عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 6 مايو 2011

بين نيويورك تايمز والصحافة الفرنسية 600 صفحة تحقيق أوباما في الأزمة المالية ؟!


في يناير الماضي قدمت لجنة التحقيق في الأزمة المالية التي أعلنها أوباما في ماي 2009 تقريرها إلى البيت الأبيض. 600 صفحة و1100 مرجع على الهوامش و700 شاهد لم تعط إجماعا حول أسباب الأزمة، فكان الاتفاق محدودا إلى حد بعيد.
اللجنة مكونة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري (4 من الحزب الجمهوري و6 من الحزب الديمقراطي) حيث لم يتحدث الرباعي الجمهوري لغة واحدة، يعلق الاقتصاديان Gerard Dumenil وDominique Levy في جريدة (لوموند دبلوماتيك). التقرير مكون من 3 فصول : الأول للنواب الديمقراطيين، والثاني لثلاث جمهوريين، والثالث للجمهوري "المستقل" !
استقبال الصحافة لهذا التقرير أتى بدوره من زوايا مختلفة، بعضهم احتفى (بالمعلومة الواردة في التقرير) أو (بالغنى المرجعي) الذي صاحب التقرير، تقول Newyork Times في مقال لـFrank Partnoy بعنوان كارثة – أو على الأصح نكبة – واشنطن المالية. 
إن مساهمة الديمقراطيين لوحات (آو قفشات) يسارية، والفصل الثاني (تمثيل لنقطة القوة في اليمين) والفصل الثالث (مجلة لليمين المتطرف) كل واحد حسب توجهه وموقعه.
الخلاف حول التقييم يكشف عمق الأزمة، فهل هي أزمة فكرة أو أزمة نهج ومنهجية ؟ الواقع في هذه الترتيبات يبدأ من الأغلبية البرلمانية. حيث لعبت الدراما في عمق آخر : تمويل الأزمة أو بلغة نيويورك تايمز : التمويل المجنون للأزمة المالية على السحوبات المصرفية وتمويل الديون من طرف الدولة، الاستثمارات الخطرة، وانعدام الشفافية في بيانات الأبناك، وتعقيدات الصفقات الموجهة.
الأطروحة المركزية ليست أصيلة جدا ولكنها مُمَرجعة (إن صح التعبير)أي ذات مرجعيات عالية ومن غير تدبير دقيق.
إنها أطروحة متفجرة، لأن الأزمة لم تكن متوقعة كانت هناك إشارات إنذار، والتراجيديا (المأساة) أن يتم تجاهلها أو الحد منها من جهة أخرى : (لم نقبل فكرة أن الموجهين الماليين ليست لهم القوة الضرورية لحماية نظامهم المالي. لهم سلطة كبرى على ميادين كبرى لم يرغبوا في استعمالها) الحكومة متهمة بأنها لم تكن على استعداد لمواجهة مثل هذا المأزق، حيث السلطات الفيدرالية لم تتمكن منذ البدء في "محاربة الديون السامة"، ونموذجها الأول يتمثل في عدم وجود احتياط فيدرالي لوقف طوفان الرهون mortgage السامة ؛ والرهون لها الدور الحاسم لإرساء معايير الدين الرهني الحذر. الاحتياط الفيدرالي لديه وحده مثل هذه السلطة، يقول آلان غريسبان.
المسؤولون السامون المشرفون على المؤسسات المالية الكبرى متهمون بأخطاء كبيرة في التدبير، خصوصاً تدبير الأزمات. وعمل الوكالات عامل جوهري في صناعة الأزمة وإدامتها، حيث الأعمال التدليسية fraudulent  - بتعبير اللجنة – لم تكن نادرة.
وفي النهاية، القطاع المالي متهم بضغطه على المقررين والمسؤولين (الصناعة المالية لعبت الدور المركزي (الدور – المفتاح) في اختزال الإكراهات الضابطة والثقيلة على المؤسسات، الصفقات والمنتجات. حيث صناعة مستوى معين من الغنى هو سلطة تعمل على الضغط أكثر من أي مادة سياسية على المسؤولين).
ونقصد مليارات الدولارات التي تنفق على اللوبيات وعلى تمويلات الحملات الانتخابية. مما يعني أن أهم موضوع في الأزمة هو غياب الضوابط.
وفي هذا الاتهام كيف يجيب الجمهوريون ؟ يقول التقرير : تأكيد الضرورة على الضوابط لا تحبذه آذان المسؤولين. الرئيس الجمهوري للجنة الخدمات المالية في الكونغرس أعطى تصريحا للصحافة يقول فيه : في واشنطن فكرة أن الأبناك يجب أن تكون مضبوطة (أو تحت الضوابط) على أن وجهة نظري تقول : إن واشنطن والضوابط معا لخدمة الأبناك [يورد التصريح في نيويورك تايمز Paul kurgman في مقال له تحت عنوان طلاء وول ستريت wall street white wash يوم 17 دجنبر 2010] وهو التصريح الذي يبرئ الأبناك والمؤسسات المالية حسب spencer Bachus نقلا عن أخبار برمنغهام.
إننا أمام "مناهضة الضوابط" أو غابة اللاضوابط في فكرة الجمهوريين الأربعة. وقد أتى مقال بول كروغمان بأكثر من شاهد على هذه المحاولة الجمهورية التي لم تتمكن مع ذلك من توحيد رأي هذا الحزب في الأزمة..
إنه اللاتوازن القديم منذ ما يزيد عن 30 سنة بتعبير لوموند دبلوماتيك. فأول حجج الجمهوريين أن الأزمة لم تكن في الولايات المتحدة وحدها، حيث انفجار الفقاعة العقارية والأزمة المالية مست قطاعات حيوية متقدمة أخرى، ودول أخرى. ولا أحد منهم يتحدث عن الإجراءات الدقيقة والاستثنائية للولايات المتحدة فيما يخص القروض الخطيرة. دليل يلعب على تمييز معروف : الخطأ دائما في الآخر : الصين والدول المصدرة للنفط. إنها دول تدخر كثيرا. وهي تخزن سيولة عالية تحت عنوان : الاستثمارات المالية.
هذه الاحتياطات تخفض من معدل الفائدة وتزيد من شهية استدانة الأمريكيين. يقول التقرير : منذ بداية سنوات التسعينات 1990، الصين ودول أخرى في طريق التقدم والدول المصدرة للبترول، استهلكت واستثمرت أقل مما تربح. لتكون رأسمالات كثيفة موزعة في أمريكا أهم سوق لاستدانة أمريكا ؟!
بعيداً عن كون هذه الدول غير متورطة في الديون السامة، ودون الدخول في حيل ميكانزمات تحديد معدلات الفائدة، من السهل أن نجد سبب الأزمة : يتعلق بالاحتياطي الفيدرالي من أجل تحديد المعايير التي تمنع الأبناك من الاستيدانات الخطرة.
في آخر فصل من التقرير نجد السهم المسموم لليمين المتطرف، السلاح المستعمل من اليمين ضد اليمين، المشكلة – في وجهة النظر هذه - تتموضع في الولايات المتحدة وتتجلى في البرامج الاجتماعية لحكومات أمريكا المتعاقبة. لأن هذه البرامج سمحت لفئات متواضعة أن تتملك وتدخل إلى نطاق الملكية، هناك حسب تعبير التقرير : أسباب معقولة للاعتقاد أن الفقاعة العقارية من 1997 وإلى 2007 ستتوسع وتستثمر من خلال السياسات السابقة للحكومة التي وضعت في نصابها طلباً اصطناعياً (غير حقيقي) للمساكن في توجيه لسوق العقار نحو مزيد من التمويل الذي لم يكن ضروريا، لأن الضوابط السابقة والحكومة كانتا مع النمو في التسبيقات.
الوكالات العقارية الكبرى والمعروفة كـ (فريدي ماك وفاتي ما) تورطت مباشرة في هذا المسلسل، وأعادت شراء ديون على أسس (اجتماعية). إذن علينا بتعبير لوموند دبلوماتيك (وقف مساعدة الفقراء !)
ديباجة التقرير ترفض مثل هذه الخلاصة، من حيث أن القروض تغطي بعض القوانين الاجتماعية، بنسبة ضعيفة جدا. لوموند دبلوماتيك تقول بجنون مالي وفقدان الضوابط.
تفسير للأزمة يجعل "أوباما الأول" روزفلت جديد يأمل في إصلاحات جوهرية ليصل إلى توافق حقيقي مع ديمقراطيي اللجنة. بالتأكيد، المسؤولون الفرديون والمؤسسيون ملتزمون، لكن هل التزامهم حقيقي ؟
في حدود كل تأويل محدود للأوجه المالية، التحليل يبقى مجزوءاً. وفي أمرين : التحليل لا يأخذ المصادر الهامة لكل الوضعية الاقتصادية الأمريكية، ويتجاهل حركية التاريخ نحو التغيير الاجتماعي كما يقول كتاب (أزمة النيوليبرالية). النقطة الأولى تتعلق بالماكرو اقتصادي الذي يظهر ضروريا في عالم التجارة والتبادل الحر، ومن ثم (التجوال الحر) للرساميل. الولايات المتحدة تدفع ثمن شرف مسارها، الواحد ضمن العام، من خلال عدم توازنها المتراكم على الصعيد الداخلي، والخارجي.
من واقع آخر، التنافس الدولي، الجزء المتحرك إلى الأمام من الحاجة يشكل رؤية الإنتاج في العالم (من نفس الكتاب لمؤلفيه G. Dumenil وD. Levy) إنها مواجهة لضرورة موجهة للشركات المحلية على أرض أمريكا، حيث يجب أن تكون القروض باتجاه "التدبير" لأن السياسات تعتمد على معدلات "متقدمة" من الرغبة التي تدور في كل بقاع العالم. إنها ظاهرة معروفة.
والاختلاف حول الإقلاع كما وقع تماما في فرنسا عام 1983. قوة الولايات المتحدة وقوة الدولار تمكنان من السير في نفس السياسة لثلاثين سنة ماضية وبثمن معروف على مستوى العجز التجاري الذي يتطور.
طوفان وجولان الدولار عبر العالم يمس باقي العالم. والولايات المتحدة تشكل قواعدها المالية مجدداً، من خلال وكالات الداخل الأمريكي والخارج. إذن نمو دين التسيير والديون الفيدرالية في مقابل الدين الخارجي يسيران باتجاه واحد : الإنتاج تراجع بنسبة 25% بين نهاية 1929 و1993، والنظام المالي ذاب في 1932 ؟!
إنها معادلة ضرورية من حيث القرض لتصريف جرأة المؤسسات المالية، لأجل إنتاج كارثي يصاحب الأزمة.
وبعمل حركية التاريخ (أو حركياته) العميقة نجد أن رؤية الديمقراطيين في لجنة تقرير أوباما حول الأزمة تعمل على تسليط الضوء على نظام جديد اجتماعي نيوليبرالي بدأ مع 1980، وعرف جملة من اللاضوابط منذ انطلاقه.
المسألة الرئيسة في نظر الكتاب الذي طبع في 2010 حسب منشورات جامعة هارفارد تتمحور حول طبيعة النيوليبرالية فما هي هذه النيوليبرالية ؟ يقول تعريفها حسب المؤلفين : إنها مجموعة من التطبيقات الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، نظام اجتماعي كما يعرفه الجميع، يغتني فيه الأغنياء بطريقة واضحة (بل واحتفالية) بالترجمة الحرفية. وهو الهدف. وبتجاوز للمعاني الفردية، المسؤولون من الطبقة الراقية هم : الفئات الرأسمالية وحلفاءها، ثم الأطر العليا للقطاع الخاص (بمواقع المسؤولية والمالية) وكذلك أحزاب اليسار واليمين.
هذا التكاثف لأهل التدبير والتنظيم والإدارة يشكل بدائل (كينزية) أو بدائل اجتماعية – ديمقراطية ما بعد الحرب.
في مقابل هذه الطبقات هناك الفقراء، (وهي طبقات العمال).
وبنهاية هذا التحليل، الأزمة كاشفة لتناقضات النظام الاجتماعي الجديد الذي سعى إلى وضع كل العراقيل في العائدات والسلطة. وهنا لابد أن نضيف أن (الأزمة جزء من الولايات المتحدة الأمريكية وتتقدم في اتجاهها، وقدرتها الدولية سمحت لها بمتابعة طريق اللاتوازن) ووضعنا - لحركيات التاريخ أمامنا - يطرح تأويلا عميقا حول الحجج المختلفة للجنة أوباما.
اختلاف الحزبين بقدر اختلافهما بشأن الرهانات السياسية للمرحلة والتي تعتبر شاهدة على تحالف الديمقراطيين والجمهوريين بطريقة ما، لأنهما دائما يتنافسان في إطار النيوليبرالية.
الفصل الثاني للجمهوريين الثلاثة يطالب بنيوليبرالية غير قابلة للتغيير، وحججهم تدافع بشكل مطلق عن مصالح الرأسماليين والقادة الذين يشتركون مع الآخرين (الحزب الديمقراطي) في قيادة الولايات المتحدة. الجمهوري الرابع من اليمين المتطرف يزيد من الضغط على الفئات الشعبية، إنه استنزاف إلى الجذور. كما وقع لأوروبا بعد الحرب الكونية الثانية.
نفس الرؤوس والطبقات تدير المشهد من البنك المركزي، والذي لم يجتمع في 2010 كما لم يجتمع في 1933. يأس الشعب وكره البيروقراطيين يسيران معا في اتجاه واحد. بالنسبة للديمقراطيين، العولمة تدخل في التطورات غير المتراجع عنها – تاريخيا واجتماعيا واستراتيجيا – حيث نرى الاشتراكيين في فرنسا (حسب مقال لوموند دبلوماتيك) يأملون رأسمالية (طيبة) بنظام مالي شريف غير متطرف. هذا التشريح يوضح انزلاق التحالفات إلى الشركات غير المالية، والتي تتمركز على الإنتاج وعلى إنتاج حقيقي (واقعي) من داخل اقتصاد بتطبيقات "معتدلة" في إطار الدولة.
هذا الخطاب يثير بحشمة "النيوديل" عندما تدخل المسؤولية في قلب التمويل، حيث بحث التقرير في هذا الإطار الجامع تحالفا ما، مع الطبقات الشعبية لمواجهة الصفقة الكبرى big business. ويبقى التساؤل محيرا : هل الأمر متعلق بالبحث على تحالفات لإضافة سنوات إلى الثلاثين السابقة ؟!

ماوراء الحدث ص 4 عدد 23 ل 8 ابريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق