عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الاثنين، 9 مايو 2011

كيف تكون المملكة شريفة بغير حربها على الفساد ؟


كيف تكون المملكة شريفة بغير حربها على الفساد ؟ 

الشريف من دان الفساد ، و أماته من المهد قبل القبر ، و في القوم دوما ، و المملكة الشريفة لشرفها من الرسول الذي قاد و ساد على أساس أن الفساد في الأمة كمن قتلها ، فجريمة الفساد جريمة من قتل الناس جميعا.
و المملكة الشريفة شرفها من محاربتها للفساد ، قال النعمان بن المنذر يوما : من أفضل الناس عيشا و أكرمهم بالا و أكرمهم طباعا ، و أجلهم في النفوس قدرا ، فقال المجيب : أفضل الناس من عاش الناس فضله  و أضاف غيره : و أبعد من يفسد عنهم ، و تلك حاجة الحكم في حكمه و حجته في أمره.  واليوم قَرُبَ الحال من المحال من التنافس على البخل و حب الذات و هو أكثر من حب المثال في الرجال و الأقوال و الأفعال ، و لا شرف في غير هذه المواطن قطعا ، و منعا لتدهور الحكم يزيد الشرف الأصيل على الورى بقطع الفساد في الأرض ، وتنظيف أوصال الحكم، فيصل الفقير إلى الموارد كما يصل الغني . و تلك و الله صورة الغنى في الأمة أي فيها المسكين يرقى و الغني يبقى .
و أقبح ما في السلطان في كل أوان أن يزيد شبعه من جوع شعبه ، فإن شبع من ناحية أخرى كمثل من يقطع لحمه و يأكله من الجوع كما قال جعفر بن يحيى .
الشريف في السلطان من سعى للأمر على ضوء ما يكون عليه العقل ، فالنفس تصنع المملكة و لا تدوم ، و العقل يجعلها تقوم  و الكرم وحده من يجعلها تدوم و لاتُورَثُ إلا بضربها الفساد بين العباد و في كل البلاد .
روي أن المأمون أرق ذات ليلة فاستدعى سميرا يحدثه فقال : يا أمير كان بالموصل بومة و بالبصرة بومة فخطبت بومة الموصل بومة البصرة لابنها فقالت : بومة البصرة لا أجيب خطبة ابنك حتى تجعلي من صداق ابنتي مائة ضيعة خربة ، فقالت بومة الموصل لا أقدر عليها ، لكن إن دام والينا سلمه الله علينا سنة واحدة  ذلك ، قال : فاستيقظ لها المأمون و جلس للمظالم و أنصف بعضهم من بعض ، و تفقد أمور الولاة و العمال .
و نتساء ل ألا نعرف بومة فاس و بومة البيضاء  و غيرها من بوم المغرب يعد بخرابه ؟ و لا نسمع صوت الرعية خرج منذرا بكل بومة وجب أن تترك الأرض و قد عاثت فيها فسادا ؟ السلطان من اختار اصطياد البوم في كل يوم ليقل خراب ملكه ، و إن استهوى صيدها هو جميل ، ترك العلة و العليل يسوس ما تحته لينهار ما فوقه .
قال أبو الحسن بن علي الأسدي ، أخبرني أبي ما وجد في كتاب قبطي نقل إلى العربية أن مبلغ ما كان يستخرج لفرعون في زمن يوسف الصديق من أموال مصر لخراج سنة واحدة من الذهب أربعة و عشرين ألف ألف و أربعمائة دينار ، منها ما يصرف على عمادة البلاد ، و 800 ألف لحمل البذور و سائر نفقات تطبيق الأرض ، و 400 ألف للأرامل و الأيتام ، و لما يصرف لكهنتهم و بيوت صلاتهم مائتا ألف دينار ، و لما يصرف من الصدقات مثلها ، وبرئت الذمة من رجل كشف وجهه لفاقة و لم يحضر ؟! و الحكمة يأخذها المؤمن حيثما يجدها . فإذا فرقت الأموال على أربابها دخل أمناء فرعون إليه و هنؤوه على تفرقت الأموال و دعوا له بطول البقاء  و دام الفروض النعماء و السلامة . و أنهوا إليه حال الفقراء فيأمر بإحضارهم فيأكولون بين يديه ، و يشربون و يستفهم من كل واحد منهم عن سبب فاقته ، فإن كان ذلك من آفة الزمن زاد عليه مثل الذي كان ، و لما ينصرف في نفقات فرعون في كل سنة يفضل مما يتسلمه يوسف . قال أبو رهم : كانت مصر أرضا مدبرة حتى أن الماء يجري من تحت منازلها لقوله في القرء ان : أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي .
قال فرعون ( في رواية عبد الله بن عمر ) إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبده ، ويفيض عليه من خزائنه و لا يرغب فيما بأيديهم . فإن كانت هذه سيرة من لا يعرف الله ولا يرجو لقاء ه فكيف تكون سيرة من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله و يوقن بالحساب و الثواب و العقاب ، يقول الراوي. و لما ملك يوسف خزائن الأرض كان يجوع و يأكل من خبز الشعير ، فقيل له : أتجوع و بيدك خزائن الأرض ؟ فقال : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.
و كيف لمن سيرته أن يزيد النفس تخمة فيكون صاغرا ، سافرا في حبه لنفسه و لماله . فيفسد معه المحيط و الزبانية يقومون له و يسجدون. فالأصل في الحكم محاربة الفساد في كل موقع و موضع ليكون الشريف من ضحى و قاتل للعدل ، و مملكة العدل شرف في الحاكم و قسط في المحكوم . و أني لأخاف على أمة لا تحارب بومها و لا تقاتل لومها بعد أن ظهر بالبيان ما يكون به العمران أو يفسد به الإنسان ؟!
و الاصلاح في غير الأوان لمن يحرث في غير الزمان يرد عليه الأرض مأساة بعد أن كانت له ملاهاة ؟! و أخجل أن تكون المملكة شريفة و لا تحاكم مفسديها.                      

القلم المعاكس عدد 26 ل 29 ابريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق