المغرب يشارك في قمة باريس لمساندة الشعب الليبي لثلاث اعتبارات :
- التعاون الاستراتيجي مع ساركوزي. فالاستجابة أتت بفعل دعم باريس لخطوات المملكة وسياساتها من أزمة العيون وإلى التعاطي مع إصلاحات أطلقها العاهل محمد السادس أخيراً.
- أن الرباط تدعم توسيع النفوذ الفرنسي في العمق الليبي، لأنه عمق جديد للكتلة المغاربية Le grand maghreb فتعزيز ساركوزي لدوره في ليبيا عمل فرنسي لجعل شمال أفريقيا "منطقة ديمقراطية" بعدما اعتبر بوتفليقة رفع الطوارئ خطوة أولى في طريق الإصلاحات، ويعمل محمد السادس على إصلاحات "تؤدي إلى ملكية دستورية" لأول مرة في تاريخ المملكة، كما قال آلان جوبيه في مجلس الأمن.
ما يعتبره ساركوزي "توحيد شمال أفريقيا" من مصر إلى المغرب على أساس الديمقراطية والإصلاحات يؤسس لمنطق آخر، وهارمونية بديلة يقف أمامها القذافي كحالة استثناء يجب التخلص منها، بل ننشر مقطعاً من وثيقة (سرية) للإليزيه يعتبر فيها مشاركة الأردن "إتماما" لحلقة الجنوب المتوسطي المناهض للديكتاتورية من المغرب إلى إسرائيل.
وجود القذافي يعتبر استثناءً مضراً بالمنطقة، وبتحولها الديمقراطي من جهة، كما يعتبر "مهدداً لاستقرارها" بعد تدخله في تونس وفي الجزائر وفي مصر رافضاً ما يجري على الأرض في هذه الدول.
فرنسا – التي تضع المغرب نموذجها الملكي في التحول والديمقراطية – وأمريكا – التي تضع الأردن مثالها في المنطقة بعدما دعته (الطريق الخطأ لمملكة البحرين) – تستدعيان الرباط وعمان لحضور قمة باريس.
أولاً، لقطع الطريق كاملاً عن أي ممارسة ضد المدنيين أو المتظاهرين في المملكتين، واحتواء كل الجنوب المتوسطي في الجو الجديد الذي خلقته الثورة العربية بعد نجاح كل من مصر وتونس في تجاوز المرحلة الأولى، والدخول في مرحلة التعديلات الدستورية، فمصر عرفت استفتاء على هذه التعديلات والمغرب يدخل في التهييء لنفس الاستحقاق بعد تعيين لجنة المنوني التي تطابق في مهمتها ما قام به البِشْرِي في مصر.
- تبييض ملفِّها ضد المحتجين من أحداث العيون وإلى العنف ضد بعض عناصر حركة 20 فبراير.
ومن الناحية الاستراتيجية ؛ يقطع المغرب مع العمق الليبي المتأرجح في دعم جبهة البوليساريو، ويعتبر التحول الديمقراطي في ليبيا إلى جانب كل المتغيرات في شمال أفريقيا مدعاة لحل ديمقراطي لتسوية قضية الصحراء (الغربية). فضرب الاستثناء الليبي جزء من أمن الديمقراطية والحالة الجديدة لشمال أفريقيا ويفيد خطة حكم ذاتي موسع لحكم الصحراويين لأنفسهم.
تقول الوثيقة (القذافي سيفجر الديمقراطيات الليبرالية الجديدة في شمال أفريقيا).
بمشاركته في قمة باريس المغرب لا يمكنه مطلقاً أن يستعمل طائراته ضد المخيمات في تندوف
الرباط خسرت بفعل هذه التحولات وبمشاركتها في قمة باريس :
- إمكانية استعمال الطائرات لضرب المخيمات في تندوف.
- تكرار ما جرى في العيون.
- استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين.
التطورات تفرض في انسجام مع الديمقراطية التي تتوسع وتوحد منطقة الشمال الأفريقي والجنوب المتوسطي، أن يكون الحل ديمقراطيا في المقام الأول لقضية الصحراء (الغربية) وأن يستبعد الجميع (الخيار العسكري).
هذه الشروط في عمومها لصالح المملكة وإن حرمتها من امتيازها الجوي في حال شن البوليساريو لحرب، فالجبهة لا تمتلك طائرات، وتحييد السلاح الجوي المغربي هو السيناريو الأقرب إلى المنطق في عهد أوباما، وساركوزي بعد تطورات الملف الليبي وقرار مجلس الأمن 1973.
أجواء جديدة تضع في الحسبان (الحل التفاوضي والديمقراطي لحل قضية الصحراء). وتستبعد الحل العسكري، لذلك أفاد بان كي مون بعد أيام من جولة مالطا أن ما جرى خطوة إلى الأمام. وتعتقد مصادر أممية أن التقدم لم يكن في الجولة، بل في الأجواء الإقليمية التي تغير كل الخارطة في شمال أفريقيا وجنوب المتوسط ويمكن أن تساهم بشكل جدي في الانفراج.
هذه الأجواء الجديدة يهددها تواجد القذافي، خصوصا بعد أن أكد مدير أوباما للاستخبارات الوطنية جيمس كلابر (إن نظام القذافي سينتصر بعد أن وصل إلى بنغازي)، ولن يترك (القذافي) الأجواء الإقليمية سالمة بعد إعادة سيطرته على كل ليبيا، لأن طموحه وعمله في أفريقيا وفي الشمال سيؤثر على تونس ومصر المدعِّمتين للثوار.
يقول مارك تيسين في الواشنطن بوست (إن تبعات ترك القذافي ينتصر قد تمثل كارثة للأمن القومي الأمريكي) الشأن نفسه مع فرنسا التي اعترفت بمجلس بنغازي ممثلاً وحيداً للشعب الليبي، ولن تسلم مصالحها بعد ذلك، كما سيكون الوضع مؤثراً على مصالح المغرب، مما قد يقلب المعادلة في الصحراء (الغربية) ويكون ضد العمال المغاربة في ليبيا، لأن عودتهم بشكل كامل إلى المملكة (100 ألف) سيزعزع أمنها الاجتماعي.
انتصار القذافي خطر على أمن المغرب في الصحراء (الغربية) وفي الداخل.
القذافي اعتبر أن الغرب خانه، ولا يمكن أن يبقى وفيا له، وقد تعامل معه في السابق بلطف وسلم أسلحة الدمار الشامل التي لديه ونبذ الإرهاب.
عودة الكولونيل سيكون عودة قاتلة إن اتجه إلى عمله القديم حين فجر "بان أم 103" وقتل 270 شخصاً، ودمر طائرة فرنسية فوق النيجر وملهى "لابال" الليلي في برلين، وتآمر لقتل قيادات داخل السعودية، وتشاد ومصر والسودان وتونس وزائير.
وسيكون – حسب التقرير الاستخباري – القذافي حال إخماده للتمرد (غاضباً وأكثر جرأة) مما يعد مزيجاً خطيراً ضد المصالح الغربية، والفرنسية الموجودة في المغرب إحدى أهم أهدافه، وسيغير من خارطة الصراع في الصحراء (الغربية) رغم أن الجبهة لن تكون أداة سهلة في يده، ومصالح "الشعب الصحراوي" في المفاوضات يتجاوز خياراً يختلط فيه انتقام القذافي وصعوبة الحل مع المغرب. ساركوزي يعد الصحراويين بقرب الحل.
أوراق سرية أخرى، منها تقرير كلابر
فرنسا اتصلت بجبهة البوليساريو، ووعدت بتشجيع المفاوضات على أساس ما أكده آلان جوبيه : احترام رغبة الشعوب، فباريس ستنصت للصحراويين، وتدعم الحل السياسي في ظل الأجواء الجديدة.
إدارة ساركوزي رغبت في اتصالاتها أن تحاصر أي مد للقذافي، وأن تعمل على بناء الديمقراطية الشاملة لشمال أفريقيا. لأنها صاغت مصالحها على هذا الأساس. آلان جوبيه يدعم من جهة انتقال المغرب إلى ملكية دستورية ومن جهة أخرى يحترم "إرادة الشعوب"، وهذا التوازن يخدم بناء استقرار ديمقراطي في المنطقة، واستقرار إقليمي يقبل حلولاً جذرية لكل المشاكل بما فيها "الصحراء الغربية"، وقد كان التصريح المتأخر حول جولة مالطا نتيجة ما اتفقت عليه الأمم المتحدة وفرنسا لتسوية كل النزاعات والاستثناءات في شمال أفريقيا.
اليوم، دعم ساركوزي لجهود كريستوفر روس غير مسبوق، وهذه الإشارة حركت الطاقم المشرف على المفاوضات بين البوليساريو والمملكة لصياغة المقترحات شبه المقبولة لعرضها في الجولة الرسمية.
إدارة فرنسا تتقدم بما يفيد أمن تشاد والصحراء الجزائرية ومنع القذافي من عمقه (الافريقي) لتحصين الديمقراطيات الناشئة، وتوحيد الجنوب المتوسطي في إطار مبادرة المتوسط التي يعيد هيكلتها جذريا بعد ذهاب شريكه مبارك وضرب القذافي المعارض لهذا المشروع (الامبريالي) في نظره.
وخوف ساركوزي واضح من تسليم القذافي لإرهابيين وللقاعدة غازات الخردل والسارين وغيرها من الغازات الكيمائية، أو تحول المواجهات إلى كيميائية قاتلة (حسب مكالمته مع أوباما كما نقل صحافي برازيلي) الواقع الجديد فرض – للحسابات التي ذكرناها ولحسابات أخرى – الحرب على القذافي، لأن نظامه سيبقى مترنحاً ولن يحقق انتصاراً حاسماً، ويعني ذلك مأزقاً يؤدي في حال بقائه إلى تعريض كل المنطقة لخطر الصوملة.
القاعدة لم تدخل على الخط ولا ترغب، وربما يغيب القانون عن شرق ليبيا وتصبح منطقة غير خاضعة لحكم جهة معينة. وضع يؤدي إلى زعزعة "أمن" الصحراء الغربية في مصر، والحدود الجزائرية – الليبية.
التدخل حسب هذه التقارير أتى :
- كي لا يتحول زعماء التمرد إلى عناصر راديكالية.
- كي لا تتحول البؤر النصف باردة إلى ساخنة (الطوارق والصحراويون الغربيون).
- كي لا يدخل تنظيم القاعدة على الخط.
وإذا تمكن القذافي من البقاء، على الرغم من مطالبة أوباما برحيله، فإن ذلك يرسل إشارة ضعف أمريكي في شمال أفريقيا والعالم الإسلامي – حسب نفس التقرير – مما استدعى التدخل.
الضغوط الأمريكية – في هذه الحالة – لن يكون لها مردود كبير، إن تصور الجميع تحفظ أوباما على استخدام القوة لأسباب أخلاقية، وسيعني الوضع في ليبيا استثناءً في موجة الثورات العربية، وليس انتكاسة، فمن جهة، لا يخدم الأمن القومي الأمريكي ضعف تأثير الأمريكيين أو ضعف الثورة الديمقراطية، خصوصا في دول دخلت انتقالاً دستوريا (المغرب) أو سياسيا (في باقي الدول) ويكون ضعف التأثير الغربي عاملاً مساهماً على الانتكاسة. إذن إن جر المغرب إلى قمة باريس يستهدف الوصول إلى غايتين :
1 – حماية الانتقال الدستوري، وضغط الشارع لإنجاحه دون خسائر.
2 – التوجه إلى حل ديمقراطي وجذري في مشكل الصحراء (الغربية).
ساركوزي يعتقد بتقدم دستوري في المغرب يساهم في تقدم تفاوضي في ملف الصحراء (الغربية) فالملكية المتقدمة لجهوية متقدمة في المملكة يخدم في جزء كبير منه التحول الجاري.
أمريكا لم يضعف دورها في المغرب العربي، ولذلك بدأت العمليات ضد طرابلس في اتجاه إدارة بريطانيا لفجر أوديسة.
تصور الضعف الأمريكي سيسبب حسب تقرير (انتربريز) في هجمات القاعدة. ولا يمكن أن يتكرر مثل هذا السيناريو. ويضيف التقرير : السماح للقذافي بأن ينتصر سينتج المزيد من الإرهاب وصناعة القلاقل، والبوليساريو أداة في الوصول بالاضطراب إلى المتوسط.
الولايات المتحدة لديها مصلحة استراتيجية في مساعدة المتمردين الليبيين لإزاحة القذافي من سدة الحكم.
جيمس كلابر يعتقد أن لدى القذافي قوة تكنولوجية كبيرة، ويمكن أن يوزعها، لن يوزعها على مواطنيه فحسب، بل يعتبر أي أفريقي مواطناً ليبياً في قياس الأهداف.
الخطر الشديد في دفع البوليساريو إلى الحرب، أو تسليحها من جديد ؛ وتقرير كلابر لتحديد جولة مالطا يعتبر تحديا للقذافي. لأن واشنطن قررت مواصلة المفاوضات بين البوليساريو والمملكة ومواصلة دعم ثورات الشعوب نحو الديمقراطية والمساواة.
الحالة تستدعي إما تسليح القذافي للبوليساريو والطوارق والقاعدة أو تسليح الأمريكيين للمعارضة، وقد ساعدت الولايات المتحدة الكونترا في الإطاحة بالساندينية في نيكاراغوا، وساعدت المجاهدين الأفغان لإخراج السوفيات، ويمكن أن تساعد المتمردين الليبيين للإطاحة بنظام القذافي (تقرير لمعهد أنتربريز المحافظ) وسياسة أوباما لم تخرج عن معالم السياسة المشتركة للحزبين الجمهوري والديمقراطي.
المغرب لا يشارك بطائراته، يسمح بأجوائه وبالمساعدة في العمليات العسكرية ضد القذافي
واشنطن ترغب في إنجاح أهدافها الثلاثة :
1 – قيادة أفريكوم 100 في المائة لكل العمليات في ليبيا، وتعتبر هذه أول مرة تقوم بها أفريكوم بعملية كاملة قيادة ونيران 100 في المائة لحظر جوي محدود فوق دولة أفريقية، وسيترك أوباما قيادة العمليات في المرحلة الثالثة لإنجلترة، وهنا يأتي دور المغرب إذ تعتبر أجواءه مفتوحة لأي عمليات ضد القذافي، كما نرى :
- أن مشاركته في تأمين معبر جبل طارق إلى جانب إنجلترة من الأمن البحري للعمليات ضد القذافي.
- قراره السماح بتطبيقات وصلت 90% لاتفاق بناني – وورد.
- أن المغرب لا يزال مرشحاً لقيادة أفريكوم، إن نجحت دول شمال أفريقيا في انتقالها الديمقراطي وتحالفها مع أمريكا.
النجاح في ليبيا يخدم كل الحسابات المغربية إلى جانب الفرنسيين والأمريكيين معاً.
2 – التدخل غير البري في حرب تسقط نظاما، كما تقول وثيقة موجهة لأوباما.
3 – الدفاع عن البديل الديمقراطي للديكتاتوريات عبر مجلس الأمن.
الآن، يمكن القول إن حماية الشعوب جزء حقيقي من سياسة الدول، وأن السيادة الداخلية أصبح أمرا متجاوزا في الشرق الأوسط. لقد انفتحت الشعوب العربية على مفاهيم أخرى بعد نجاح الثورتين في مصر وتونس.
تقرير كلابر حول شمال أفريقيا...
لم يعد ممكنا أن يتراجع المغرب في إصلاحاته التي أعلنها، "والتي لن تكون نهائية" حسب الفرنسيين الذين يعدون :
1 – بملكية دستورية شاملة يقودها محمد السادس بنفسه، وقد استأثر هذا الملك بقيادة حقوق المرأة، والآن حقوق شعبه.
2 – أن مفاوضات الصحراء (الغربية) سيكون لها ملمح إقليمي في الجولة الرسمية.
3 – أن بريطانيا ستكون فاعلاً جديداً في ليبيا، وفي أمن جبل طارق والصحراء (الغربية).
لندن تقرأ الوضع الجديد من خلال عودة أنجلو- فرنسية.
انطلاقا من ليبيا مرورا بتونس والجزائر إلى المغرب في إطار استفراد أمريكي بمصر. وهذا الدومينو يتخذ وجهاً آخر عندما نقرأ الأوضاع من زوايا متعددة :
1 – الديمقراطية في المغرب والجزائر قد توقف ما تدعوه وثيقة أمريكية (خلافاً بارداً) بين بوتفليقة ومحمد السادس حولته وثائق ويكيليكس إلى خلاف (إيجابي يتنافس فيه الطرفان على التكيف الذكي مع الأحداث الإقليمية).
2 – الحل المبني على خيار الشعب الصحراوي جزء من سياسة الجزائر، والحل المؤسس على إرادة هذا الشعب والسيادة الوطنية يدخل ضمن السياسة المغربية. وهذا المنطق في شقه الجزائري والمغربي يخدم الحل الديمقراطي المتفاوض عليه، ويتجاوز تراث القذافي المتشنج والإرهابي في المنطقة.
البوليساريو تجاوزت إلى جانب الجزائر أي أهمية لليبيا في صراع الصحراء (الغربية) وكل الأطراف تجاوزت لعبة القذافي الإقليمية لعدم اهتمامه بالشمال الأفريقي، وركزت على كل القارة، وثانيا، لأنه اعطى كل أوراقه للغرب ولم يرغب في تبني منهجه، وثالثاً، لأن منع القذافي من قوته حالياً يهدف إلى عدم عودة المنطقة إلى الحرب الباردة، لذلك من أمن النظام المغربي سقوط القذافي.
والدعم الغربي لا يتجاوز في نظر المؤسسات : التعامل مع الثقافة الجديدة في المنطقة، وتحصينها دون أن تنزل إلى حرب باردة بين ديكتاتوريات باقية وديمقراطيات ناشئة.
توحيد المنطقة جزء من الأمن في شمال أفريقيا، لأن من المهم ليس فقط بناء مؤسسات ديمقراطية بل بناء أجهزة أمن حديثة من الداخل، وبناء منظومة أمن إقليمي. هذا الأمن يفيد حل مشكل الصحراء (الغربية) بشكل صحيح. قولك (صحيح) لفظ مستحدث في إدارة أوباما يكشف عن تطور يدعو إلى مفاوضات (صحيحة) لتكسب موقعها وتحولها إلى حل (ناجح).
ضمان أن يكون التدخل الدولي صحيحا، وبالتالي أن تكون المفاوضات جوهرية يخدم الأمن الإقليمي الجديد.
ما سيستفيده المغاربة أن تكون قاعدة التفاوض صحيحة لتكون جوهرية والأمن الإقليمي المؤسس على حماية الديمقراطية وخيارات الشعوب يمكِّن من الوصول إلى الحل السياسي.
إنها ثقافة التفاوض بشكل صحيح – حسب الوثيقة – والمغرب قد ينخرط في العمليات العسكرية ضد القذافي لحماية الشعب الليبي.
الفرنسيون يعلقون على محمد السادس وما يعلقه الأمريكيون على الملك الأردني الذي يقف رهانه على حرية الصحافة، إذ تم تعليق العمود الأسبوعي للكاتبة راندا حبيب في جوردان تايمز، وتظاهر 200 صحافي في عمان للمطالبة بحرية الصحافة. على الملك عبد الله الذي يرغب في الإصلاح أن يتبنى هذه القضية عوض أن يحاربها (كما يقول مقال إغناتيوس في الواشنطن بوست) وعلى الملك المغربي أن يحترم حرية التظاهر.
الملكان اللذان يرغبان في الإصلاح يحتاجان إلى تسويات إيجابية لصالحهما الأول في الضفة الغربية والثاني في الصحراء (الغربية).
هل يمكن ذلك في ترتيبات الأمن الإقليمي الجديد ؟ أمريكا تعتبر أن أمن شمال أفريقيا سيكون دون القذافي من أجل مفاوضات ناجحة بين البوليساريو والمغرب، لأن الحرب على فرنسا ستكون عبر الصحراء (الغربية) ومن خلال المغرب.
الرباط لن تستطيع أن تدفع مثل هذا الثمن، ولذلك دخلت ضمن الدول التي تساعد في العمليات العسكرية ضد القذافي بموجب مصالحها المذكورة والتزاماً بالاتفاقيات الموقعة بين فرنسا والمغرب، والمغرب وأمريكا.
إشارات فرنسية خطيرة...
لقد ثبت لواشنطن أن الجيش المغربي لا يزال تحت القرار الفرنسي بعد مشاركة الرباط في قمة باريس لحماية الشعب الليبي. وأن الضغط على المؤسسة العسكرية في هذا البلد لن يكون دون تفاهم "فرنسي – أمريكي" ينطلق من ليبيا ولا يقف في كل دول الشمال الأفريقي.
وتأكد فعلا أن الضغوط على الجيش المغربي ستكون مثمرة جداً إن قررت كل من باريس وواشنطن الذهاب بعيداً في هذه الضغوط، ليس فقط لإنجاح التحول الدستوري في المملكة، وإنما كذلك لإنجاح الحل في الصحراء.
إخراج الجيش المغربي عن العمل داخل حدوده والقيام بدور إقليمي ضد القذافي خطوة في طريق دعمه للديمقراطية داخل بلاده وفي شمال أفريقيا.
هل الأمر متعلق بقناعة ملكية انعكست على جيشه وهو قائده الأعلى الذي طرح انتقالاً دستوريا في المغرب، أم أن الجيش له دور واقعي في التحول الذي تعرفه المملكة الشريفة.
هذا السؤال يزعزع مراكز البحث، لأن من المهم أن يكون الملك مصلحاً حقيقيا، ويكون الجيش إلى جانب الشرعية الشعبية لإنجاح دور الملك المحوري في الإصلاحات.
إننا أمام أمريكي من أصل أفريقي وابن لرجل مسلم، وهو شخص يحمل في سلوكه وأسلوبه في الحكم قبوله للنصح – بجمل إغناتيوس – وهو ما يجعل الديمقراطية تؤتي ثمارها خارج أمريكا.
أوباما يدرك أن الجزء الواسع من السياسة حمايةُ مصالح لا تختلف عن مبادئنا، لأن من المهم أن يكتب المغرب قصته الخاصة اتجاه ملكيته الدستورية وديمقراطيته الجديدة والمتسامحة، والأهم أن يكون خطاب جديد في القاهرة يجعل أمريكا إلى جانب التغيير، وأن يقوم ساركوزي بخطاب آخر في البرلمان المغربي ليس لدعم مساواة المرأة للرجل في المملكة، إنما لدعم خطوات المملكة اتجاه ملكية دستورية تُحْمَى فيها سيادة الشعب، وبخيار أن تكون لهذا الشعب حكومة ينتخبها ويحاسبها ككل الشعوب الأخرى.
إن مشاركة المغرب في الحرب على القذافي جزء لا يتجزأ من مصالحنا الاستراتيجية في شمال أفريقيا، لكن ألا يطرح ذلك تعبيراً داخلياً على رفض كل ممارسة تشبه القذافي أو تتشبه به. بكلمة واحدة، المغاربة لن ينجحوا خارج موجة الديمقراطيات الناشئة في شمال إفريقيا ؟!
عبد الحميد العوني ماوراء الحدث عدد 21 ل 25 مارس 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق