عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

هل الجزائر والمغرب دول مؤقتة ؟


الصورة قلقة إلى حد كبير في المغرب العربي (أو الكبير) لأن بغير الديمقراطية الجذرية لا يمكن أن يكون أمن المغرب في الجزائر وأمن الجزائر في المغرب مؤكدا وشعبيا.
الرباط تواجه في جنوبها وفي الشرق حدوداً مؤقتة، وتعاني الجزائر من أزمة تاريخية لأن حدودها الغربية مؤقتة مع المغرب. لا أحد يريد المواجهة وكلاهما يختال في فتح الحدود. إذن الحدود "قنابل مؤقتة" في هذه المنطقة قد تزداد سوءاً مع مملكة القذافي ب 6 أولياء عهد، كل يرغب في أن يكون له مملكة، والثوار يواجهون من أجل الجمهورية بدون قذافي ؟ والديمقراطية بدون لجن والميادين بدون لون أخضر.
ربما يكون موت العقائد الدولاتية الضيقة في هذه البقعة طريقاً سريعاً وواسعاً ومباشراً لسوق مفتوح وديمقراطية مفتوحة، بعد أن دخل العرب في عصر المجتمع المفتوح.
المغرب العربي الجديد بدأ غربا في تونس، ويقاتل من أجل الحرية في ليبيا، ويتظاهر تحت القمع لاستكمال الدائرة. لأن ترك تونس وحدها في جوار ديكتاتوري كامل جريمة، كما أن ترك الشعب الليبي للقذافي جريمة، وترك باقي البلاد لانتقال وهمي نحو الديمقراطية جريمة... الجرائم هنا واحدة.
ليبيا لم تكن سوى سلطة، والفارق بين السلطة والدولة هائل، تونس تحولت فيها الدولة إلى سلطة وثار الشعب لتبقى الدولة، والسلطة الجزائرية والمغربية يريدان الإصلاح. لكن المعنى الجامد يسود، وله أنصار أقوياء في داخل كل هياكل الدولة.
الحكم الذاتي قد يكون حادثة دولية، لأن استيعاب الصحراويين لن يكون بفعل السلطة بل بقوة الدولة ؟ والحدود بين الدولتين الجزائرية والمغربية ستكون حادثة إقليمية ومسا بالتاريخ والشعوب إن لم ينجح مشروع الدولة في الجزائر والمغرب. هل أنا مفهوم ؟ لأن غرس السيادة لن يكون قبل الديمقراطية ليمنع الجميع من العض على الأصابع ؟
إن المطلوب تقرير مصير جديد لكل شعوب المغرب العربي، كي تنتقل السلطة في هذه البلاد إلى (دول)، وكي يتمكن القانون الدولي من تسوية كل ما هو عالق، رايس أرادت أن تفتح المجال لهذا التحول، لكن الرباط والجزائر رفضتا الخطوات الأولى بطرق ملتوية، ويرفضون الآن بنفس الطرق. وأوباما في حديثه الأخير إلى كلينتون قال : لابد من حسم ! الآن أنا مع واتارا، ومع روس. هل يريد أوباما أن يتوحد شمال أفريقيا في الديمقراطية والاقتصاد والعمل المشترك.
لا شيء في أمريكا أقوى من الديمقراطية، لأن واشنطن عندما تتعامل حاليا مع أي نظام تراه كملعب ذاتي الدفع، حاكمه رئيس مرمى مفزوع يسجل على نفسه الهدف.
الجزائر تخاف التدخل لحماية الأبرياء من الجيش، فتمنع مجالها الجوي عن أمريكا والناتو، والمغرب يرغب في الديمقراطية ويخاف منها، ويدخل في دعم المتظاهرين ضد القذافي بقناعة فرنسية.
بوتفليقة ذكي، يعد خطاطة خطيرة لإزاحة كامل قوة الجيش وكابوسه عن الرئاسة. لقد قبل بدبلوماسية أن تكون الأجواء مفتوحة للأمريكيين، ورفض أن تطير في سماء بلاده الطائرات الفرنسية.
تونس سمحت لأجواءها أن تكون في خدمة الطائرات لحماية الثوار. وفي كل الأحوال، يرى الرئيس الجزائري أن الشعوب المغاربية تدخل في تقرير مصيرها الثاني ولا يزال شعب مغاربي لاجئاً في الرمال.
الجزائر لم تدرك أن لعبة المفاوضات دخلت حالة انعدام الفعل، الشلل، والبحث الدقيق كما يريده الصحراويون المغاربة في هذه اللحظة، ومن ثم تكرار هذه الأقوال.
بوتفليقة يتقن اللعب المفتوح والمغلق معاً، ويدرك كيف جرح ساركوزي حينما قرر إغلاق أجواء بلاده على طيران فرنسا. قال : لا زلت أحس بما يفعله الاستعمار !؟ أي يذكر صور الطائرات الفرنسية التي قتلت شعبه، ولا يمكن أن يسمح لمن لا يريد الاعتذار عن جرائم فرنسا في الجزائر أن يطير فوق سمائها. كلام في غاية التأثير.
ذكاء بوتفليقة واضح سيدخل بلاده في مرحلة أخرى، لأن مجرد إخراج السلطة من العسكر إلى قصر مرداية "نصر آخر"، فالديمقراطية أجهضت في صناديق الاقتراع. صحيح أن الإسلاميين لم يكونوا ناضجين كالغنوشي أو بديع ؟! لكنهم قاتلوا من أجل الحرية.
الإسلاميون أدركوا أن عليهم أن يتنحوا جانبا، وأن يكونوا شركاء في الفعل المدني. فعلوا ذلك ونجحوا، في تركيا، مصر، وتونس... وسيسود معنى آخر في تربية هؤلاء قبل أن يتعلموا الديمقراطية عليهم؛ أن يتعلموا المشاركة، وفي هذه الكلمة سر كل المجتمع المدني.
بزعمِ بوتفليقة، القوة السياسية لكتلته، لا تكفي لإحداث التغيير، وسلطة الجيش وراء الديمقراطية وليس أمامها، كما في تونس ومصر. العسكر يدير المرحلة الانتقالية المحدودة عوض فترة غير محدودة في الجزائر.
الجيش في الجزائر سيقبل تحديد المرحلة الانتقالية والتي لا تعني بعد وقف إطلاق النار سوى نهاية حكم بوتفليقة. هذا الوضع يتخمر ويجعلنا ننتظر. في واقع جديد قد يجعل قلب فرنسا في ليبيا، وقلب أمريكا في الجزائر. هذا انقلاب صعب في الأدوار والقوة.
المغرب يطلب تمويل إصلاحه قبل أن يبدأ، والجزائر ترغب في انتقال كامل إلى استراتيجية أمريكا. بوتفليقة – بذلك - يريد صفقة كبرى بين جيش بلاده وواشنطن قبل أن يخطفه الموت. هناك فرصة يتردد أمامها أوباما، وأمريكا في ترتيبات الإصلاح التي قبل المغرب أن يدولها لإسكات الداخل وتحسين صورته، لإنجاح اختراق في الصحراء الغربية، وباقي المنطقة لتحويلها كليا إلى حزام ديمقراطي يضغط على ساحل العاج وغيرها من التجارب التي تشبه القذافي، ويشبهها القذافي.
غباغبو هو القذافي غير العربي ؟! هل يمكن أن نقرأ الأمر بهذه الجملة البلاغية، الأصل في التحول أن يكون قناعة شعب ليكون واقعيا، والسلطة التي تستطع أن تحول الدولة من دولة مؤقتة الحدود إلى دولة ذات حدود نهائية يجب أن تنتهي لقيادة أخرى.
بداية علينا أن نعلن الديمقراطية خياراً استراتيجيا للحكم والحكامة في كل منطقة الشمال الأفريقي. وأي توانٍ عن هذا الخيار سيعزل أمريكا ويعرض مصالحها لعدم التوسع. الديمقراطية رغبة الشعوب للدفاع عن مصالحها. ولابد من التفاوض معها في هذه المرحلة بعد أن تكون قائدة لحكم الأوطان والدول في منطقة ينظرها ساركوزي النصف الآخر لأوروبا. فهل يمكن أن تكون نصفنا الآخر في اتفاق تبادل تجاري حر، وشراكة حرة ؟!

جون فنهارت ما وراء الحدث عدد 22

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق