عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

العطالة : معطلون اقتصاديون لإدارة معطلين سياسيين للدولة ؟!



عندما تدخل الدولة في عطالة سياسية يزيد معطلوها "الاقتصاديون"، والمغرب كغيره يكشف هذه المعادلة القبيحة، فالركود الاقتصادي نتيجته في الغرب (المزيد من البطالة). لكن عندما يُعيد النظام تشكيل نفسه على توزيع الثروة الوطنية كاملة في يده، نكون أمام عطالة تزيد عن البطالة في كل اقتصاد.
لقد طرأ أمر غريب في الغرب والدول التي تتبعه، يتمثل في عدم الاهتمام بالعاطلين. ولكل أسبابه.
الأمر متعلق بدفع إجراءات عملية كي تكون العطالة جزءاً من (سوسيولوجيا العمل) وليس ظاهرة منفردة أو مستقلة. الواقع كما يقول بول كروغمان أننا أمام عجز (وظيفي) بحيث لم يطرح الكونغرس أي مشروعات قوانين بهذا الخصوص، كما لم يقترح البيت الأبيض خطط لخلق وظائف. وفي المغرب لم تكن هناك خطط للقصر ولا للحكومة تمس هذا الجانب، لأن كل السياسات تركز على تقليص النفقات أو دعم المواد الأولية أو هما معاً دون تدقيق.
المسألة هنا لا تتعلق بمكافحة، من الجراد إلى الإرهاب إلى دور الصفيح والبطالة... المعركة قاسية وتفشل كل حكومة في هذه المكافحات، لكن أي عقل إيجابي قد يدفعنا إلى استعمال مصطلحات التحفيز، خطط لخلق وظائف، إيداع رؤى اقتصادية "ماكرومالية" لتشجيع استثمار منتج للوظائف.
إننا أمام كتلة بشرية محصورة، ونظام يحاصر الأفكار. فأنتج قبل كل شيء "عاطلين سياسيين يديرون الدولة بلا أفق وبلا عقيدة، ولا خيال ببساطة الذي يحكمنا حالياً بدون إبداع.
هل نعرف ذلك ؟ ربما، لكن الشيء الرئيس الذي يجب أن نفهمه : الحرب على البطالة أو مكافحتها، بالمفهوم العسكري أو بالمفهوم المدني الإبداعي، قرار دولة يدوم بدوام الشعب، والوظيفة السياسية لمكافحة عدم الوظيفة الاقتصادية "بند حيوي واستراتيجي" لأمن كل نظام ودولة.
ربما لا يكون الوضع بهذا السوء، لكن نسيان الوظيفة السياسية لخلق الوظيفة الاقتصادية أمر غير مُجْدٍ، وغير نافع. من جهة يواجه الغرب متوسط بطالة لم يسجل منذ الحرب العالمية الثانية (37 أسبوعاً من أصل 52 في السنة) وفي الدول النامية تجد النسبة مضاعفة : 500 في المائة، والعدد أفقي، أي على صعيد المنتمين للبطالة بالفهم بالإحصاء الحسابي، ليكون 400 أسبوعاً حدا صعباً تجده عند حملة الشهادات.
القول جازم في أن طريق العطالة يخلق اليوم طبقة – لأول مرة في تاريخ البشرية – وقد تكون ثورة تونس ومصر انتفاضة لهذه الطبقة مسنودة بتعاطف اجتماعي للطبقة المتوسطة التي ترغب في مثال يمكن أن يحل هذا المشكل. البحث عن نموذج في الحكامة جزء من الحل لإنجاز حكم ديمقراطي، وجدلياً يمكن أن يكون الحكم الديمقراطي جزءا حيوياً وعصباً مركزيا لإنجاح الحكامة.
جدلية الحكم والحكامة طرحها العرب أخيراً في ثورتهم، وهي إجابة واقعية لحل مشاكل مستعصية. لأن المبادرة يفرضها النظام في يده، ويعرقل ما عداها. وأن يتمكن أي مجتمع من الحرية هو تحرير له من الدولة ليراقبها ويحسن مردوديتها.
ربما تكمن اللعبة في جزئين : أن الدولة تسمح بإظهار معدل بطالة وبطاليين لتحسيس الآخرين الحاصلين على الوظائف بالأمان أكثر.
الشيء الآخر، أن ما يدعى مكافحة البطالة لن يكون دون مكافحة الفساد. الحل في المغرب قد يركز على إلحاحية أخرى، أن التحول إما أن يكون استراتيجيا أو تبقى الأزمة في محلها.
الاقتصاد المغربي شهد انخفاضاً شديداً على مستوى التوظيف والدولة عرفت في هذه السنة ارتفاعاً في معدله. فالأمر يتعلق بنجاح اقتصادي بل بالحلول الطارئة، ويعني في الوقت الحالي أن محاربة البطالة تبدأ من خفض الفصل من العمل.
الناخبون في المغرب – للأسف – لا يهتمون في تصويتهم بخلق شعبية حول برنامج معين إن تضمن خلق وظائف، فالحجج الاقتصادية المستخدمة لما يدعى التوازنات الماكرو اقتصادية وهي ماكرو مالية بالأساس حجج مهزوزة ومكرورة إلى حد بعيد.
العجز بالموازنة جزء من هذه القصة، وهي نفسها غير دقيقة، وبالتالي نرى أن المستثمرين يطالبون بتقليص النفقات، والمناولون المحليون يخافون من تقليصها، وعلى الفور هناك إعادة تركيز للثروة لا يخدم معايير السوق الحر والتنافسية، ويرفع الاحتكار في المال والسلطة إلى حد يعيق عمل الدولة وتحضر السلطة لتدير المرحلة.
تقليص النفقات (البرتوكولية) الشديدة التكلفة هو الذي يجب أن يعلن المغاربة عنه، كما أن توازنات السوق المالي يجب أن تكسب مصداقية بين المواطنين، وأن تكون الحرب على الفقر (بنيوية) وليست (بيروقراطية) عبر الداخلية والمبادرة التي احتكرتها للتنمية البشرية.
أن يدير الأمن التنمية البشرية خطر على الجميع، على أن الإصلاحات المجزوءة أخطر بكثير على مستقبل الجميع.
من ناحية الرأسمال، تحدث الاقتصاديون (الكنزيون الجدد) عن إجراءات لخفض الإنفاق لتحقيق المعجزات، لكن هذه الإجراءات محدودة من زاويتين : لم ترفع من معدل الثقة، ولم تساهم في محاربة البطالة، وإجراءات التقشف القاسية التي عملت عليها بريطانيا منذ مايو الماضي لم تصل إلى أهدافها كاملة.
في أي اقتصاد نجد أن التطميات تتجاوز التحذيرات في أوساط المصفقين وتنعكس كليا عند المعارضين، لكن الواجب أن يكون الإنفاق منتجاً، وأن تقبل أي إدارة خططاً لإنتاج وظائف، حتى لا ينتهي هذا الفكر إلى مدرسة هربرت هوفر الاقتصادية.
إن الغرب يبحث من دون توقف عن الطريقة التي تمكن من خلق الوظائف من نفس التوازنات الماكرو مالية، والاختلاف غير كبير بين المدارس الاقتصادية في طرح الحلول.
والسؤال : إن استمرت الدولة منذ عهد الحسن الثاني في سلك نفس القناعات فإننا أمام ليبرالية متوحشة لأنها لا تحارب الفساد. وفي نقطة أشار إليها أكثر من اقتصادي، فإن الفقر بنيوي من واقع أن أضراراً دائمة تقع في عائدات (لا تتحرك)، وإن اعتمدنا على متوسط البطالة في المملكة كمؤشر، سنجد أن تكييفات السوق مع الوظيفة غير تامة ولا متطابقة، لذلك فالخطر الجلي الذي يبقى في المغرب : أن تتضاعف البطالة بشكل هيكلي، ومركزي، وفاسد. لذلك المعركة ضد البطالة معركة الاقتصاد والاجتماع نحو الديمقراطية، وبعد 10 سنوات سنجد الدولة قادرة على التصدي.




اقتصاد  عدد 22

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق