مسمى‮ (‬إمارة المؤمنين‮) ‬ستنقل كاملة إلى علاقة الملك والجيش،‮ ‬بعد الدسترة الشاملة لعلاقات الملك والحكومة‮.‬
وضع‮ ‬يوجه الفصل‮ ‬19 إلى الجيش فقط،‮ ‬ولهذا تحافظ كل الأحزاب على ذكره في‮ ‬الدستور الجديد،‮ ‬لإتمام هذه الصفقة التي‮ ‬أشر عليها خطاب‮ ‬9 مارس عندما دعا إلى دسترة توصيات الإنصاف والمصالحة،‮ ‬ووضع فاصلا واضحا بين الجيش والحكومة المدنية المنتخبة،‮ ‬ويعمل على تكريس الجيش حقلا محفوظا للملك‮.‬
الأحزاب أدركت ذلك وسلمت الملك ما‮ ‬يريده بعد خطاب‮ ‬9 مارس،‮ ‬ليحكم الفصل‮ ‬19 الجيش وحده في‮ ‬المستقبل القريب دون دعوة إلى دسترة علاقاته معه‮.‬
الجيش المغربي‮ ‬يجب أن‮ ‬يحمي‮ ‬الدستور الجديد الشعبي‮ ‬والديمقراطي،‮ ‬لأنها مؤسسة تحمي‮ ‬المؤسسات والأمن القومي‮ ‬للمملكة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬نجد أن سمو الدستور‮ ‬يحمي‮ ‬كل الأطراف ويحمي‮ ‬الملك نفسه من أي‮ ‬دعوة لإسقاطه‮.‬
الديمقراطية تحمي‮ ‬الملك والديمقراطية معا في‮ ‬معادلة لم تستقر بعد في‮ ‬المغرب،‮ ‬وأي‮ ‬فشل في‮ ‬الوصول إلى هذا الهدف سيؤثر على المستقبل،‮ ‬لأن حكم المغرب بالسلطات الضمنية لطرف معين لا‮ ‬يخدم بأي‮ ‬حال سمو الدستور وحماية المؤسسات‮.‬
إن سمو الدستور على الملك‮ ‬يجعل سمو الملكية على‮ ‬غيرها دائما،‮ ‬والجيش في‮ ‬هذه الحالة‮ ‬يكون وطنيا‮ ‬يحمي‮ ‬الملك،‮ ‬وليس ملكيا بالاسم قد‮ ‬ينقلب على العرش كما حدث مع تجارب أوفقير وقبله‮.‬
إن قراءة متأنية لصيغة الفصل‮ ‬19 في‮ ‬الدستور الحالي‮ (‬الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها‮) ‬ثم‮ ‬ينتقل إلى هوية أخرى‮ (‬هو حامي‮ ‬حمى الدين والساهر على احترام الدستور‮...) ‬وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة‮.. ‬تعني‮ ‬في‮ ‬مجملها أن الفصل صنع على أساس‮ ‬غير رمزي‮ ‬ويرتبط بوحدة الوطن واستمرار الدولة واستقلال البلاد وحوزة المملكة،‮ ‬وهذا البعد عسكري‮ ‬في‮ ‬كل‮ "‬هويات‮" ‬الملك المتعددة والمذكورة‮ (‬بنفس الفصل‮).‬
التمييز الذي‮ ‬أحدثه منظرو الاتحاد الاشتراكي‮ ‬بين أمير المؤمنين والملك والدستور،‮ ‬يوازيه تمييز آخر بين أمير المؤمنين والقائد الأعلى للقوات المسلحة،‮ ‬ينتهي‮ ‬في‮ ‬اقتراحات الأحزاب بمطابقة‮ "‬كاملة‮" ‬ بين الأمير الديني‮ ‬والقائد العسكري‮ - ‬ستتعمق كلما تقرر بناء‮ (‬حكومة دستورية‮) ‬في‮ ‬المغرب‮.‬
التمييز الثالث بين الملك،‮ ‬والمشرف الوحيد على الحقل الديني‮ ‬وأخيرا التمييز الرابع بين الملك والمشرف على الحقل القضائي‮.‬
إن مربع الملك كقائد أعلى للحقل الديني‮ ‬والحقل القضائي‮ (‬الحقوقي‮ ‬في‮ ‬حال تقدم مطالب الحرية‮) ‬والحقل العسكري‮ ‬والحكومي‮ ‬قد‮ ‬ينتهي‮ ‬بتسليم الحقل الأخير‮ (‬الحكومي‮) ‬إلى الشعب واستمرار إدارة توازن الحقل الديني‮ ‬والقضائي‮/‬الحقوقي‮ ‬بين‮ ‬يدي‮ ‬محمد السادس،‮ ‬على أن الإجماع الواضح حول الملك في‮ ‬إدارته للجيش‮.‬
اليسار‮ ‬يرغب في‮ ‬إدارة الملك للحقل الديني‮ ‬مائة بالمائة،‮ ‬وبعض الإسلاميين‮ ‬يدعمون عدم تسليمه إدارة أمور الدين كاملة،‮ ‬ورغبة الجميع في‮ ‬الوصول إلى اقتسام للسلطة مع الملك مع تسليم الجالس على العرش إدارة كاملة على الجيش‮.‬
صقور الملكية البرلمانية في‮ ‬المغرب لا‮ ‬يناقشون إدارة الملك للجيش،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬أن قرار السلم والحرب في‮ ‬يد الملك وبالتالي‮ ‬فإن أي‮ ‬ملكية برلمانية في‮ ‬المملكة لن تشبه‮ ‬غيرها،‮ ‬وتعمل على‮ "‬بقاء الملك بصلاحيات استراتيجية كبيرة‮" ‬أمام حكومته‮. ‬دستور‮ ‬1962 نص على الفصل‮ ‬19 وبقي‮ ‬دون تعديل إلا في‮ ‬جزئية أن الملك في‮ ‬الديباجة الأولى‮ (‬رمز وحدة الأمة‮)‬،‮ ‬وفي‮ ‬ديباجة‮ ‬1996 (الممثل الأعلى للأمة ورمز وحدتها‮) ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬أن الملك هو الممثل الأول للدولة والأمة معا،‮ ‬وهذا التقدير‮ ‬يجعل الملك القائد العسكري‮ ‬الأول ليس فقط من حيث التراتبية الهرمية في‮ ‬الجيش لاعتباره قائداً‮ ‬أوَّلَ‮ ‬له،‮ ‬بل لأنه ممثل أعلى للأمة‮ ‬يمثلها على رأس كل مؤسسة وطنية‮.‬
وفي‮ ‬هذه الحالة‮ ‬يكون له حق رئاسة الحكومة وحده‮. ‬

‮ ‬لابد من جيش دستوري‮ ‬لحكومة دستورية‮... ‬ومزالق خطيرة تنتظر الجميع
إن عدم وجود أي‮ ‬علاقات مباشرة على الإطلاق بين حكومة دستورية والجيش،‮ ‬وعدم دسترة علاقات الجيش مع‮ ‬غيره‮ ‬يضع القوات الملكية المسلحة بقيادتها الملكية على هامش المؤسسات،‮ ‬فهل هذه القوات مؤسسة‮ ‬Establishment
إن كل حكومة دستورية تنبني‮ ‬قبل كل شيء على الرغبة في‮ ‬الاستقرار‮ ‬ Desire of stability في‮ ‬مقابل رغبة الحرية التي‮ ‬يبديها الشعب‮. ‬اليوم لابد من دستور جديد‮ ‬يدستر كل العلاقات ويمؤسس الجيش إن تمأسست رئاسة الحكومة ليكون الدستور طبيعيا‮. ‬ويكون بموجبه توازن السلطات كاملا،‮ ‬وقيادة الملك للجيش ليست إدارية‮ (‬كما في‮ ‬الفصل‮ ‬30) بل قيادته دستورية‮.‬
الفصل‮ ‬30 يجعل من قيادة الملك الإدارية للقوات منصوص عليها دستورا‮. ‬وتعزيز الوضع بما‮ ‬يفيد أن الجيش‮ ‬يدافع عن الدستور باسمه واسم قيادته‮ ‬يفيد‮ "‬المزيد من السلامة الوطنية‮".‬
وبالتالي،‮ ‬فإن توسيع وتعزيز الفصل‮ ‬30 بما‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تقليص الفصل‮ ‬19 سيساهم في‮ ‬وضع آخر لدسترة أوضاع الجيش بما‮ ‬يفيد الاستقرار‮. ‬ونضرب مثالا‮ : ‬هل اقتراح الملك لمبادرة الحكم الذاتي‮ ‬أتت من الفصل‮ ‬19 وهل تعديل الفصل‮ ‬يلغي‮ ‬إتمام الحل في‮ ‬الصحراء‮ (‬الغربية‮) ‬أم أن الاقتراح أتى من الفصل‮ ‬ 30 لاعتبار الملك قائدا للقوات المسلحة الملكية،‮ ‬وفي‮ ‬هذه الحالة لا‮ ‬يمكن لصياغة الفصل الحالي‮ ‬أن تعتبر المبادرة‮ "‬دستورية‮"‬،‮ ‬ولذلك على المعدلين للدستور أن‮ ‬يوسعوا من الفصل الثلاثين في‮ ‬حال التضييق في‮ ‬الفصل‮ ‬19 كي‮ ‬تكون مبادرة الملك في‮ ‬الحرب والسلم‮ "‬دستورية‮".‬
أولا،‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعين الملك في‮ ‬الوظائف المدنية والعسكرية وأن‮ ‬يفوض هذا الحق لكن هذا الحق ليس محصورا،‮ ‬وليس خاصا بما ذكر،‮ ‬بل‮ ‬يفوض للتفاوض والتسويات في‮ ‬حال السلم،‮ ‬والحرب،‮ ‬وهذا الأمر‮ ‬غير منصوص عليه،‮ ‬بل تقديره في‮ ‬الفصل‮ ‬19 لاعتبار الملك ممثلا أعلى للأمة‮.‬
ثانيا،‮ ‬أن الذهاب بعيدا في‮ ‬عدم الوضوح في‮ ‬البنود الأمنية والعلاقة مع الجيش سببت في‮ ‬توسيع‮ "‬السلطات التقديرية‮" ‬للملك التي‮ ‬مست العمل الحكومي،‮ ‬وما دام خطاب‮ ‬9 مارس قد فتح النقاش حول دسترة توصيات الإنصاف والمصالحة،‮ ‬فإن الجيش كفاعل ضمن هذا الترتيب‮.‬
والوصول إلى دسترة علاقات الملك والأجهزة الأمنية‮ (‬بما فيها الجيش لتدخله في‮ ‬ملفات تازمامارت وغيرها‮) ‬ووضع الحكومة الدستورية سيزيدان من دسترة كل العلاقات والمؤسسات الأمنية‮.‬

‮ ‬الدستور المكتوب لكل السلطات التقديرية هو الثورة الدستورية الحقيقية
إن طبيعة الدستور المكتوبة حاجبة لكل سلطة تقديرية ترى نفسها عليا أو أسمى،‮ ‬فالمعاصرون‮ ‬يعتبرون الدستور المكتوب ضمانة الضمانات لأنه‮ ‬يوضح بشكل مكشوف كل العلاقات بين المؤسسات الحاكمة‮.‬
Written constitution ضمانة حقيقية ليكون الدستور شعبيا،‮ ‬ومن الأمة،‮ ‬فالأمة تسود إن كتبت دستورها‮. ‬والغموض والسلطات التقديرية أو الرمزية في‮ ‬صالح الحاكم مهما‮ ‬يكن‮.‬
اختيار المغرب الانتقال من دستور سياسي‮ ‬political constitution إلى دستور مكتوب هو الثورة الدستورية،‮ ‬فإما أن‮ ‬يكون الدستور محددا لكل العلاقات بين مؤسسات الأمن والإدارة والمنتخبين والرمزيين أو أن التقليد الدستوري‮ ‬سيكون دستور الحسن الثاني‮ ‬الذي‮ ‬عمل على تنصيص السلطة‮ ‬غير المشروطة‮ ‬unconditional authority بما تحمله من العامل الضمني‮ ‬والتقديري‮ ‬قبل ترسيم كل السلطات من أجل توازنها على أساس الفصل لا الجمع‮.‬
الواقع المغربي‮ ‬كشف أن الملك والبرلمان هما مصدرا السلطة ومؤسسة الوزير الأول في‮ ‬نقلها من الترسيم الملكي‮ ‬إلى البرلماني‮ ‬بعد طفرة‮ ‬يجب أن تكون مقعدة‮ ‬basic.
هذا الانتقال في‮ ‬كل العالم العربي‮ ‬لم‮ ‬يطرح سؤال علاقة الجيش بالرئاسة في‮ ‬مصر أو في‮ ‬تونس،‮ ‬الشأن نفسه في‮ ‬المغرب،‮ ‬حيث‮ ‬يناقش الجميع‮ "‬التقنين الدستوري‮ ‬لرئاسة الحكومة‮" ‬عوض الدسترة‮ ‬constitutionalizing    والفارق بين الدسترة والمأسسة بعيد،‮ ‬فهل وصلنا إلى المأسسة الكاملة قبل الدسترة،‮ ‬أي‮ ‬اعتبار الملك مؤسسة والجيش مؤسسة في‮ ‬نفس سياق الاعتراف بالسلطات الثلاث وفصلها لتتوازن‮.‬
إن لجوء الجيش إلى الدستور لحماية الملك‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون بمسطرة أو مسار قانوني‮. ‬وكذلك الحفاظ على إنتاج حكومة دستورية من الشعب،‮ ‬وبهذين المعطيين،‮ ‬ومن داخل المحافظة عليهما‮ ‬يمكن الإقرار بأن الجيش تحت قيادة دستورية للملك من حيث تحول كل العلاقات بين المؤسسات إلى علاقات دستورية ؛ مثل هذا الوضع سيساهم في‮ ‬تعزيز الاستقرار والحرية وبناء الديمقراطية من قواعد قانونية‮.‬
الدستور أب القانون،‮ ‬وتدقيقه‮ ‬يساهم في‮ ‬صناعة المرحلة،‮ ‬فهل‮ ‬يتجه المغرب إلى دستور للتاريخ أم لمرحلة ؟
انتقال الدستور من دسترة الوصايا الملكية في‮ ‬9 مارس إلى دستور أمة‮ ‬يخدم المملكة لمراحل هو ما‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون رهان الشعب،‮ ‬لأن هذا الورش إن فتح كل عشر سنوات‮ ‬يعني‮ ‬أن الدولة‮ "‬غير مستقرة‮"‬،‮ ‬وهذا لا‮ ‬يخدم أحداً‮. ‬كما أن بناء دستور تاريخي‮ ‬هو الطريق الواضح لإنجاح علاقات لا‮ ‬يحكم بينها سوى الدستور‮. ‬يرجع إليه الملك والشعب ويكون سموه‮ "‬سموا‮ ‬غير قابل للاختراق‮".‬
مؤسسة القيادة العليا للقوات المسلحة دستورية بحكم الفصل‮ ‬ 30لكن الفصل‮ ‬19 وحده‮ ‬يكفل ما للملك من سلطات‮ "‬ضمنية‮" ‬في‮ ‬حال وقوع ما‮ ‬يستوجب تدخله كما‮ ‬يوضح الفصل‮ ‬35.
وفي‮ ‬هذا الإطار نجد أن الاتحاد الاشتراكي‮ ‬في‮ ‬صيغته التي‮ ‬يقترحها للفصل‮ ‬19يعتبر الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى،‮ ‬ورمز وحدتها،‮ ‬وضامن دوامها واستمرارها واستقلالها في‮ ‬دائرة حدودها الحقة،‮ ‬والساهر على احترام الدستور،‮ ‬والضامن عبر تحكيمه للسير العادي‮ ‬للمؤسسات وللخيار الديمقراطي‮ ‬ولصيانة حقوق وحريات المواطين والجماعات والهيئات،‮ ‬وهو أمير المؤمنين بصفته حامي‮ ‬حمى الدين‮) ‬عاملة على إعلان الملك للحرب والسلم دون إمارة المؤمنين،‮ ‬ودون تمثيل للأمة‮. ‬لأن الملك ممثل أسمى للدولة وليس للأمة ويستدعي‮ ‬الوضع تعديلا ما للفصل الثلاثين والخامس والثلاثين،‮ ‬بإضافة تقول بعد الأصل‮ : ‬الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية وممثل الأمة في‮ ‬الحرب والسلم،‮ ‬وقد وضع الفصل الخامس والثلاثون حاجزا أمام الملك لا‮ ‬يمس بموجبه البرلمان تحت أي‮ ‬ظرف بما‮ ‬يعني‮ ‬توازن السلطات ودفاعها عن الديمقراطية في‮ ‬حال تكرار ما حدث مع أوفقير‮.‬
على أن المستتر إن ظهر تقديره على ظاهر دستوري‮ ‬مبين،‮ ‬يكفل للجميع تدقيقات واجبة،‮ ‬تدفع بجرأة إلى‮ :‬
‮- ‬دسترة علاقة الجيش والملك بمواد واضحة‮.‬
‮- ‬الذهاب إلى ترتيبات بدورها واضحة تهيكل مواد الدستور على أساس تقليص الملك من سلطاته المدنية في‮ ‬مقابل تعزيز سلطاته العسكرية،‮ ‬واعتبارها مقدسة،‮ ‬من خلال فصل علاقات السلط وتوازن بعضها ببعض في‮ ‬الباب الخامس من الدستور‮.‬
وفي‮ ‬اقتراح حزب الاستقلال نجد صعوبة أخرى إذ أبقى الفصل‮ ‬19 بدون تعديل في‮ ‬الصياغة،‮ ‬ودعا إلى اعتبار التشريع بالقانون من صلاحية البرلمان وحده،‮ ‬مما‮ ‬يجعل علاقة الجيش والملك بظهائر،‮ ‬ويكون التقسيم واضحا بين سلطات الملك المختلفة‮. ‬فالقول بتوازن السلطات لا‮ ‬يعني‮ ‬أكثر من توازن لتدخل الملك في‮ ‬المؤسسات،‮ ‬وحصانة المنتخب منها بما‮ ‬يفيد أن تكون مشرِّعة في‮ ‬كل المجال المدني،‮ ‬وهذا لا علاقة له بالسيادة،‮ ‬لأن حال إقرارها له وحده ستشمل الجيش وكل المؤسسات‮. ‬والمغاربة في‮ ‬البحث الشرس عن حماية ملكيتهم‮ ‬يقودون إصلاحاتهم بشكل حذر كي‮ ‬لا‮ ‬يمسوا قيادة الملك المطلقة للجيش‮.‬
وعليه،‮ ‬نجد الأحزاب تطرح أوراق سياسية أكثر منها دستورية في‮ ‬تحديد علاقات الحكومة والقصر‮. ‬وهو الشغل الشاغل للإصلاح‮.‬

مبدأ سمو الدستور قد‮ ‬يدفع إلى دسترة علاقات الجيش وقيادته
تأكيد الجميع أن الإصلاحات لا‮ ‬تمس باختصاصات الملك رسالة إلى عدم رغبة الأحزاب في‮ ‬طرح علاقة الملك والجيش في‮ ‬بنود دستورية،‮ ‬لأن المهم هو سيادة ودسترة ودمقرطة العمل الحكومي‮ ‬عبر الانتخاب الحر الممثل للشعب‮.‬
الملك استفاد قبل‮ "‬موت أحزاب الكتلة‮" ‬التي‮ ‬استنزفها الحكم منذ وفاة الحسن الثاني‮ ‬من‮ "‬تعديلات دستورية متقدمة‮" ‬تعيد المبادرة للملك لانطلاق مرحلة جديدة من الحكم والحكومة‮.‬
‮-‬ من جهة لا تمس الجيش في‮ ‬مقابل دسترة مقررات الإنصاف والمصالحة بخصوص الأجهزة الأمنية‮.‬
‮-‬ من جهة أخرى لا تمس الإمارة الدينية للملك في‮ ‬مقابل تشريع أوسع للبرلمان‮.‬
‮-‬ لا تمس بعض وزراء السيادة في‮ ‬مقابل دسترة العمل الحكومي‮ ‬على أساس رئاسي‮ (‬رئاسة الحكومة‮) ‬كما‮ ‬يطرحه حزب الاستقلال‮.‬
فضل القصر صفقة مع أحزاب لا تزال تحكم،‮ ‬أدارت مع الحسن الثاني‮ ‬صفقات الماضي،‮ ‬والصفقة الحالية لا تخرج عن مسلسل صفقات دعي‮ (‬ديمقراطيا‮) ‬وأخذ من الاصطلاحات الكثير‮.‬
والواضح أن مطلب سمو الدستور‮ ‬يطرح دسترة علاقة الجيش وقيادته،‮ ‬وقد رأينا كيف أن دستور‮ ‬1908 في‮ ‬مادته الحادية عشر قال‮ : (‬وله‮ ‬ أي‮ ‬السلطان‮ ‬ قيادة الجيش الكبرى وإشهار الحرب‮) ‬مما أعطى التفويض لوزير أو لغيره بالقيادة الصغرى،‮ ‬على أن إشهار الحرب من اختصاص ممثل الأمة وليس الدولة وحسب،‮ ‬وفي‮ ‬ختام المادة‮ ‬ 11‮: ‬وهو الذي‮ ‬يمثل الأمة والدولة معاً‮ ‬أمام الدولة الأجنبية‮.‬
وقراءة شرعية ودستورية لبعض جُمَلِ‮ ‬البند‮ ‬11 نجد أن السلطان‮ ‬يمثل الدولة أمام أمته،‮ ‬ويمثل الأمة والدولة معا أمام أي‮ ‬دولة أجنبية،‮ ‬وتقرير المادة الدستورية بهذه الصياغة فيه ذكاء تميز به الأجداد قبل قرن‮.‬
وفي‮ ‬الجيش لاحظنا أن الفصل‮ ‬30 من‮ ‬1993يدستر القيادة العليا للقوات المسلحة،‮ ‬وفي‮ ‬جملة‮ ‬ 1908 ما‮ ‬يفيد القيادة العليا بصيغة القيادة الكبرى‮ ‬ في‮ ‬حينه‮ ‬ وإشهار الحرب،‮ ‬على أن قارئ دستور‮ ‬1996 اهتم بإشهار‮ (‬حالة الطوارئ‮) ‬أو الاستثناء‮.‬
وإن اعتبرنا أن الحرب حالة استثناء،‮ ‬والمغرب‮ ‬ لظروفه الجيوسياسية في‮ ‬ملف الصحراء الشرقية والغربية وسبتة ومليلية‮ ‬ لا‮ ‬يرى في‮ ‬شخص ملكه وحده‮ "‬إعلان الحرب‮" ‬بل‮ ‬يتركه المشرِّع الدستوري‮ ‬للحالة نفسها بما‮ ‬يكون اعتداء،‮ ‬فإن قيادة حالة الحرب على أساس حالة استثناء تنفي‮ ‬رغبة المملكة في‮ ‬الحرب،‮ ‬وطلبها للسلام‮.‬
من الناحية الدستورية وجب توسيع المادة في‮ ‬حال الأخذ بصياغة الاتحاد الاشتراكي‮ ‬بما‮ ‬يفيد حالة الحرب والسلم كي‮ ‬يتمكن المغاربة من محاسبة المسؤول عن الأخطاء‮ "‬العسكرية‮"‬،‮ ‬وإلا بقيت مسؤولية الحرب والسلم مسؤولية دولة وليست مسؤولية أمة وندرك أن نفي‮ ‬بوعبيد لميسور كان لاعتباره الأمن القومي‮ ‬للمغرب مسؤولية أمة‮.‬


عبد الحميد العوني عدد 23 ل 8 ابريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق