عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

الإسلاميون.. سجال الهوية والنهضة إسلاميون نجحوا في تطوير الخطاب وآخرون لا زالوا مؤمنين بالدولة الثيوقراطية


كتاب هام من عدة زوايا، ذلك الذي أتحفنا به الباحث نواف القديمي، ويحمل عنوان: "الإسلاميون.. سجال هوية والنهضة".
مهم لأنه يضم اجتهادات معرفية للائحة من المفكرين والباحثين العرب بخصوص الظاهرة الإسلامية الحركية، ولأن الظاهرة مجتمعية ومُرَكّبة في آن، فإنها، بتعبير المفكر الموسوعي الراحل عبد المسيري (تغمده الله برحمته)، تتطلب ما كان يصفه بـ"نموذج تفسيري مُرَكّب"، وهذا عين ما نطله عليه بشكل أو بآخر في هذا العمل، من منطلق أن أنه يضم عدة قراءات من مرجعيات مختلفة.
الكتاب عبارة عن تجميع لدراسات ومقالات تتعرض بالتقييم والنقد للحركات الإسلامية، يجمع بينها النشر في يومية "الشرق الأوسط" اللندنية، وجاءت فصول العمل تحت العناوين التالية: موسم العنف وسؤالات المعرفة، قلق "الإسلام السياسي"، حُلم النهضة، سجالات "الصحوة" و"التنوير"، جدل الديمقراطية، تضخّم الشيخ وتضاؤل المرأة، أحاديث الحرية. وضمن كل فصل من هذه الفصول نطلع على عناوين فرعية لموضوع اشتغلت عليه ثلاثة أسماء، ونقرأ ضمن هذه العناوين: "أسلمة المعرفة هل تقودنا نحو "الإسلام الشمولي"؟"، "رواج البحث في "الإسلاميات": شعور بأهمية الفكر الإسلامي"، "في التطرف: أيهما أسبق النزوع الفطري أم التطرف الفكري؟"، "سيد قطب: هل شكل فكرا مأزوما أم دفعة نحو الفاعلية؟"، "جدلية الدين والسياسة من يطوع من؟"، هل يجب الفصل بين الدعوي والسياسي؟"، "هل تجاوز الفكر الإسلامي حلم إقامة الدولة الإسلامية؟".

+++ المسيري .. ناقد الحداثة الداروينية
ميزة العمل أيضا، أنه ضم إحدى مساهمات المفكر الموسوعي الراحل، عبد الوهاب المسيري (رحمه الله)، والذي لا يبدو أن صناع القرار الثقافي في الوطن العربي والعالم الإسلامي استوعبوا ثقل الخسارة الثقافية التي جسدها غيابه المادي، والتقليل من موروثه الروحي والمعرفي.
نبدأ بالذي صدر عن عبد الوهاب المسيري، في محور خاص بموضوع "أسلمة المعرفة"، معتبرا أن مشروع أسلمة المعرفة، ليس فريدا أو شاذا، بل هو جزء من تيار عالمي أدرك أن الأطروحات المادية الضيقة التي تصدر عنها الحداثة الغربية الداروينية قد أدخلتنا في طريق مسدود، من أزمة بيئية إلى أزمة أخلاقية إلى حالة صراع. ولذا فثمة بحث مستمر عن حداثة إنسانية ترفض التقدم المادي المستمر وتصاعد معدلات الاستهلاك كهدف نهائي.
من جهته، وصف الباحث اللبناني علي حرب المشروع بالردة العقائدية على التفوق المعرفي الغربي وتغليب لعقلية الدعوة والنضال على لغة الفهم والمعرفة، مضيفا أن مقولة الأسلمة تصنيف للعلوم والمعارف على أساس ديني ربما يتعارض مع تصنيفات العالم للعلوم طبقا لمجالاتها بل ربما يتعارض مع تصنيفات العرب الأوائل للعلوم بين عقلي ونقلي وبرهاني وعرفاني، ليخلص إلى أن أسلمة المعرفة أحادية شمولية وماثلها بدعاوى الأصوليين حول الفرقة الناجية، بل ذهب إلى مرتبة اتهام المشروع بتقويض مشاريع التحرر من الهيمنة لأنه أمام انغلاقها تترك للآخرين حرية التفكير لنا لأنهم يفكرون عالميا، في تقاطع مع ما أشار إليه الباحث السعودي عبد العزيز الخضر (رئيس التحرير السابق لصحيفة "المحايد" السعودية، ومحرر مقدمة العمل)، حيث اعتبر أن مفهوم إسلامية المعرفة من شأنه تشكيل إعاقة معرفية في المستقبل لأن العلم وآلياته، يغلب عليه طابع الحياد ويتضح هذا الحياد غالباً في مجال العلوم الطبيعية، وجاعلا من المشروع امتدادا في عقوده الأخيرة لما كان من محاولات بسيطة تمت في أوائل القرن الماضي وأنه يأخذ أكثر من اتجاه، بعضها محاولة لإبراز بعض الجوانب الإعجازية في القرآن والسنة النبوي، وبعضها الآخر في التنقيب عن الجهود العلمية المتميزة الموجودة في تراث الحضارة الإسلامية في أكثر من مجال كمحاولة لوضع صيغة إسلامية للعلوم الطبيعية والإنسانية.
بالنسبة للمشرف على تجميع العمل، الباحث نواف القديمي، نقرأ في مبحثه "الإسلام السياسي جدلية الديني والسياسي"، أن البحث عن الخيط الفاصل بين "الديني" و"الدنيوي"، بما يتضمنه من نزعات سياسية واجتماعية وسواها، من أهم وأعقد المباحث الفكرية والفلسفية في العصر الحديث. وبالنتيجة، أصبح الحديث عن "الإٍسلام السياسي"، أكثر رواجا من أن يقتصر على اهتمام الدوائر البحثية والثقافية بسبب تزايد أهمية هذا المبحث لارتباطه المباشر بالفعل السياسي الملتصق بحياة الناس، ودخوله ميدان التأثير المتزايد على دوائر السياسة الدولية. خصوصا بعد أحداث سبتمبر التي جعلت الحديث عن "الإرهاب" مرتبطا في كثير من الأحيان بالحديث عن "الإسلام السياسي".
إضافة إلى ذلك، فإن هذه الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، تبقى في حقيقتها تجمعات ديمقراطية تؤمن بالتعددية السياسية وبحرية تشكل الفكر ضمن الفضاء السياسي والثقافي المفتوح. وباتت تعلن أنها لا تحتكر فهم الإسلام، وأنها لا تمثل إلا رؤاها وأفكارها السياسية.

+++ الإسلاميون بين خيارين 
في الاتجاه المعاكس لهذه المقاربة، نقرأ للكاتب والإعلامي المصري صلاح عيسى أن التيار الإسلامي كان ولا يزال، أحد التيارات الأصيلة، في الحركة الوطنية العربية، منذ حلقاتها الأولى، وأنه ساهم مع غيره في مواجهة الاحتلال الأجنبي، وتحقيق الاستقلال الوطني، ولا ينازعه أحد، حقه في التواجد المشروع، على الخريطة السياسية في مجتمع ديمقراطي تعددي، لولا أن الذين يشكون ويشككون في مدى إخلاص جماعات الإسلام السياسي للديمقراطية، لا ينطلقون من فراغ، إذ أنهم ينطلقون من وقائع راهنة، ويعبرون عن مخاوف مشروعة، وهي مخاوف من مصلحة جماعات الإسلام السياسي أن تعرفها، وأن تعترف بشرعيتها، وأن تتحاور حولها، بدلا من الشكوك المتبادلة.
وبعد ترحال مطول للكاتب مع مستجدات الظاهرة بعد صدمة اعتداءات نيويورك وواشنطن، وتعاطي إسلاميي الوطن العربي مع مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والعلمانية، مدققا على الخصوص في "العلمانية السياسية"، يدعو عيسى الحركات والأحزاب الإسلامية لضرورة الحسم في أحد خيارين لا ثالث لهما: إما أن تتحول "الأحزاب الإسلامية"، من أحزاب سياسية، إلى جمعيات دعوية وخيرية، تدعو للحفاظ على فرائض الدين وللتضامن بين المؤمنين به، من دون أن تقحم نفسها بالشأن السياسي، أو أن تفتح باب الاجتهاد، للتوصل إلى صيغة، تسمح لها بالعمل السياسي، انطلاقا من الإقرار بالعلمانية السياسية، على النحو الذي فعلته الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب.

+++ مأزق الإصلاح الديني
الاستشهاد بالتجربة الغربية في الإصلاح الديني، يحيلنا على ما جاء في مبحث رصين للباحث عادل الطريفي، مدققا أولا في الجواب على السؤال المطروح بتساؤل وتفكر أكثر من إدعاء الوثوقية الزائفة التي يفرضها المنطق الأيديولوجي الديني والقومي: "هل الطريق إلى الحضارة، يمر لزاما عبر الإصلاح الديني؟"، وبتعبير أفصح: "هل الإسلام اليوم بحاجة للإصلاح الديني لكي تكتسب الشعوب الإسلامية الحضارة الغربية الحديثة؟"، (ما دام صلاح عيسى، يحيلنا قطعا على النموذج المعرفي/الحضاري الغربي، دون سواه، على غرار ما يصدر عن العديد من المفكرين والباحثين العرب، داخل وخارج المجال التداولي الإسلامي العربي).
لا يقل السؤال الثاني أهمية عن الأول: "هل يمثل الإصلاح الديني الحل؟"، ملاحظا أن الإجابة لا يمكن أن تكون بنعم أو لا في هذه الحالة. فالعالم الإسلامي والعربي بحاجة إلى إصلاح ديني بالمعنى اللوثري البروتستانتي، الذي يمهد للانتقال من المفهوم "الأرثوذوكسي ـ السلفي" لفهم الإسلام إلى فضاء التأويل النصوصي والنقدي للكتب والآثار الدينية، ويكمن المأزق المفاهيمي الأكبر في مشروعات من هذا النوع، أنها موؤدة تحت حراب الحركات الإسلامية التي تتميز إيديولوجيتها الدينية بأنها "إيديولوجيا اختزالية".
أما عبد الوهاب الطريري، فقد اعتبر أن الدين مكون أساسي للشعوب المسلمة لا يمكن سلخها منه والانطلاق بها خارجه، وأي مشروع حضاري أو نهضوي في العالم الإسلامي محكوم بالفشل ما لم يعتمد البعد الديني الذي يحشد الناس ويجيشهم لصالح دعم هذا المشروع، والانطلاق الحضاري لا بد أن يكون مستصحبا لمنظومة القيم والأخلاق والعلوم والمعارف، والإسلام جاء آمراً أمر وجوب أو استحباب بذلك، فلا بد للحضارات من الإسلام بهذا المفهوم وهذه التركيبة، وإذا كانت الشواهد دليل النجاح فالتاريخ فيه شواهد رائعة.
بالنسبة للباحث الأردني رحيّل غرايبة، فيرى بداية أنه من الظلم الفادح أن يتم السماح بتأسيس الأحزاب السياسية من كل لون ومن كل فكر باستثناء الأحزاب التي تستند إلى رؤية الإسلام وفلسفته، بحجج واهية وخادعة، وغالبا ما يقال لأنها أحزاب دينية، أو الزعم باستغلال الدين، مدققا في أن هذا الاتهام لا يستند إلى منطق بشري ولا منطق ديمقراطي، ولا منطق حقوقي.. ولا يستند إلى فهم صحيح للإسلام، من منطلق أنه لا يوجد من يملك قرار مصادرة هذا الحق بوصفه وصيا على الشعب، أو وصيا على الديمقراطية. وأن الذين يرفعون أصواتهم بنفي حق الأحزاب الإسلامية بالتشكيل والعمل والمشاركة في الحكم أو المشاركة في العمل السياسي إنما يعد ذلك مصادرة للحق المكفول بكل شرائع السماء والأرض.

+++ بين الديني والسياسي
ارتأى أسامة الغامدي، في باب "الإسلام السياسي: جدلية الدين والسياسة"، افتتاح مداخلته على ما يشبه مُسلّمة، مفادها أن رسالة الإسلام في الأصل أخلاقية ومعرفية، تأسيسا على ما جاء في الآية الكريمة: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" (سورة الجمعة. الآية 2)، بما يخول له التفريق بين وظيفة "الدين" الرئيسة وبين اجتهادات بشرية كشريعة حمورابي مثلا التي عنيت بالإجراءات والجزاءات، بينما كرس الإسلام القيم وترك السياسات للبشر يبتليهم بمحاولة استنباطها وفق سنن الاجتماع والعمران. ولكي لا يبقى الباحث متجنيا، يعترف أن طرحا كهذا عن ضرورات ومبررات "الحل الإسلامي"، بدأ يتراجع منذ أوائل التسعينات لصالح فكرة التواصل الإنساني، والبحث عن المشترك الحضاري، والإفادة من تجارب الأمم الأخرى.
أما أهم الخلاصات التي تتقاطع مع المدافعين عن أطروحات الإسلاميين في الكتاب، فيمكن إيجازها في النقاط التالية، كما جاء في خاتمة مبحث الغامدي، دون سواه:
ـ أن بعض الحركات الإسلامية نجحت في تطوير خطابها واستطاعت أن تتواصل مع اللغة السياسية السائدة عالميا بشكل إيجابي. وأدركت أنه لم يعد من المقنع المماحكة في قضايا كبرى كحقوق الإنسان، أو الافتئات على الديمقراطية، أو مشاركة المرأة في الحياة العامة بدعوى الخصوصية الثقافية والاجتماعية، وأن الخلاف حول التطبيقات والآليات يجب ألا يطال المفاهيم والأفكار فتتعطل القيم والمضامين.
ـ للإسلام مقاصد عليا من تحقيق العدل و ضمان الحريات والسعي للسلام العالمي والتواصل الحضاري وهو ما يجعله كفيلا بتشرب هذه القيم التي باتت أعلى من أي أيديولوجيا تحاول احتكارها، بما في ذلك (الغرب) الذي بشر بالعولمة ديناً جديداً يحاول تكريس هذه القيم بشكل منفرد.
ـ أن بعض الاتجاهات الإسلامية لازالت تؤمن بفكرة الدولة "الثيوقراطية" التي تحكم باسم الله، إذ لا سبيل والحال كذلك للشفافية والمحاسبة وتداول السلطة، وهذه مفاصل الممارسة السياسية المتقدمة، بل من صلب ما دعا إليه الإسلام في أمر الولاية.


ماوراء الحدث عدد 22 ل 4 ابريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق