عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الجمعة، 6 مايو 2011

أسئلة مشروعة عن لعب جهات معلومة بالنار السلفية الوهابية في مغرب إمارة المؤمنين

أسئلة مشروعة عن لعب جهات معلومة بالنار السلفية الوهابية في مغرب إمارة المؤمنين
هل سمحت الدولة بعودة شيخ سلفي يدعو لأن يصبح المغرب شبيها بأفغانستان والباكستان والصومال؟


عنوان المقال ليس من وحي الخيال، أو الجرأة أو التأويل، وإنما ملخص لتعليق جاء في موقع "هبة بريس" ردا على صدور خبر عودة الشيخ محمد المغراوي للمغرب، ونهاية أزمة الفتوى المثيرة للجدل التي تسبب فيها عندما أفتى بجواز نكاح الطفلة ذات الست سنوات.
التعليق الذي سنورده بالحرف، يلخص طبيعة الإسلام الذي يسعى لتأسيسه التنظيم السلفي بالمغرب، أو بعض أتباعه، ويعبر عما يخالج أغلب الحركات الإسلامية كما تدعو إلى ذلك في اللقاءات غير الرسمية، وربما تكمن شجاعة الجماعات السلفية، أنها تعبر عما يخالجها بوضوح وذلك بخلاف الجماعات والأحزاب الإسلامية التي انخرطت في العمل السياسي ولا يمكن لها أن تعبر عما يخالجها بشكل علني، خشية إغضاب المسؤولين الذين رخصوا لها بالعمل السياسي، كما هو الواقع مع حركة التوحيد والإصلاح على سبيل المثال لا الحصر، وهناك خشية أخرى، لا يتم التطرق إليها في صحف هذه الجماعات، وخاصة جريدة التجديد، وهي أن إغراءات العمل السياسي، و"المغانم" الرمزية والمادية، أصبحت أعلى وأسمى من أن يتم التضحية  بها من أجل سواد عيون هذه الأحلام التي يعتبر عنها المغراوي ومن معه، وأغلب أعضاء الجماعات السلفية.
فماذا صدر عن هذا العضو السلفي المغرب، على هامش التعليق الصادق عن عودة شيخه المغراوي؟
لنقرأ التعليق، ولنتأمله جيدا: "المغرب الذي نريده هو مغرب يشبه أفغانستان والباكستان والصومال والبلاد التي يحكم فيها المسلمون، لا نريد نساء في الشواطئ والأزقة، لا نريد سياحة العري، لا نريد تدريس لغة الكفار على حساب لغة القرآن، نحن ضد ترسيم الأمازيغية، لا نريد علاقة مع إسرائيل، ونريد إمارة للمؤمنين يحكمها خليفة صالح يمنع التبرج والفساد، ما يسمى بالحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان والدستور الوضعي لا يوافقنا، ما يفتي به علمائنا يلزمنا، والموت للحاقدين والجهلاء".

+++ هل هناك ضوء أخضر؟
وصل الشيخ المغراوي إذن إلى مراكش، بعد عامين من الغياب بالسعودية، وحسب إحدى المتابعات الإعلامية، فقد رافقه اثنان من العلماء الوهابيين، وقد اختار هذا التوقيت بالذات لانشغال العالم العربي بشكل عام والمغرب على وجه الخصوص بموجات التغيير، وأيضا، بعد خطاب الملك الذي حمل بوادر إرادة حقيقية للإصلاح، وهو ما شجعه على العودة، مؤكدا في حديث للصحافة الوطنية أنه مازال متشبثا بفتواه بجواز زواج بنت التاسعة من عمرها، وأنه لن يتراجع عنها مادام يستمد حججه من القرآن والسنة، كما توقف عند إرادة الملك محمد السادس بفتح صفحة جديدة لمغرب جديد بعد خطابه لتاسع مارس الماضي، وأكد أنه لا يستبعد إعادة فتح دور القرآن التي بدأت موجة إغلاقها بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها الدار البيضاء، وأن جمعيته مستعدة لفتح دور القرآن في أقرب وقت، خاصة وأن والي جهة مراكش زار دار القرآن بالمحاميد التابعة لجمعية المغراوي، وأبدى رغبته في فتحها من جديد، وأنها لن تغلق مرة أخرى.
لا يمكن لشيخ مثل المغراوي، وللصدى الكبير الذي أثارته فتواه الشهيرة، ولتبعاتها الميدانية عبر إغلاق العشرات من دور القرآن، لا يمكن له إذن، أن يعود هكذا دون مقدمات للمغرب، والمسألة أكبر من موضوع "انشغال العالم العربي بشكل عام والمغرب على وجه الخصوص بموجات التغيير، وأيضا، بعد خطاب الملك الذي حمل بوادر إرادة حقيقية للإصلاح"، وإن كانت كذلك، تبقى عنوانا يحتاج إلى بعض التفاصيل، حيث تكمن الشياطين، ولا يبدو أننا سنجد بعض هذه التفاصيل في أغلب القراءات الإعلامية التي تنشر هنا أو هناك.
وقد تكون بعض هذه التفاصيل، وجود ضوء أخضر من جهات نفاذة، بعودة المغراوي للمغرب، والسماح له بفتح دور القرآن التي أغلقت في مراكش، ومعها أغلب دور القرآن في باقي المدن المغربية، ولكن الجميع ينتظر إجابات عن مقابل هذا العرض المركزي: ما هو العرض الموجود لدى المغراوي وأتباعه، وهل يذكرنا بالدور الذي تقوم به حركة التوحيد والإصلاح في المجالس العلمية مثلا، كما سوف نتوقف عند ذلك بعد قليل؟
لا يبدو أن عرض السلفيين مختلف عن دور المجلس العلمي الأعلى، وبيانه الأخير الذي أسال الكثير من المداد، والذي حرره أسابيع بعد تاريخ الخطاب الملكي المؤرخ في 9 مارس 2011.
وكان إجماع أغلب المراقبين على استنكار بعض بنود بيان المجلس العلمي الأعلى، وهذا ما أكدت عليه تعاليق أغلب القراء مثلا، وما توقف عنده بالتفصيل محمد الساسي المحلل السياسي والقيادي في اليسار الاشتراكي الموحد.
لا يشك أي متتبع في الدفاع الواضح للسلفيين المغاربة عن المرجعية الإسلامية المطلوب إقرارها في الدستور المرتقب، كما جاء في الخطاب الملكي، وكما أكد على ذلك بلاغ المجلس العلمي، عندما توقف عند أهمية ومرجعية الإمامة العظمى، وكما أكدت على ذلك حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية (فهما وجهان لعملة واحدة) في بلاغاتها ومواقفها ومقالاتها التي نشرت في جريدة التجديد، وكما أكد على ذلك المغراوي، فور عودته للمغرب، بما يساعد السلفيين، على غرار ما حصل مع التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، على الانخراط أكثر في المؤسسات الدينية الرسمية، وفي مقدمتها المجالس العلمية المحلية.


+++ السلفيون على خط المواجهة الدستورية
إن الجماعات السلفية، كما هو الواقع مع التوحيد والإصلاح، ترى في مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني، حسب أحد الباحثين، "جهودا إضافية تدعم المقصد الأصلي من وجود العمل الإسلامي وهو "إقامة الدين"، لكن التجربة أثبتت أن التنافس والاحتكاك واقع وفي أكثر من محل ومناسبة، وفي بعض الأحيان يتخذ مظاهر سلبية ويطفو على السطح، ومما يدل على هذه الحقيقة عنصران أساسيان:
 1 ـ استقطاب مؤسسات إمارة المؤمنين وهياكلها العشرات من أطر حركة "التوحيد والإصلاح" وكوادرها العلمية والدعوية من مستويات مختلفة، وفي مجالات متعددة؛ فطرف من أعضاء الحركة فاز بعضوية المجالس العلمية المحلية، وطرف ثان نال وظيفة المرشد الديني، وطرف ثالث اتخذ من اللجان الاجتماعية والثقافية -في المجالس العلمية وكذا الوعظ والإرشاد تحت مظلة هذه المجالس- إطارا لنشاطه الدعوي، وطرف رابع انخرط في إعلام إمارة المؤمنين (إذاعة محمد السادس وقناته).. فهذا الالتحاق بدائرة نشاط إمارة المؤمنين أثر بشكل غير مباشر على وظائف الحركة في الميدان؛ فالذين التحقوا بالمجالس العلمية ونشاطاتها يعدون في الغالب من النخب النوعية، والمعروفة بأدائها الدعوي المتميز، وعلى صعيد آخر، فإن مجمل الأعمال التي تقوم بها المجالس العلمية وهياكلها لا تختلف عن أعمال الحركة ومهامها، والجدير بالذكر في هذا السياق أن العناصر النشيطة في معظم المجالس العلمية تنحدر من الحركة الإسلامية وتحديدا حركة التوحيد والإصلاح.
2 ـ النزاع حول الفتوى بين الحركة ومؤسسة إمارة المؤمنين؛ فقد بدا واضحا أن المجلس العلمي الأعلى هو المخول وحده لإصدار الفتوى في المغرب، وغير مسموح لغيره من المؤسسات والعلماء بالإفتاء ومشاركته في هذه الوظيفة، وتجلت هذه النزعة الاستفرادية في الرد العنيف على فتوى للشيخ يوسف القرضاوي على قروض السكن من البنوك الربوية في المغرب، التي كان قد حررها ردا على سؤال وجهه إليه بعض أعضاء الحركة ونشرتها صحيفة التجديد (لسان حركة "التوحيد والإصلاح" سنة 2006)، وقد كان هذا الرد رسالة واضحة وقوية للحركة وغيرها بأن وظيفة الفتوى في الشأن المغربي هي من اختصاص المغاربة وحدهم، ومؤسسة العلماء التي يرأسها أمير المؤمنين، وسيتعزز هذا الميل بواقعة أخرى تتعلق بفتوى الشيخ السلفي محمد المغراوي حول جواز تزويج بنت التسع سنوات؛ حيث أصدر المجلس العلمي بشأنه بلاغا جاء في مطلعه: "إن الفتوى المعتبرة في شؤون الدين بالمملكة المغربية لا تصدر عن الأشخاص وإنما تصدر عن المجلس العلمي الأعلى". (والواقعة الثالثة تتعلق بفتوى الدكتور أحمد الريسوني حول حرمة التسوق من المتاجر التي تبيع الخمر)".
المطالب الإصلاحية التي ظهرت فجأة عند التيارات اليسارية والإسلامية (النهج والطليعة في الشق المتشدد، مقابل العدل والإحسان)، إضافة إلى مطالب العديد من الأحزاب اليسارية (اليسار الاشتراكي الموحد على الخصوص)، وبدرجة أقل، مطالب حركة 20 فبراير (التي تتجه نحو التمييع، بعد تناسل عدد أعضاءها، لدرجة ظهور خلافات بين مؤيد للجلوس مع لجنة المانوني).. كل هذه المطالب، سببت إحراجا كبيرا للمؤسسة الملكية، وللمرجعية الإسلامية المرتقبة في الدستور المرتقب، والتي تم التأكيد على مرجعيتها في الخطاب الملكي الأخير، ومن هنا، يأتي الرهان على الدعم الرسمي للجماعات السلفية، (جماعة المغراوي)، وقبلها حركة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، فهؤلاء، وهو قادة الإسلام السياسي البرغماتي، يرون أن أقل الضررين في الواقع المغربي، يقتضي الدفاع عن إمارة المؤمنين ضد الخصوم السياسيين، وأغلبهم من الخصوم العلمانيين، لأن ترك إمارة المؤمنين مساندة في صراعات المقترحات حول التعديل الدستوري، من شأنه أن يمس بالمرجعية الإسلامية للدولة المغربية.
وإذا كانت الدولة تراهن على دعم الجماعات الإسلامية السياسية (التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية) والجماعات السلفيى  (المغراوي ومن معه، وإعلامهم الذي تقوده صحيفة السبيل)، فإنه في المقابل، هناك قلق من المنافسين السياسيين من جهة، وأيضا، من الطرق الصوفية أن يتسبب هذا "التحالف" غير المعلن، بين الدولة وهذه الجماعات، في تشجيع المزيد من "غزو" الإسلاميين للمؤسسات الدينية، وهو الغزو الذي لم يعد خافيا على المراقبين اليوم، حتى أن العديد من المجالس العلمية المحلية، أصبحت رسميا تابعة للدولة، وعمليا، تابعة لحركة التوحيد والإصلاح أو ذات مرجعية وهابية، تحت أعين الدولة والسلطات الإدارية، التي لا تتدخل، ولن تتدخل أكثر بعد خطاب 9 مارس، بعد ظهور بوادر تقوية هذا التحالف غير المعلن.
لقد أصاب أحد الباحثين عندما اعتبر أن إشكالية المفهوم الجديد لإمارة المؤمنين تتمثل في عدم اعترافه بشرعية الحركة الإسلامية باعتبارها شريكا للمؤسسة الرسمية في القيام بالوظائف الدينية، والضغط عليها للانسحاب من مجالاتها الحيوية والإستراتيجية: المساجد، والعمل الخيري، والعمل الطفولي والنسائي.. وهذا الإشكال لا يمكن أن يرتفع، ولا حل له في الأفق المنظور، ما دام المفهوم الجديد لإمارة المؤمنين يتوخى - أساسا- رفع التناقض الأخلاقي الذي يحسه قطاع من الذات المغربية بين الواقع بأبعاده المختلفة والإسلام، ومن جهة ثانية تشتغل الحركة الإسلامية على هذا التناقض وتبرزه، وتقدم للناس دعوى شاملة لرفعه، هذه الدعوى لها أطروحة سياسية نافذة ونشيطة في الميدان.
+++ الأمن الروحي تحت رحمة السلفيين
ما تأكدت منه "ما وراء الحدث" خلال الآونة الأخيرة، أن الآراء منقسمة حيال ما جرى ويجري، بين المؤسسات الدينية والجهات المعلومة:
1 هناك من يرى أن المؤسسة الملكية مضطرة لأن تفتح الباب على مصراعيه أمام الجماعات الإسلامية والسلفية، من أجل مساعدتها على تجاوز محنة المطالب الإصلاحية ذات النفس الحداثي والعلماني، والتي وجدت صدى كبيرا لها خلال الأسابيع الأخيرة، إلى درجة أن بعض الأصوات تدعو إلى إمارة مؤمنين رمزية لا أكثر ولا أقل، ومن هناك، يأتي صدور بلاغ المجلس العلمي الأعلى (وهو المجلس الذي يعتبر نواة المجالس العلمية المحلية التي تعج بأعضاء من الحركات الإسلامية والجماعات السلفية)، حيث أكد البلاغ على تشبث علماء المؤسسة "بإمارة المؤمنين في وجودها الشامل وتفعيلها الكامل، واعتبارهم لها في الأمة بمثابة الروح من الجسد"، مُعربين عن "اعتزاز العلماء بروح التبصر والإقدام اللذين يميزان الإمامة العظمى بالمغرب كلما تطلب الأمر اتخاذ القرارات التي تحفظ للأمة ثوابتها وتتجاوب مع طموحها إلى مزيد من الكرامة والعزة والإنصاف"، معربين عن "اعتزاز العلماء وطمأنينتهم لإعلان أمير المؤمنين أن كل الإصلاحات المرتقبة ستأتي متوافقة مع ثوابت الأمة المتعلقة بالدين وإمارة المؤمنين"، و"أن التغيير -إن كان من متطلبات الشرع ومن سنة الحياة - فيجب أن يكون نابعا من تمثل جيد لحاجة المجتمع وانتظاراته، ومن جملة هذا التمثل معرفة ما هو صالح أو ضروري تنبغي المحافظة عليه".
2 وهناك تيار آخر، يرى أن مشروع إدماج الجماعات الإسلامية (التوحيد والإصلاح) والجماعات السلفية في المؤسسات الدينية الرسمية، يتجه على المدى المتوسط نحو التضييق على مؤسسة إمارة المؤمنين، وجعلها، تحت وصاية بشكل أو بآخر، تحت رحمة المشروع الإيديولوجي الوهابي لهذه الجماعات الإسلامية والسلفية، بل يذهب بعض رموز هذا التيار، إلى التحذير من تكرار تجربة الاستنجاد بالوهابية على عهد إدريس البصري والعلوي المدغري، والتي جعلت من المغرب أرضية خصبة للجماعات السلفية.
في انتظار نتائج هذه السياسات الدينية المفاجأة، يعود المغراوي، رافعا الرأس، ويستقبل استقبال الأبطال، كما لو أنه فتح الأندلس أو القدس، ويحظى بمتابعة إعلامية جد محترمة من طرف الإعلام المستقل المخزني، ومع ذلك، سيصرح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الحالي، بأن الدولة تسهر وتخدم مشروع الأمن الروحي للمغاربة.
خليل العلوي ماوراء الحدث عدد 24 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق