عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

من يوقف طموحات صقور المربع الذهبي بقصر المملكة الشريفة؟


يخوضون حروبا وصل لهيبها إلى صفحات الصحف الوطنية
من يوقف طموحات  صقور المربع الذهبي بقصر المملكة الشريفة؟

صراعاتهم التي وصلت أصداؤها إلى الصحافة الوطنية، جعلت المواطن المغربي العادي قبل المهتم يطرح أكثر من سؤال حول الحصانة التي يحظى بها هؤلاء أصدقاء الملك، الذين يتولون مناصب مهمة ترهن مستقبل البلاد والعباد، وليتساءل كل المغاربة الذين يحق لهم السؤال عندما يتعلق الأمر بملفات حساسة يتولاها هؤلاء، عن السر وراء وقوفهم وراء حروب "خطيرة" ضمن ما يسمى دسائس القصر، وصل دخانها إلى المنابر الإعلامية، دون أن تطالهم "غضبة" من تلك الغضبات التي عودنا بها محمد السادس


لم يكن يعتقد أولائك الأطفال الأبرياء الخمسة عشرة، الذين كانوا يصطفون أمام عدسات الكاميرات في سبعينيات القرن الماضي، بداخل المدرسة المولوية بالمشور السعيد بالرباط، ليأخذوا صور تذكار الطفولة البريئة، بأنهم سيصبحون اليوم "الساسة" الأوائل الذين تتوجه إليهم الأنظار في مغرب العقد الثاني من الألفية الثالثة، وقد توزعت عليهم أدوار حيوية مختلفة لتسيير شؤون البلاد والعباد؛ بداية من إدارة أبرز وأضخم المؤسسات المالية والاقتصادية، ومرورا برسم خارطة السياسة والسياسيين المستسلمين لـ"قدر" هؤلاء الذين يفعلون بهم ما يشاؤون، ثم وصولا إلى إحصاء وعَدّ أنفاس المواطن المغربي تحت يافطة حماية أمن البلاد والعباد. 
إنه قدر الزمان الذي جمع أبناء أسر متوسطة الحال بـ"سيدي محمد" الأمير وولي العهد في ذاك الوقت، ليكونوا زملاء له في مشواره الدراسي، لا بل ومساره العملي أيضا، في ما بعد، في تسيير دواليب حكم المملكة الشريفة. وبعكس زملاء الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان أترابه في حجرات الدراسة من أبناء نخب المغاربة والمنتمين لأسر عريقة أو إقطاعية، ومن أبناء القواد والباشاوات والأعيان، وممن يحسبون على "دار المخزن"، فقد اختار الحسن الثاني زملاء "سيدي محمد" بالمدرسة المولوية من أبناء معلمين وأشخاص بالكاد ينتمون إلى ما يمكن تسميتها بالطبقة الوسطى. ليشكل هؤلاء جيلا آخر من أجيال المدرسة المولوية التي تأسست في عهد الاحتلال الفرنسي سنة 1942، لتقديم تكوين وتربية نموذجيين لأبناء القصر، والتي كان يحرص الملك الراحل محمد الخامس على أن يكونان نابعين من تقاليد المغرب الضاربة جذوره في عمق التاريخ، والمرتكزة بالأساس على دين المغاربة الإسلام، وعلى المكون الثقافي واللغوي العربي الأمازيغي، دون إغفال التعليم العصري المنفتح على ثقافات ولغات عوالم البلدان الأجنبية، وهو ما تجلى من خلال اعتماد محمد الخامس على ولي العهد آنذاك مولاي الحسن ليكون لسانه في حديثه إلى ممثلي ومسؤولي تلك البلدان. جيل "سيدي محمد" بالإضافة إلى أنه نشأ على احترام نفس المرجعيات الثقافية والدينية، وتلقين مبادئ ومقومات الشخصية الوطنية، فقد كانت بصيرة الراحل الحسن الثاني واعية بما يجري ويدور في البلدان المتقدمة، من اهتمام مضطرد بالعلوم الحديثة وخاصة في ما يتعلق منها بمجال التدبير المقاولاتي؛ إنه الاهتمام بمجال الثروة على حساب التفقه في أداة الثورة وهي السلاح؛ فالحسن الثاني لم يكن يشأ، في سبعينيات القرن الماضي وإلى غاية آخر رمق من حياته، يتذكر المحاولتين الانقلابيتين في سنتي 1971و1972، اللتين كان من ورائهما أشخاص في بزات عسكرية ظلوا منذ السنوات الأولى من الاستقلال يُسوقون له صورة "خدام الأعتاب الشريفة" المخلصين؛ لذلك فالصورة القاتمة التي ظلت ترتسم في مخيلته دفعته إلى توجيه زملاء "سيدي محمد" إلى تلقين وتعلم أسس ومبادئ "الثورة" الناعمة لعلهم يخدمون هذا المغرب تنمويا، عندما سيصبحون، وقد أصبحوا، ساسة البلاد الأوائل، فهل حققوا آمال الراحل الحسن الثاني؟

الهمة..جرّار الملك الذي يعيد الحرث 

يمكن القول، انطلاقا من المعطيات المتوفرة للعموم، أن أبرز أصدقاء الملك محمد السادس، الذين تتلمذوا إلى جانبه عبر تسلق درجات التعلم بداية من المدرسة المولوية ومرورا بالكوليج الملكي ووصلا إلى كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قد أُدمجوا مباشرة بعد تخرجهم الجامعي، بـ"أم" الوزارات (وزارة الداخلية) على عهد الوزير الراحل إدريس البصري للتعمق في شؤون الإدارة الترابية وأسرار الأجهزة الأمنية والإستخباراتية، وللاحتكاك بالعارفين ببنية التنظيمات السياسية المتواجدة على الساحة. وتبرز الأحداث التي نعيشها اليوم، في المشهد السياسي المغربي وتحديدا المشهد الحزبي، الدور الذي بات صديق الملك الأول، فؤاد عالي الهمة، يلعبه في رسم خارطة طريق "العهد الجديد"، لاسيما بعد تأسيسه حزب الأصالة والمعاصرة، وهنا نستحضر إشارتين ساطعتين تبرزان بما لا يدع مجالا للشك قدرة هذه "الصديق" الملكي على إحداث تغيير في المشهد السياسي؛ حيث بين عشية وضحاها يجعل "قياديا" اتحاديا (إدريس لشكر) يُغير موقفه بدرجة 180 درجة، ويتعرى من مبادئه الحزبية كلية من أجل "خلوة غير شرعية"، على الأقل بالنظر إلى ما ظل يرفعه من شعارات مناوئة لـ"الوافد الجديد"، لنيل حقيبة وزارية، ولكي يغير الموقف المناوئ لـ"البام" ولشخص الهِمة صوب حزب العدالة والتنمية. نفس الانقلاب، وإن كان يختلف في الطريقة، ذاك الذي أطاح بمصطفى المنصوري من على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار، وكذا من رئاسة الغرفة الأولى للبرلمان، لفائدة كل من صلاح الدين مزوار وعبد الواحد الراضي، على التوالي، لمجرد أن الرجل أبدى تضايقا في أحد مجالسه الخاصة، من هذا الـ"فؤاد".      
فؤاد عالي الهمة، هذا الشخص الذي رصدته المذكرات المنشورة في موقع "ويكيليكس"، حيث ذكرته بعض مذكرات وزارة الخارجية الأمريكية بأنه شخص"مهم" ويحظى بمكانة خاصة لدى الدوائر العليا بالبلاد، استطاع أن يثير زوبعة سياسية على الساحة الوطنية، بعدما تمكن من حصد مقاعد مهمة بالانتخابات الجماعية والمهنية لسنة 2009، لا بل جعله دوره البارز على الساحة، نقطة قصف حتى من لدن المربع الذهبي المحيط بالملك. وبالرغم من المؤاخذات العديدة التي ظل يجابه بها منذ بروزه كسياسي حزبي مقرب من الملك، إلى درجة تشبيه حزبه بجبهة "الفديك" على عهد الحسن الثاني، وهو ما جعل البعض يتهمه بإفساد اللعبة السياسية وتدخله في الشؤون الداخلية للأحزاب بل ورسم خارطة المجالس المحلية وخاصة بكبريات المدن على المقاص الذي يريد، فإن بعض المتتبعين يجدون العذر للرجل حين يبررون دوره بأنه يستند إلى تجربة عملية بكواليس الداخلية، يتمنى كل سياسي له طموح أن ينال قسطا يسيرا منها، هذا إضافة إلى تكوين الهمة القانوني، وامتياز ثقة الملك به، وهو ما جعل أبواب المعلوم تشرع في وجهه من لدن كبار المسؤولين، الذي بات الأمر مختلطا عليهم، فلا يميزون بين ما هو قانوني وما ينتمي إلى قاموس التعليمات، حين يتعلق الأمر بقضاء "حاجة" لـ"السي فؤاد". الهمة برصيده "الترابي" نسبة إلى ما حققه من اكتساح على مستوى الانتخابات الجماعية، وإلى علاقاته بدهاليز الداخلية التي تمتد إلى سنوات خلت، تمكن من دحر حسن أوريد أكثر من مرة، كما وجه الكثير من الضربات لكل من رشدي الشرايبي وياسين المنصورين ومنير الماجدي. ويبدو أن علاقة الهمة الوطيدة بأجهزة الداخلية ولاسيما المخابرات الـ"ديستي" ورئيسها عبد اللطيف الحموشي، بدت رائحتها تفوح في الأيام الأخيرة، من خلال إحدى الصحف اليومية(المساء)، التي أصبح مديرها لا يخفي "ولاءه" و"دفاعه" المستميت على كل من مدير "لادجيد" (المخابرات الخارجية) ومنير الماجدي الذراع التي تدير ثروة الملك محمد السادس. لكن فؤاد عالي الهمة، وبحسب المراقبين، فإنه يعتبر أكثر شخصية في المربع الملكي استثمرت الإعلام العمومين وإلى حد ما بعض الغعلام الخاص، لصالحها، لذلك لوحظ "انحراف وزيغ" للموالين له داخل الوكالة الرسمية للأنباء والقنوات التلفزية العمومية، والذين يفبركون صناعة الأخبار وتوجيه التحليلات والتعاليق وتسريب المعلومات. تمحورت إستراتيجية الهمة حول شعارات ديمقراطية براقة، واستقطب بذلك عدد من الصحافيين واليساريين البارزين، وأُطرا من الحقوقيين والفاعلين المدنيين والمثقفين، في سياق اشتغاله على قضايا حساسة، كملف الصحراء وانفصاليي الداخل وهيئة الإنصاف والمصالحة، وإعادة تشكيل الحقلي السياسي والإعلامي.

الماجدي..الذراع المالية للمملكة الشريفة

في الوقت الذي حمل فيه شباب الـ"فيسبوك" لافتات تضم جنبا إلى جنب كلا من فؤاد عالي الهمة ومنير الماجدي، بما يوحي أن الرجلين على جبهة واحدة، تبرز الأحداث المتسارعة في داخل المربع الذهبي أن احتكاكا آخذا في التصعيد بين الرجلين بدا يطفو على السطح، وتقوم بعض الصحف بتصريف هذه "الحرب" بالوكالة عن الرجلين. الصراع بين الماجدي والهمة، يدخل ضمن ما يمكن تسميته بـ"صراع السلطة والمال"؛ فالهمة الذي أحدث رجة كبرى في المشهد السياسي، ودك أحزابا  بـ"جراره" (رمز حزب الأصالة والمعاصرة )، يحتاج إلى مزيد من الدعم والمساندة من الرأسمال، وإلى متنفسات ثقافية واجتماعية (الرياضة والمهرجانات). هنا يبدو دور الطرف الآخر في "اللعبة الكبرى" بالمربع الذهبي، حيث يتربع منير الماجدي، على سلطة من نوع آخر مستغلا في ذلك مؤهلاته في تدبير الثروة وهيكلة قطاع المال والأعمال. حيث بالإضافة إلى امتلاكه لـ"إمبارطورية" إشهارية، باتت تسيطر على الواجهات الإشهارية المنتشرة بمختلف مدن المملكة، فإن طموحه أصبح بدون حدود، ويمتد إلى الرياضة من فريق الفتح الرياضي الرباطي إلى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم عن طريق بعض المحسوبين عليه، في الوقت الذي تشير بعض المصادر إلى أن عين الرجل على اللجنة الوطنية الأولمبية، بعد أوعز له، في وقت سابق، بعدم خلافة الحسني بنسليمان على رأس جامعة كرة القدم. هذا بالإضافة إلى سيطرته على أبرز وأشهر مهرجان فني بات ينظم بالمغرب. فحينما يصول عالي الهمة ويجول في مختلف أنحاء المغرب، مؤكدا "سطوته" و"سلطته" في  تدبير خارطة التراب الوطني والمجالس المحلية والجهوية، هامسا في آذان المقربين منه بأن له "الضوء الأخضر" ليفعل "ما يراه مناسبا"، يكون "ابن الرحامنة" بانتصاراته تلك يوج الرسائل بل والضربات وأحيانا تحت الحزام لخصوم المربع الذهبي. لكن المتتبع لمهرجان موازين بالرباط الذي يقام سنويا، والذي يحضره أمراء القصر، يبرز مدى قدرة الماجدي على تلبية متطلبات الجانب الترفيهي للامراء والأميرات؛ وحينما كانت الأميرة للا سلمى تبتسم منتشية بالعروض الفنية التي كانت تقدمها المغنية الأمريكية "ويتني أوستون" فوق إحدى خشبات مهرجان موازين، في إحدى دوراته، كان هذا الموقف يعني أن محمد منير الماجيدي، صديق الملك وكاتبه الخاص ورئيس جمعية "مغرب الثقافات" المنظمة للمهرجان، عرف كيف يحول هذا المهرجان إلى حدث فني كبير يستقطب النجوم العالميين كما يستقطب أيضا الأمراء والأميرات، وهو ما يجعل الماجدي يكسب بشكل سنوي نقطا إضافية في مباراة الملاكمة التي يخوضها ضد الخصم اللدود الهمة. 
لقد كانت الصدفة عاملا حاسما في إدخال الماجدي إلى المربع الذهبي للسلطة، فقد كان محمد السادس يحتاج في وقت من الأوقات إلى كفاءة عالية في التدبير المالي، والتفت يمينا وشمالا إلى المحيطين به من أصدقاء الدراسة، لكنه لم يجد من يشفي غليله من هؤلاء الذين تدربوا على الإدارة المحلية والأمنية أكثر من أي شيء آخر، بحكم التكوين القانوني والسياسي والإداري، الذي تلقوه ، وفي سياق تقديم الديوان والمستشارين لعدد من لي"C.V"، إلى الملك، برز اسم منير الماجدي كمرشح لقيادة تسيير وتنمية ثروة الملك، ولإحداث دورة حيوية في المجال الاقتصادي. 

المنصوري..العين اليقظة 
   
بالرغم من جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه في حماية الأمن الخارجي للبلاد وقيادة إدارة التجسس خارج الحدود فإن الملك أوكل هذا المنصب لصديق الدراسة الكثوم والهادئ بسبب خجله، ياسين المنصوري. الرجل كثير الإصغاء، له علاقات خاصة جدا بالكتب والرقاءة، وهو ما سمح له بالتوفر على أدوات تحليل المواضيع التي تطرح عليه، وعندما يكون الأمر يتعلق بمجال اشتغاله فإن نظرته الثاقبة للأمور تجعله رجل إستراتيجية بامتياز، كيف لا وقد تمكن من أدوات عالم الاتصال والإعلام، منذ زمن عندما أوكلت له إدارة مؤسسة إعلامية من حجم الوكالة الرسمية للأنباء، التي يتحسر زملاء بها وموظفوها كثيرا وهو يقارنون مالا يقارن بين مدراء لاحقين لهذه المؤسسة وآخرهم بوزردة وبين المنصوري، ليخلصوا إلى أن هناك فرقا شاسعا بين الطرفين؛ لأن المنصوري طيلة الفترة التي قضاها على رأس الوكالة، اعتُبر رجل تواصل بامتياز مع العاملين بها، ويدير الوكالة ليس بمنطق المغرور الذي حظي بمنصب سام، ولكن من منطلق رئيس إدارة يصغي بتواضع إلى كل الموظفين دون تمييز، ولم يكن موقعه المقرب من الدوائر العليا إلا ليزيد في وداعته الطفولية البريئة، التي لم تكن لتلغي بداخله صفات المسؤول الصارم مع المتهاونين في أداء مهامهم. 
كثمانه الطبيعي جعله يتوفر على أولى وأهم خصال رجل المخابرات الأول الذي يؤتمن على أسرار أمن البلاد والعباد. وتواضعه الذي اتصف به منذ سنواته الأولى بداخل المشور السعيد وبرفقة ولي العهد "سيدي محمد" ثم برفقة الملك محمد السادس، لم يُلغ يقظته وحذره من "ألغام" الطرق المتشعبة في ما وراء أسوار القصر، ولعل ذلك ما يفسر ابتعاده عن ضجيج وصخب الصالونات الرباطية وغير الرباطية التي يكثر من الحضور إليها العديد ممن يحظون بالقرب من محمد السادس؛ وأبرزهم عالي الهمة الذي فرض عليه ارتماؤه على الساحة الحزبية الحضور المتكرر في اجتماعات حزب "البام" وكذا اللقاءات "الخاصة" التي تُرتب لتشكيل الخارطة السياسية والحزبية. إن حرصه على سرية معلومات الدولة، على مستوى الأمن الخارجي للمغاربة، وتكليفه بإدارة ملف القضية الأولى للمغاربة (ملف الصحراء) الذي انتُزع من براثين أم الوزارات، مع ما خلّف ذلك من "ردود غير ودية" من طرف الابن الشرعي لـ"دار ليوطي"، (فؤاد علي الهمة)، كلها عوامل لم تزد المنصوري إلا إصرارا على مزيد من رفع التحدي؛ كثمان قليل وانفتاح متزايد على مختلف الشرائح الحزبية والمدنية من أجل ممارسة الهواية التي لا تتوفر لأي كان؛ الإصغاء. ولذلك فقد أعطى انطباعا لدى السياسيين ومناضلي الحقل المدني المغاربة بأنه محاور جيد؛ وبعكس ما هو معروف لدى غالبية المهتمين من أن فؤاد الهمة هو من كان من وراء إعطاء الضوء الأخضر لليسار للالتفاف حول "المشروع الحداثي" للعهد الجديد، الذي جسده عمليا حزب "الجرار"، يشير رأي غير منتشر كثيرا بأن المنصوري يعتبر أحد الذين وافقوا على وجود اليسار الجذري قانونيا، خاصة رفاق الحريف، والكل يتذكر هنا صورة ياسين إلى جانب القيادي الشيوعي أبراهام السرفاتي لحظة عودته من المنفى إلى أرض الوطن. والمسألة، بهذا الشأن، لا تتعلق بمحظ صدفة، بل إن أحد أفراد عائلة المنصورين وهو شقيقه، كان من نشاط الحركة الماركسية اللينينية "إلى الأمام"، بالإضافة إلى احتكاك هذا الرجل أثناء محاضرات كلية الحقوق بأكدال مع "رفاق" الحركة الطلابية. 
في المرحلة التي قضّاها إلى جانب الهمة وبنيعيش والشرايبي بوزارة الداخلية، لم تطله نظرة "الريب" التي عُومل بها زملاؤه من طرف رجل الحسن الثاني القوي، إدريس البصري، وبدل ذلك فقد نالت يقظته وطابعه الكثوم رضا البصري وهو ما جعله يوصي به خيرا، بداية من نهاية الثمانينات، صقور جهاز الـ"ديستي" كعلابوش وبن حربيط، ذاك الصدى الإيجابي اخترق أسوار القصر ليصل إلى علم الراحل الحسن الثاني، وهو ما جعل البصري، الذي كان يسترق "الفرص" يسارع إلى تعيين الرجل في منصب رئيس ديوانه فترة من الزمن. بعد هذا المسار الحافل تقرر إرسال ياسين المنصوري إلى الولايات المتحدة عام 1992 ليتلقى تكوينا في الـ"FBI" (مكتب التحقيق الفيدرالي)، قبل أن يعود إلى مكتبه بوزارة الداخلية. أول اختبار حقيقي للرجل ارتبط بأحداث العيون في يوليوز 1999، عندما قرر انفصاليو الداخل القيام بمسيرة جابت شارع محمد الخامس وكانت تقصد المشور السعيد، ورفعوا فيها شعارات خطيرة. المناسبة الاستثنائية جعلت محمد السادس يكلف صديقه بإعداد تقرير مفصل حول هذه الأحداث. التقرير الذي أنجز في وقت قياسي جاء في خضم صراع الأجهزة الأمنية بالصحراء، أكد وجود "ثغرات وأخطاء" أمنية على مستوى خطير شمل ضلوع حتى اعلى هرم الداخلية، مما جعل محمد السادس يسارع إلى إقالة إدريس البصري وعلابوش، ليعين مباشرة بعد ذلك، أي في 16نونبر1999 مديرا عاما لوكالة المغرب العربي للأنباء، وهو ما اعتبره البعض مكافأة للرجل على مهمة أمنية قام بها في ظرف عصيب وقياسي.  وبالإضافة إلى الزخم الذي اكتسبه في مسؤوليته على رأس الوكالة الرسمية، إلا أن أحداث 16 ماي 2003، اعتبرت منعطفا حاسما في مسار ابن أبي جعد، إذ عينه الملك في مارس 2003 على رأس المديرية العامة للشؤون الداخلية، للتحضير للانتخابات الجماعية،وهو ما مكنه من التقرب أكثر من زعماء مختلف الأحزاب والاطلاع عن قرب على طريقة تفكير هؤلاء وعلى رؤيتهم لمستقبل البلاد. لكن ابتعاده عن الأضواء كان فقط من أجل توسيع دائرة معارفه وعلاقاته، حيث امتدت اهتماماته إلى مختلف المجالات الحيوية، بحكم خبرته بوزارة الداخلية؛ فمن قطاع الصيد البحري إلى ملفات المخدرات والهجرة السرية والإرهاب ثم الصحراء، كلها انشغالات جعلت صديق الملك الكثوم يحظى بـ"الثقة" المولوية لترأس "لادجيد" في فبراير 2005، رغم أنه شخصية مدنية في حين ظل العرف يمنح المنصب لأصحاب البذلات العسكرية، وهو ما أثار "غضب" بعض أطراف القوات المسلحة. وليواصل ياسين مسلسل نجاحاته، رغم الدسائس التي مافتئ بعض زملائه في الدراسة مع الملك، ولينال ثقة الأمريكيين والأوربيين على السواء، من خلال تحركاته المكوكية على المستوى الإقليمي والدولي، والتي رصدتها مذكرات وزارة الخارجية التي نشرها موقع "ويكيليكس" العالمي، الذي رصد أيضا تحركات "الشخصية المقربة جدا من الدوائر"، والمقصود عالي الهمة. 

الشرايبي.. "فينيق" أسوار القصر 

اعُتبر رشدي الشرايبي، ظل الملك الجديد الذي يشتغل بالديوان، بمثابة الحاجز الذي تصطدم به طموحات زميله في الدراسة فؤاد عالي الهمة، لذلك استعمل هذا الأخير كل الأوراق لإزاحته من طريقه، مستعملا في ذلك العديد من الوسائل وخاصة منها الآلة الإعلامية. 
هو ابن عبد المجيد الشرايبي، المعلم بالمدرسة المركزية بورزازات والمتفقد للكتاتيب القرآنية، صاحب الخط الجميل. تمتد أسرته العريقة في أعماق المجتمع المغربي؛ فجدته سوسية، وخاله مراكشي وأعمامه من أهل الشاوية. كان اسم الشرايبي هو رشيد الذي ولد بورزازات عام 1963، لكن الحسن الثاني أطلق عليه اسم رشدي، لأن هناك أميرا بالقصر اسمه مولاي رشيد، كان ذلك أشبه بعملية تبني، كما يرى بعض المراقبين، لهذا الفتى الذي سيصبح أقرب مقربي الملك، وأقوى رجالات العهد الجديد، رغم دسائس القصور والصراعات المتأججة يوما عن يوم. 
في يناير 2002، حين عين الملك محمد رشدي الشرايبي إلى جانب حسن أوريد ومزيان بلفقيه وعبد الوهاب بنمنصور في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، اعتقد الرجل الطموح (الهمة)أن الكثير من أوراق السلطة سيجني أرباحها ويقطف ثمارها صديقاه في الدراسة لوحدهما(الشرايبي وأوريد)، وهنا سيتأجج الصراع بين الاثنين من جهة، وبين ابن ابن جرير، سيكون من نتائج الصراع أن تم "تهميش" الشرايبي لبعض الوقت ما بين 2002 إلى 2004، قبل أن يعود إلى الواجهة من خلال لائحة تعينيات الولاة في يونيو 2005 وما تلاها.
عاد طائر "الفينيق"، كما يشاء البعض أن يطلق عليه، إلى مهامه في الديوان الملكي، وطار إلى عدة عواصم عربية ودولية من أجل مهام خاصة ابتداء من فبراير 2005، وهو ما كان يعتبر بمثابة محاولة إبعاد هذا المقرب من الملك عن دائرة الدسائس التي لم تخمد، والتي أبى فؤاد عالي الهمة إلا أن يسرب بعض فصولها إلى الصحافة، من خلال ما عرف بـ"الغضبة الملكية" على الشرايبي. ومع ذلك فإن رشدي الشرايبي ظل في أجندة الدوائر العليا التي عينته على رأس مؤسسة ورزازات الكبرى للتنمية المستدامة، قبل سنة ونيف، في ما يعتبر بداية التمهيد لتطبيق نظام الجهوية الجديدة من خلال تقسيم التراب الوطني إلى مناطق تديرها مؤسسات على رأسها أسماء قريبة من السلطات العليا، كمؤسسة الرحامنة كذلك.



عبد الله توفيق عدد 22 ل 4 ابريل 2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق