عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

بعد الملف الأخير لـRussia in Global Affairs انقسام بين بوتين ومدفيديف حول تطورات المغرب العربي بعد أزمة ليبيا، وقراءة لأسرار روسيا في الصحراء (الغربية)


في العدد الرابع من الفصلية الروسية Russia in Global affairs تظهر الحوارات الاستراتيجية التي تؤطر حركة الكرملين في آسيا المحيط الهادي وخصوصاً العلاقات مع اليابان، حيث دبلوماسية الجزر والصراع عليها موضوع يشكل جزءاً من واقع موسكو في استراتيجيات متوازنة ورأسية مع اليابان – الهند – الصين، وهذا الثالوث يشكل في حد ذاته صعوبات ذاتية تقبل بالموقف "المركب" في دبلوماسية روسيا.
إذ هناك ما يدعى "تركيب الموقف" الروسي، والمنطق (العميق) لحركة روسيا على الصعيد الكوني، فأولا، العلاقات مع الغرب ليست وجها واحداً، وثانيا، مصالح روسيا بعد الأزمة مع جيورجيا أصبحت متعلقة ليس "بالعمق الاستراتيجي" بل بالمنطق العميق للمصالح المباشرة لهذا البلد، الذي فشل كامبراطورية ويسعى أن يبقى قوياً في المناطق الدافئة.
بوتين في دفاعه عن القذافي يجد نفسه أمام دفاع متقدم عن سوريا، ومن ثم إيران رغم سعي بشار الأسد إلى تمييز موقفه عن طهران في البحرين، والعمل تحت قرارات مجلس الأمن فيما يخص ليبيا.
تركيا تخلت عن هذا التقدير باتجاه الناتو، ودعمت عدم وصول أسلحة إلى القذافي، ومدفيديف نفسه يرغب في تخطي هذه الأزمة بمساندة الغرب، لأن العلاقات متأرجحة بين روسيا وأمريكا، على أساس رفض العمل العسكري، وقبول المشاركة غير المباشرة في المصالح المباشرة غرب المتوسط والمياه الدافئة بدءاً بالخليج وانتهاء بمضيق جبل طارق.
الحوار العميق بين روسيا وأمريكا في عهد أوباما شكل انقسام مدفيديف وبوتين.
من جهة لأن تطوراً حدث في السلوك التفاوضي الأمريكي American Negotiating Behaviour (وقد أصدر ريتشارد سلمون، ونيجيل كويني كتاباً في السنة الماضية بهذا الخصوص) واعتبر شفافية في إدارة أوباما تحديداً. إنها تفضل سياسة إقناع الآخرين وقيادة المفاوضات عبر "محترفين جيدين جداً" حسب البروفسور الروسي Yuri Nazrakin، وعندما نقرأ مقاله نجد اعتماد أمريكا على ما دعاه : الواقعية الميكيافيلية، وتأكيد أمريكا على زعامتها الأخلاقية عوض الرؤية السابقة المؤسسة على "الهيمنة" والسيطرة باتجاه الحلفاء.
وهذا لا ينسحب على روسيا فقط، بل على القراءة اليابانية التي تتقاطع مع موسكو في هذه النقط عندما يعتقد Watanabe Koji بين 1970 و1980 أن هذه السنوات لم تكن أكثر من ضغط مأساوي ودائم على اقتصادات اليابان، فهل يمكن أن نعتبر أن علاقات موسكو وواشنطن لم تكن أكثر من "وضع مأساوي ودائم على استراتيجيات موسكو من 1991 إلى الحرب على جيورجيا".
الواقع في هذه التغيرات أن 1991 كانت "مأساوية جداً" لأنها ببساطة فككت امبراطورية الاتحاد السوفياتي بالنسبة للروس، ودفعت اليابان نقداً 9 ملايير دولار ؟! ضد عراق صدام حسين. هل هناك أكبر من هذا الثمن في آسيا : هيمنة غربية على النفط في الخليج، تفكيك الإمبراطورية (السوفياتية)، ودفع 9 ملايير دولار نقداً لواشنطن ؟
آسيا في هذه اللحظة قرأت مستقبلها مُرّاً مع وحيد القرن الأمريكي، قبل أن يستعيد بوتين جزءاً من حماية تخوم روسيا، وتنافس طوكيو وبكين في استراتيجية عمل آسيوي لوقف الهجوم الاستراتيجي والمالي لواشنطن.
بعد الأزمة الاقتصادية المالية قرأنا المعايير المتعددة الأقطاب، لأن تفكيكا معنويا ظهر على القوة الأولى عند الحلفاء الآخرين من سنغافورة إلى نيوزيلاندة.
ولا تتوقف في آسيا بل تنتقل إلى غرب المتوسط، فموسكو لا ترغب في أن تفقد مواقعها في عصر الثورة العربية، فتونس ومصر ضمن ترتيبات فرنسية وأمريكية، وليبيا "نصف نقطة لموسكو" ولا يجب أن يفقدها الروس، وهذه الصياغة قائمةبين عودة بوتين إلى خارطة السوفيات، وبين معادلة مدفيديف التي تقبل أن تكون موسكو في صياغة واحدة للمصالح إلى جانب واشنطن.
الخلاف حقيقي بين مدفيديف وبوتين حول الفلسفة التي تدفع موسكو إلى بقاء مصالحها من بحر الصين إلى غرب المتوسط، وصناعة السياق بين العودة إلى صياغة روسية كمصالح الاتحاد السوفياتي، أي كمصالح تاريخية وثابتة لموسكو [بوتين] وبين صياغة جديدة تشاركية مع أمريكا (مدفيديف( حيث نقرأ الجمع والفارق في هذا الصدد بين الكرملين والقيادة من جهة، ومن جهة أخرى بين الرئاسة ورئاسة الوزراء.
التساؤل مشروع في غرب المتوسط : لم الخلاف بين بوتين ومدفيديف حول ليبيا. هل الخلاف رئيس بين السلم والأبعاد (حسب أحد الدبلوماسيين الأتراك)، أي كيف نصل إلى المصالح وكيف نحافظ عليها، أم أن الأمر متعلق أكثر بتوجهين : تاريخي استراتيجي، وتاكتيكي مع أمريكا يخدم مصالح روسيا في هذه المنطقة التي أصبحت بعد ثورتي تونس ومصر تحت (غلاف أمريكي واحد) تسعى فرنسا أن تتميز فيه انطلاقا من ليبيا للحفاظ على مصالحها، وتعمل فيه موسكو على عدم ترك المنطقة كلياً للتحالف الثلاثي : الأنجلو أمريكي والفرنسي.
الهند نفسها تقع في هذا التقدير، على أن الاتجاهات العميقة لكل ذلك بدأت في أمريكا منذ 1945، وليس الأمس القريب كما يقول كتاب Paul Levine وHarry Papasotirion، فلحظة الولايات المتحدة بدأت مباشرة بعد نهاية الحرب الكونية الثانية America since 1945 : the American moment وهذا الكتاب أعيد طبعه في بريطانيا هذه السنة (2011) بعد طبعته الأولى عام 2005، ويكشف أن ما يدعوه بالحرف الطبعة الاستراتيجية للكون لها أصل، لا يزال يتفاعل في المجتمع الأمريكي من 1945 وإلى الآن، وهذا التمرين في الاعتقاد الروسي لا يحمل كثيراً من الإضاءات، لأن الديناميات الاستراتيجية في عهد بوتين تغيرت باتجاه العودة إلى 1945. روسيا تعود إلى رحمها الاستراتيجي بعد الحرب العالمية الثانية، وأمريكا كذلك. فهل هناك سباق إلى الوراء، سباق باتجاه خارطة 1945 في كل من روسيا وأمريكا. الواقع أن الجديد يحمل تحديثا لاستراتيجية قديمة وتقسيم قديم في العمق – بالتعبير الانجليزي – وفي الأصل – بلسان الروس – وتساؤلنا المغاربي : هل نحن أمام عودة إلى 1945 تعود بليبيا إلى ما قبل ثورة القذافي ومصر إلى ليبرالية تذكر بظلال ما قبل 1952، وتونس إلى البورقيبية الأولى، والمغرب إلى ما وعد به محمد الخامس فجر الاستقلال من ملكية دستورية.
اللعبة دقيقة إلى حد بعيد، ولكنها هي القراءة الوحيدة التي يجمع عليها الاستراتيجيون في روسيا وأمريكا وبعض المغاربة الذين يشاركون في هذا النقاش الصعب.
إننا أمام مجال غير منسي، وإن اعتقد البعض أنه كذلك في وثائقي هولندي لم يوزع في فرنسا بعدما كشف مخرجه Noël Burch أن التعامل مفتوح بين البنية المادية للعولمة، وأساسها : التجارة الدولية، وبين العمل الإنساني، ويدخل في إطار لعبة الاستراتيجيات التي نقرأها في ليبيا. فالصورة تغيرت من قائد يقتل شعبه إلى غرب يقاتل لمصالحه. واختار أوباما أن يبتعد ليترك المجال لقوى نفوذ سابقة. الصورة لا تتعلق بمجال منسي لروسيا تستحضره في ليبيا باتجاه الصحراء (الغربية) لأن المعادلة انكسرت جزئياً، وقابلة للجبر عند أكثر من مختص روسي، بل تقرأ الجزء الفاعل في المعادلة من خلال الصندوق الحديدي للتاريخ، وتحولات التجارة، والطرق الثابتة والسيارة بين الدول المصدرة والمستهلكة.
بوتين يحاول أن يجعل من التاريخ طريقا روسيا، وأمريكا تحاول أن تجعل من التجارة طريقا لها في العولمة. الإعلام – من جهته - يترقب الوضعين معاً، لأن النظام والفعالية من التقدم، لكنهما قد يكونان جزء من عدم التوازن. والواقع أن ديكتاتورية النظام وفعاليتها قبل أن تكون الفعالية منسوبة له تقرأ الأوضاع بشكل مختلف. صورة تذكرنا بالعلم الأحمر إن لم نقل مع بوتين عالم أحمر أفرغه من الايديولوجيا وأبقى الاستراتيجيا لوناً لروسيا الجديدة. المسألة لا تتعلق بلوحة جيش النظام والسرقة في 1894، ولا بعمل ثوري كما حدث في 1917 بل باستعادة بوتين لكيبوتس ينتهي عند هوجو تشافيز في فنزويلا. صيغة الوضع الجديد بين جمالية ما، وتاريخ وعلم وطموح (بوتين). غرب المتوسط يعاني من بداية ثورة على خارطة 1945 ؟ وهذا المعطى – في المنظور الروسي والأمريكي خطير –
الثورة العربية – باصطلاح ساركوزي – ثورة ضد 1945 في نظر موسكو، باريس، لندن وواشنطن. أوباما لا يريد مثل هذا التمثل (من التاريخ) رغم أنه ترك إدارة العمليات لبريطانيا وفرنسا. أما بوتين فقد أعاد الأجواء فعلا إلى 1945.
باريس، لندن وموسكو ثالوث يعيد تقسيم غرب المتوسط إلى 1945، والشعوب الجديدة في مصر وتونس إلى جانب أوباما يرغبون في المستقبل.
هذه الصورة دقيقة إلى حد بعيد من زاويتين :
أن أمريكا مارست حروباً دولية بعد 1945، آخرها ضد الإرهاب حيث جعلت العالم في أجواء حرب عالمية، وتقسيم المصالح أتى بهذه الصيغة ومن خلال زوايا مكررة.
أن أوباما يعمل على حرب الكواليس الاستراتيجية، وليس الحرب على أساس مظاهر (استراتيجية). وهذا التقدير قلل من تشعبات رد الفعل على القوة الأمريكية.
أن التوجهات الروسية بعد بوتين تختلف شكلياً عن الصياغة السوفياتية، وأمريكا ترغب في إظهار موسكو بحقائقها.
إنه تصور لا يمكِّن روسيا من التاريخ والجمالية معاً – بتعبير أحد المعلقين الروس - وقدرة ترتيب الأوضاع يسير باتجاه إدارة أخرى في غرب المتوسط.
دفاع بوتين عن مجرم حرب (القذافي) يعزل روسيا حاليا في مصر وتونس وعوض أن يخدش تورط أمريكا صورتها في المنطقة حاول أوباما أن يعمل على العصبين : لا قيادة لأمريكا، ومشاركة قوية لواشنطن كي لا تموت الثورات العربية في العالم العربي.
على أمريكا أن تحافظ على نصاعة وبياض الثوريين الجدد، فلا تجعلهم حلفاء للغرب، بل مستقلين يحلمون بالرغبة في إرساء ديمقراطية بلدهم. الإحراج قائم لأن صراع المصالح متوافر بدون وجه، ولأن الثورات بدأت بلا وجه وربما لا أحد يريدها أن تكون بوجه ؟
بوتين وضع وجهاً لمصالحه في دفاعه على القذافي بطريقة مواربة، وعن حقوق روسية في ليبيا الجديدة، إن أمكن، وأوباما مع مصالح مركبة ولا ينظر بأي حال إلى مصالح الدولة كمصالح شخص معين، كما قرأ الأوضاع سلفه بوش الابن. القراءة الروسية ترغب في :
ضمان نفس التوزنات في غرب المتوسط، كما عليه خارطة 1945 تماماً، مما يشكل توارثاً قامت به روسيا لكل مصالح الاتحاد السوفياتي ؛ وموسكو لا ترغب في التنازل عن أي منها، وتقبل فقط بإعادة صياغة هذه المصالح.
أن التواجد في قلب شمال أفريقيا من خلال ليبيا يؤسس لعمل يقرأ الوضع على أساس جديد : روسيا لن تستطيع مجدداً أن تصل إلى المحيط الأطلسي إلا عبر القذافي.
قراءة الأوضاع الأفريقية بعد الثورتين المصرية والتونسية اتجهت إلى إعلان بناء الديمقراطية الانتخابية في ليبيا، وبذلك خسر القذافي نظريته إلى الأبد، وخسر الروس معنى قديم لغرب المتوسط ولسوق الأسلحة في هذه المنطقة.
موسكو شديدة الحيلة في قراءة الأوضاع، من جهة لا ترغب في تحالفات مع أمريكا في غرب المتوسط، تريد "سياسة خاصة" بها، ومن جهة أخرى تريد أن يتأسس معنى لتقسيم المصالح يعيد الوضع إلى خارطة 1945، فهل نتائج اليوم تشبه إلى حد بعيد أمريكا في هذه السنة. الجواب : نعم.
لأن القراءة الجديدة ترى أمريكا قوة وليس إمبراطورية، وأن عملها في المحيطات والبحار لا يتجاوز إرثاً مشتركاً للقوى المنتصرة في 1945. هذا التصور ثابت، وأصلي في ذهن بوتين.
لأن قراءة موسكو تذهب باتجاه تقسيم المصالح في البلد المعين، (والحالة هذه : ليبيا) وليس التقسيم حول العالم في خارطة متوافق عليها مع أمريكا.
أن البعد الروسي في العمليات (استخباراتي).
أن التقدم نحو غرب المتوسط لا يفيد سوى حماية سوريا وتحديداً الوضع القديم بين سوريا – إسرائيل بعد التغيرات في مصر وتونس، فموسكو تقبل بالامتداد المغاربي لحركة الشباب، ولا ترى معنى لها في سوريا، كما لا ترى كل من بريطانيا وفرنسا أي معنى لها في لبنان، والخليج يرى الثورة بلا معنى في دوله.
وهذه القراءة السعودية كاشفة، ولا ترغب في أي تدويل أو دعم روسي. الصورة واضحة إلى حد بعيد تؤكد بمجمله أن روسيا لا ترغب في مصالح أفريقية جديدة، بل تحرص على عدم فقدها لأي مصلحة (أصيلة) في غرب المتوسط وبلاد المغرب العربي، فهل هذا مفهوم ؟ بتعبير بوتين.

ماوراء الحدث ص 4 عدد 22

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق