عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

دسترة الأمازيغية


عندما تطرق إعلان 9 مارس الدستوري لمملكة المغرب عن دسترة المكون الأمازيغي تخوف القارئون لما ورد على لسان الملك من اعتباره الأمازيغية مكونا مغربيا، وعدم قوله صراحة أن الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية لغة القرءان الذي جعل الإسلام دين الأمة الرسمي، فرسمية هذه اللغة (العربية) أتت من الدين الرسمي للبلد تماماً، فهي لغة إمارة المؤمنين، وليست لغة وطن أو شعب، كما يعبر البعض، ونراها ليست لغة الإدارة (الفرنسية) أو لسان الشعب المغربي الذي يعرف تعدداً لغويا بيناً.
ربما الترجمة الحرفية للفظ مكون principle في خطاب 9 مارس، وترجمة principle كلفظ دستوري قديم بكلمة "مكون" ترجمة أراها دقيقة إلى حد بعيد، مما يوحي بأن المكون بمنطوقه مؤسسي وأصيل ومبدئي من دونه يسقطُ الدستور وبه يكون، وهو المعنى الحرفي لما يقصده الأمازيغ قاطبة، فالاعتراف بلغة ما يأتي على سبيل التداول وينتهي به، على أن لفظ مكون أصيل ومبدئي وعنوان أمة، ولو لم يتحدث الأمازيغية واحداً من المغاربة مستقبلا.
وأرى اللفظ الملكي دقيق الاستعمال مما يكون به تأسيس عقد الدولة، والدستور قانون مؤسس جمعي أو لجماعة، والمكون له لا يكون مؤسِّساً بل ممثلاً للأمة، وفي هذه الحالة لا يكون المغرب بمكون واحد، أمازيغي، بل بمكون حساني وعبري مغربي، والمكون الحساني بدوره لا يمثل فرداً أو جماعة بل عمقاً تاريخيا لشعب البيضان، لما له من حدث وحق في توحيد الدولة، ويمكن أن تكون اللغة الرسمية هي الحسانية في سلطة الحكم الذاتي إلى جانب العربية، لكنها تبقى مكوناً principle في الدستور المغربي، لأننا أمام حق مركزي يؤسس عقد الدولة والأمة ويسقط به.
من جهة أخرى، الأمازيغية حق متحدث عنه، والحق الدستوري في المساواة يكون بالحق غير المتحدث عنه unspoken كجزء من التشكيل الدستوري، فإما أن نذكر الكل، أو نعمل على مساواة الكل بعدم ذكر أي من لغات وتفاصيل المغاربة، تشمل ما له علاقة بالفرد أو الجماعة المغربية، إلى جانب القدرة على التسوية والحياة المستقرة، والمساواة الاقتصادية والاجتماعية، والمجتمع الحر التعددي، وقياس التجربة الدستورية (الحسنية) empirical attitude، وتعتبر هذه المعالم شروطاً لانتقال الدولة أو النظام نحو الديمقراطية.
نحن أمام المكون الأمازيغي والحساني والعبري المغربي، أسساً للدولة في العهد ما قبل إسلامي والإمبراطوري (المرابطي والموحدي)، والملكي وقد يكون الأخير سمة لأكثر من 3700 سنة ق.م وإلى الآن مع اختلاف التأسيسات القديمة، وواقع الحال أن لغة الدين إن اعتمدها الشعب لغة رسمية كما فعل الملك جويس بإنجيله كانت أداة وحدة وتاريخ ومعنى مشترك، وخرجت من قاعدة المنتمي لها إلى المتحدث بها (من تحدث العربية فهو عربي)، فإن ذهب الأمر إلى هذه الصيغة جاز اعتبار المغرب عربيا لتحدثه العربية لغة دين، حيث الدين دين أمة، وانتقالها من لغة الأمة إلى لغة الدولة لا يحمل سوى هذه الصبغة لا غير. وتكون باقي اللغات وطنية.
في الأصل اللغة الرسمية مجرد stable standard معيار قار لمتحدثها في مجتمع حر وتعددي، ولا تتجاوز ذلك، فإن اعتبرنا الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية لم تعد معياراً قاراً فيسقط بها العقد. فإن اخترنا الأمازيغية لغة رسمية للمغاربة جاز لنا ذلك، لأن الواقع الدستوري يقبل بكل اللغات الوطنية فتكون كل لغة وطنية لغة رسمية بغير تنصيص أو أن نختار لغة واحدة، تكون في الأغلب لغة كتاب مقدس، ولا تحمل طابعاً آخر.
اللغة الرسمية في الأعراف الدستورية هي اللغة التي كتب بها أول دستور، ويكون هذا المنطق الرمزي حاسما لوحدة الأمة والدولة، وإن كان المسلمون يعتقدون بالقرءان دستوراً، ولغته عربية، والعربية أول لغة كتب بها دستور للمملكة، نكون أمام لغة تشكل معياراً قاراً لأمة، وتكون باقي اللغات لغات وطنية أرى أن دسترتها كمكون يعد أساساً لكل قاعدة، فالمغربي اليهودي يجد في مكونه العبري أساساً في العودة إلى بلاده، يتخلى فيه عن حق مزعوم واحتلال لأراضي الغير، ويعمل على تعزيز مواطنة دستورية لكل اليهود المغاربة. وكل مكون شرف واعتزاز لتاريخ وأرض هذا الوطن، لأننا منذ هوبس نعترف بالحرية الوطنية، جهوية كانت أو عرفية، وهذا الثالوث يكرس للحرية والتحرير معاً liberating لأننا أمام استقلالات تؤسس لقاعدة قد تكون مركبة من الجماعات واللغات والأديان.. لكنها في الأصل وحدة من التاريخ والدولة والحرية السياسية والسيادة الشعبية، وهذه مبادئ الليبرالية الأولى التي عرفتها أول مملكة في المغرب قبل 3700 سنة قبل الميلاد، ونطقت (الفيمانينغا) لغة واحدة لكل الجغرافيا المغاربية، وكانت إلى جانبها على الأقل لغتان.
هل يمكن أن نعي أن دسترتنا لكل المكونات المغربية جزء من حضارتنا التعددية ؟ من زاوية أن كل ديمقراطية في الأصل هي معيش واقعي living reality كما قال لنكولن (Liberalism and social action, p. 92) ومعيار قار وقاعدة صلبة (دستوراً أو قانونا).
والمكون الحساني واقع في المغرب، وتراث صلب ومعيار لهوية في الجنوب، بل يزيد عن ذلك بأنه منتج لدولة حكمت المغرب (المرابطين)، مما يعني الاعتراف به اعتراف بتاريخ أصيل، وتواجده محافظ على الدولة، ويعتقد الملك هنري الثالث في مملكة بريطانيا أن هذه الشروط الستة تكفل له إعلان تراث بلاده بعد الحرب الأهلية بين 1641 و1660 "تراثا سياديا".
وبعد الحرب في الصحراء (الغربية) نجد أن التراث الحساني مكون سيادي بالنسبة للمملكة المغربية يجب اعتباره وتثمينه ودسترته.
يقول (يوسف دي ميستر) المتوفى في 1821 : إن كل مجتمع سلطوي قديم يتمكن من جعل ما يراه واقعيا، والمحافظة المبنية على القبيلة الصحراوية تبدع هذا ، وأرى أن التعامل على أساس ذكي وبمقاربة تطورية يمكن أن ينجح معه الإيمان بمجتمع تعددي بهدف الوصول إلى دستور واحد، أكثر مما يعتقده المتزمتون والمخزنيون الذين يعودون في تفكيرهم إلى ما قبل 1821 م.
قراءتنا لمفهوم (المكوِّن) من سفر التكوين (والخلق) هو الذي يمنح فاصلا بين الشيء الرسمي والمكون للدستور، فالمكوِّن الدستوري يُسقِط الدستور إن لم يتضمنه مرة أخرى، لكن كل رسمي يستفتى عنه، فتكون لغة ما رسمية في فترة ما ولا تكون في فترة أخرى.
الملكية نفسها مكوِّنٌ في المغرب، أدركها الحسن الثاني بذكائه المعهود وقال إن المغاربة لم يعرفوا بنية للحكم غير الملكية في تعليل انقلاب أوفقير الذي أراد أن يحكم البلد بسيطرته على مجلس الوصاية بقتل الحسن الثاني وترك ولي عهده.
قولنا الأمازيغية مكوِّن دستوري بمعنى "بنية" دستورية عند الفرنكفونيين (الناطقين بالفرنسية)، وبالتالي أرى أن الحسانية بنية دستورية كذلك ليكتمل المعنى الدستوري.
الحسن الثاني صنع دستور دولة، ولم يستطع أن ينجز دستور أمة ؛ دستور الأمة المغربية هو رهان حقيقي لمحمد السادس، وإن لم ينجح المغاربة في إنتاج هذا الدستور العصري الحديث ضاعت المملكة قريباً، لأن لا خيار إلا أن تكون الملكية الثانية ملكية الأمة المغربية أمام خياراتها الجديدة في الحكامة الترابية : الحكم الذاتي، الجهوية المتقدمة والحكم اللامركزي؛ هذه الأشكال تدفع إلى سيادة فاعلة لهذه الأمة، على الجميع أن ينصت إليها ويحترمها ويكون بقدر المرحلة وقَدَرِها.
يقول Hearn Shaw في جملة بديعة : الحضارة إما أن نعتقدها وردة أو نفكر فيها للحفاظ على ما نحن عليه من بربرية مترفة تكون تقليدية دائماً.
هل سننتج معنى مغربياً لا يتلاءم والتاريخ تحت دعوى الخصوصية أو نكون منتجين لمعنى تاريخي في ملاءمة مع المحيط، فيكون الاستثناء إيجابيا ؟
الدستور الجديد عليه أن يقرر المعنى الاجتماعي للمكوِّن الدستوري، قبل أي معنى آخر، حيث لا يمكن في إطار الاعتراف بالمساواة سوى المساواة في الاعتراف (الرسمي) بالجميع، هذا المعنى دقيق لأن العنصر element ينادي لممارسة سلطته؛ فإما أن يمارسها في حديقة القانون أو يمارسها خارج الجدران، ولا تسأل لماذا يحفرون لإسقاطها. إذن قوة الدستور في الاعتراف بكل المكونات المختلفة والمؤسِّسة للحياة المغربية (ليس على أساس القوة بل على أساس التواجد).
عندما كنا ندرس معنى التقليد الدستوري والاجتهاد الدستوري، كنا نقرأ كيف نحترم الحديقة وخلفها، لأن كل قانون صيغة، تقليداً كان أو سلطة، وتعديل الدستور تعديل سلط لتتوازن، واعتراف بتقاليد جديدة بصيغ جديدة شاملة لا تقبل في عمومها الطعن.
وفي حالة المكوِّن نحن أمام عالم يتأسس به، ويكون علامة فارقة لتغييره، هذا الوجه في المسألة الدستورية يتقرر عنها (أنها حل لمشكل)، ويكون both historical and constitutional التاريخي دستوري والدستوري تاريخي بحكم تقديرات التغير، فالتعديل الدستوري صورة من الإنسان المغربي في مجتمعه ومع مجتمعه.
هذه ديناميكيات الصيغة الدستورية بحيث نقرر أن إمارة المؤمنين بنية دستورية مغلقة ورمزية إن أردناها إمامة صغرى لا قداسة لها، والأمازيغية بنية دستورية للمغاربة عليهم أن يحددوها، والحسانية كذلك، واعتماد كل البنيات مغلقة أو مفتوحة قد يشكل ديناميكية أخرى، أو رمزيات لوحدة وطنية تنطلق إلى الأمام لبناء ثقافات جديدة. سؤال العموم في غير محله، فعوض أن يسأل هل الملكية برلمانية أو دستورية ؟ نريد معركته أن تكون حول : حكومة دستورية تحتكم إلى الدستور فقط فيكون الجميع بما فيه الملك تحت سقفه.
فكل اختصاص جديد لرئيس حكومة منتخب هو توسيع لصلاحيات صندوق الاقتراع، وبالتالي سيادة الشعب، فلا يهم كل مواطن سوى أن ينتبه إلى أمرين :
لماذا لا يتحول انتخاب الوزير الأول إلى الاستشارة الشعبية المباشرة عوض أن تكون غير مباشرة عبر الحزب.
ما هي اختصاصات رئيس الحكومة كمؤسسة وسيادة واختيار من الشعب وإليه.
هذه معركة أولى يأتي إلى جانبها العمل على دسترة كل مكونات الرمزية المغربية، وفي معركة ثالثة، كيف يمكن أن نحافظ على إمارة المؤمنين كمعنى دستوري وليس كسلطة دستورية.
هذا التقدير يخدم في جانب منه الدولة العصرية التي لا تقبل الصيغة المطلقة، ولا التنظيم الفيودالي الملكي، وتعمل على الحقوق Criss-Crossing المؤسِّسة والمؤسَّس عليها، أي أن الحقوق متصالبة، فتكون بنيات التأسيس والأساس معا.
اقتناعنا بهذه العقيدة الدستورية، أن الدستور حقوق متصالبة هو ما يمنحنا الحق الرئيس لنكون مواطنين.
بلغة قرءانية، هناك حق وعين الحق وعلمه، فعند علمنا بالحق نشهد على أنفسنا بحقوق الغير علينا، لأننا ندرك ما لله علينا ولما لخلقه، فيكون هو عين الحق، ويكون علمه مطلق بذاته، وعلمنا بالحقوق ما يكون علينا ويكون لنا وهذا ما يدعوه الغرب Criss-Cross في كتابة الدستور، حيث يرى الحق ويؤسس عليه حقوقاً.
قولنا الأمازيغية مكوِّن دستوري حق عام يؤسس حقوقاً أخرى ثقافية واجتماعية وسياسية، والحسانية على نفس المنوال.
وحيث أن الدستور ميثاق جمعي لحقوق متصالبة مؤسِّسة ومؤسس عليها، فإن إخراج دسترة هذا المكوِّن يتجاوز تقنينه بل يصبح رؤية.
دسترة الأمازيغية كما ورد في خطاب 9 مارس حق مؤسِّس، والعمل على اعتبار الحسانية على نفس المستوى ومن نفس الحق يمكِّن بعض الساكنة من حكم ذاتي أو إدارة ذاتية أو جهوية متقدمة أو غيرها دون المساس بالوحدة أو الديمقراطية، وأرى أن تأسيس دستور على الديمقراطية يأتي بالوحدة، لكن أي تأسيس دستوري على الوحدة قد يذهب إلى نقيضها (الانفصال).
والوعي على غير ما يكرره الجاهل أو العنيد أو القاعد في مكانه ؟!

على حد السيف بقلم عبد الحميد العوني عدد 22

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق