عدد رقم 50 ل 18 - 11 - 2011

عدد رقم 50  ل 18 - 11 - 2011

الخميس، 5 مايو 2011

للاجابة عن إشكال الصياغة في‮ ‬ دستــــــرة الجهـــــــة‮


الصياغة الدستورية ركن العمل الأول لإنجاز دستور،‮ ‬لأن الأصل فيه الديباجة،‮ ‬وهو كذلك عند فقهاءه،‮ ‬فالدستور ديباجة كل قانون فرعي‮ ‬يتمثله أو‮ ‬يتمثل به ؛ وعليه‮ :‬
‮-‬ لا‮ ‬يمكن دسترة الجهة دون إعلان المغرب دولة‮ ‬ أمة‮ ‬the nation-state? وبالتالي‮ ‬لا‮ ‬يمكن كما ورد في‮ ‬ورقة الاتحاد الاشتراكي‮ ‬أن‮ ‬يكون الملك ممثلا أعلى للدولة فقط،‮ ‬بل للأمة حفاظاً‮ ‬على الوحدة‮.‬
ويتعين أن تتحدد رمزية الأمة واعتبار الدولة نظاما،‮ ‬لأن الأمن الجمعي‮ ‬يجمع بينهما‮ ‬يقول‮ ‬Gordian Knot إن السيادة الوطنية‮ ‬national sovereighty لا‮ ‬يكون بغيرها الأمن الجمعي‮ ‬collective security وأوله أن الدستور‮ ‬يصدر على إثر ميثاق جهوي‮ ‬أو للجهات،‮ ‬وفي‮ ‬عدمه‮ ‬يطرح الوضع إشكالاً،‮ ‬لأن من الضروري‮ ‬أن‮ ‬يكون الميثاق معضدا لأمن‮ ‬يعزز السيادة الوطنية‮. ‬ويكون بمعنى شامل‮ : ‬عدم وجود أسلحة في‮ ‬يد الجهة،‮ ‬فالتوحيد الكامل للأجهزة الأمنية جزء من هذه الهوية‮.‬
‮-‬ لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يُدَسْتَرَ‮ ‬التقطيع الجهوي،‮ ‬وإلا كان الانتقال إلى الفيدرالية مسألة وقت،‮ ‬ثم لا تحمل الجهة أسماءها الريف أو مراكش‮... ‬بل الجهة الشرقية،‮ ‬والشرقية الوسطى،‮ ‬والشرقية الأقصى،‮ ‬والشرقية المركز‮... ‬على سبيل المثال‮.‬
الجهة لاتكون‮  ‬اسماً‮ ‬تاريخيا أو اسم علم،‮ ‬حتى لا‮ ‬يقال عن اللفظ أمازيغي‮ ‬أو عربي‮ ‬أو‮ ‬غيره من التقسيمات المعروفة أو‮ ‬يكون المطلب في‮ ‬الجهة مطلبا‮ ‬غير وظيفي‮ ‬أو تقني‮.‬
واعتماد الاسم الجغرافي‮ ‬جزء ذكي‮ ‬لجمع الوظيفي‮ ‬والتقني‮ ‬إلى الديمقراطي‮ ‬والمساواتي‮ ‬Equality‮ ‬وهذا المربع‮ ‬يخدم الجهة والوطن دوماً‮.‬
‮-‬ دسترة الجهة‮  ‬تستوجب ضرورة دسترة النظام الجهوي،‮ ‬فلا‮ ‬يعقل أن تكون البنية دون نسقها في‮ ‬الدستور،‮ ‬فالأخذ بالجهة ونظامها قاعدة دستورية‮ (‬rule) يترتب عنهما تمثيل شعبي‮ ‬لإدارتها الذاتية،‮ ‬وكل إدارة ذاتية‮ - ‬من خارج الدولة/الأمة‮ - ‬دولة لم تكتمل،‮ ‬تطلب شروط اكتمالها‮. ‬فالديمقراطية ليست وسيلة تدبير وحكامة بقدر ما هي‮ ‬شعب إقليم تحت ظروف قابلة للإدارة،‮ ‬بمعنى أن الجهة تدبير إداري‮ ‬مفوض من الإدارة العامة،‮ ‬وتشكل مرفقاً‮ ‬جهويا لخدمة الدولة المدنية الواحدة‮.‬
إننا أمام نمط‮ ‬يميز الحكومة الجهوية واشتراكها على أكثر من مستويين على الأقل مع الحكومة المنسِّقة‮.‬
والتساؤل‮ : ‬هل الحكومة الوطنية حكومة تنسيق فقط‮ ‬ coordinate وإن لم تكن،‮ ‬كيف‮ ‬يمكن أن ننتج معنى للوحدة دون أن تتداخل الوظائف الانتخابية‮.‬
الاقتراح المغربي‮ ‬لعزيمان‮ ‬يرفض‮ "‬ازدواج الوظيفة الانتخابية‮" ‬فكيف‮ ‬يمكننا أن نقرر الوحدة وذاتية الجهة في‮ ‬مستويين حسب الفقهاء الدستوريين‮. ‬قد‮ ‬يكون المعنى في‮ ‬هذه الحالة‮ : ‬ازدواج الوظيفة الإدارية فيتأكد أن الوظيفة الانتخابية إدارية في‮ ‬الأساس‮.‬
ونقرأ في‮ ‬دستور ألمانيا منذ‮ ‬1871 مؤسسة الجهة من دون معنى انفصالي‮ ‬لمستويات الحكم بين المركز والجهة،‮ ‬وهو ما أخذت به أمريكا حسب‮ ‬Kenneth ‮ ‬فالدسترة تتم عبر تداخل على أكثر من مستوى بين المركز والجهة،‮ ‬به تكون كياناً‮ ‬عبر المركز فيما‮ ‬يدعى‮ "‬مساواة‮" ‬المداخيل‮ ‬equalizing.
- دسترة الجهة لا‮ ‬يكون بدون سلطة فيدرالية في‮ ‬المركز وأخرى في‮ ‬الجهة،‮ ‬حيث‮ ‬يتم التقسيم على أساس السلطة التشريعية والمعنى الإداري‮ ‬وقرار الصرف‮.. ‬على أن تكون طبيعة النظام الجهوي‮ ‬جزءا من النظام العام للمملكة‮.‬
الفقه الدستوري‮ ‬يوجب نصا القول‮ : ‬أن النظام الجهوي‮ ‬مستوى من مستويات النظام العام للمملكة‮.‬
الجهة‮ ‬ بهذا التحديد‮ ‬ تؤمن أنها طبيعة حكم،‮ ‬فلديها برلمان لكن اختصاصاته تطرح إشكالاً،‮ ‬فهل‮ ‬يمكن تحديد عمل البرلمان الجهوي،‮ ‬وكيف له ذلك بما‮ ‬يجعله‮ (‬مصطلحاً‮ ‬ثابتاً‮) ‬لا‮ ‬يتميز في‮ ‬تشريعه عن‮ ‬غيره في‮ ‬المركز،‮ ‬ولا‮ ‬يكون فاعلا‮ "‬تشريعيا‮" ‬إلا بما‮ ‬يساهم في‮ ‬العمل المركزي‮.‬
أمر أن‮ ‬يصدر البرلمان وحده القوانين أمر محسوم لأن السلطة التشريعية متميزة عن بعضها البعض،‮ ‬لتمايز الجهات‮. ‬فإطلاق الحكم الذاتي‮ ‬والجهات‮ ‬يضع من البدهي‮ ‬تخويل البرلمان‮ "‬الحق وحده في‮ ‬إصدار التشريعات‮".‬
اقتراحات الأحزاب لتعديل الدستور تعمل على خلفية مركزية،‮ ‬وغير جهوية،‮ ‬والنظام الجهوي‮ ‬يفرض إصلاحات جذرية مكتسبة لا تتطلب التنصيص عليها‮.‬
انطلاق الأحزاب من المركز وإليه شكل عقماً‮ ‬حقيقيا في‮ ‬انتقال الدولة من النظام المركزي‮ ‬إلى اللاممركز‮. ‬وتكون في‮ ‬هذا الإطار دسترة‮ (‬استقلالية العضو البرلماني‮ ‬للجهة‮) ‬بما‮ ‬يعني‮ ‬أن الحصانة البرلمانية تدخل في‮ ‬طبيعة الدولة‮.‬
أولا،‮ ‬لأن إقرار نظام جهوي‮ ‬من طبيعة الدولة السيادية‮.‬
ثانيا،‮ ‬مساواة المنتخب الجهوي‮ ‬بالمركزي،‮ ‬لعدم الجمع بين التمثيليتين‮.‬
ثالثا،‮ ‬وجوب تثبيت المعنى الدستوري‮ ‬للجهة من خلال التصويت الجهوي‮ ‬على قوانين المركز،‮ ‬إذ‮ ‬يجب أن‮ ‬يسقط قانون صوت عليه برلمان المركز إن عارضته برلمانات ثلثي‮ ‬الجهات،‮ ‬وهذا الفيتو وجبت دسترته نصا‮.‬
وهو ما‮ ‬يطلق عليه‮ (‬التأويل الدستوري‮ ‬للجهة‮) ‬constitutional interpretation ‮ ‬لأنه بغير هذه الورقة لا معنى للجهة إلا في‮ ‬تصريف قرار المركز‮.‬
رابعا،‮ ‬إعلان محكمة إدارية عليا تهتم بنزاعات الجهات فيما بينها،‮ ‬دون تدخل المركز،‮ ‬لتغليب القانون العام على القانون الجهوي،‮ ‬والأخذ بالقوانين الإدارية للمملكة بما‮ ‬يفيد المصلحة،‮ ‬ويكون دور هذه المحكمة تكميليا بما‮ ‬يناسب عدم تغليب مصالح المركز على الجهات أوأي‮  ‬جهة على أخرى‮.‬
إننا أمام قوانين‮ ‬يكون فيها الدستور‮ ‬Basic law ‮ ‬بالإضافة إلى دستوريته من خلال اعتباره‮ "‬قانوناً‮ ‬رئيساً‮" ‬لتشريع الجهة ومن ثم للمحكمة الإدارية العليا‮ ‬supreme.
وبهذا التدقيق أجد من واجبي‮ ‬أن أذكر تعزيز الرابط على أساس أن‮ ‬يكون للجهوي‮ ‬محلي،‮ ‬ليكون‮ ‬ بالضرورة‮ ‬ للجهوي‮ ‬مركز‮. ‬فالجملة الدستورية‮ ‬يجب أن تراعي‮ : ‬تصريف العمل الجهوي‮ ‬في‮ ‬إطار وطني،‮ ‬وتكليف الجهة بما‮ ‬يترتب عن الوطني،‮ ‬والدفاع عن مصلحة الجهة كمصلحة صرفة أو خالصة‮.‬
خامسا،‮ ‬اعتبار الجهة‮ "‬بنية‮" ‬في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الحزبي،‮ ‬وليس النظام العام فقط،‮ ‬ليعمل الجميع من داخل الجهة والمركز لأجل الوحدة‮.‬
سادسا،‮ ‬أن مداخل‮ "‬ins" ومخارج‮ "‬outs" النظام الجهوي‮ ‬تعمل مع حكومة بالضرورة دستورية،‮ ‬وإلا أصبح الملك رئيسا للجهات بالمعنى الإداري،‮ ‬واعتبار الوزير الأول رئيس حكومة كفيل وحده أن‮ ‬يكون فيه وضع الجهة مقبولاً‮ ‬من ناحية تمثيلها كذات تشريعية وإدارية مستقلة في‮ ‬الدستور‮.‬
المركز في‮ ‬هذه الحالة مركز الجهات وتمركزها،‮ ‬وليس بأي‮ ‬حال تمركز على الذات أو على البيروقراطية التي‮ ‬أنتجت فئة‮ "‬متكلسة‮" ‬إدارية ومتغطرسة في‮ ‬الرباط تخدمها الجهات‮.‬
وظيفة النظام الجهوي‮ ‬تفتيت البيروقراطية والخروج من حقوق الدولة إلى حقوق المجتمع،‮ ‬حيث تدافع الجهة عن الدولة كمستوى من الإدارة تحتاجه لتحقيق‮ "‬مستوى حكامي‮ ‬جيد‮".‬
هل نقرأ حاليا حقوق الدولة‮ ‬state rights قبل حقوق الجهة ؟ بالتأكيد،‮ ‬توازن الحقوق جزء من الحل،‮ ‬واختلالها جزء رئيس من المشكلة،‮ ‬لقولنا‮ : ‬الجهة‮ "‬حق لأصحابها ؛ والمنتمون لإقليم جغرافي‮ ‬معين‮ ‬يفسر ميكانيزم العمل على أساس‮ :‬
أ‮ ‬ أن الدستور‮ ‬يجب أن‮ ‬ينتقل من دسترة الجهة كجماعة ترابية إلى اعتبار النظام الجهوي‮ ‬نظاما وحيداً‮ ‬للإدارة الترابية أو نظاما لإدارة التراب الوطني‮. ‬فيكون الدستور مرجعا لكل جهة في‮ ‬شرعيتها وسبب وجودها من جانب،‮ ‬وفي‮ ‬اعتمادها حكامة ترابية من جانب آخر‮.‬
ب‮ ‬ لابد للدستور أن‮ ‬يتحدث عن مصطلح خطير هو الوحدة الجهوية،‮ ‬فيكون المغرب لفظا دستوريا بوحدته الجهوية والترابية والوطنية‮.‬
ج‮ ‬ تحديد الورقة الجهوية‮ "‬كأسمى وحدة‮" ‬للدستور،‮ ‬الأمريكيون عملوا على هذه النقطة حيث دستورهم منطوٍ‮ ‬على‮ "‬أوراق فيدرالية‮" ‬شكلت الوحدة،‮ ‬والدستور الموحد الذي‮ ‬يعمل على الجهات‮ ‬يجب أن‮ ‬يُدَسْتِرَ‮ ‬العمل الجهوي‮ ‬وعمل الدولة في‮ ‬الجهات على قدم المساواة‮.‬
تحديد الجهات من صنع التحديث ونحن نقرأ بوضوح في‮ ‬خطاب‮ ‬9 مارس‮ : ‬أن الجهة‮ "‬بنية اجتماعية‮" ‬وظيفية،‮ ‬قبل أن تكون إدارية بحتة،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬أن العمل الديمقراطي‮ ‬يتأسس على الفرد المواطن،‮ ‬وعلى الجهة وبالتالي‮ ‬على الوطن كوحدة‮.‬
والصيغة الدستورية‮ ‬يجب أن تعلن بلا مواربة،‮ ‬أن الجهة وحدة‮ ‬unité تدعم الوحدة‮ ‬L'unité الوطنية‮. ‬الألمان قرروا ذلك،‮ ‬من اعتبار الوحدة حق الدولة،‮ ‬والإدارة الترابية للجهة تفويض من شعب الإقليم أي‮ ‬تفويض من تحت ؛ وتفويض من فوق‮ ‬يسلم جزءا من إدارة السلطات،‮ ‬وليس من السلطات لإنجاح عمل الدولة،‮ ‬والسؤال‮ : ‬هل الجهة سلطة أم لا ؟‮.‬
الجهة سلطة ترابية‮ ‬يمارسها شعب الإقليم أو بنية ترابية‮ ‬يفوضها المركز بعض السلطات عبر الدستور‮.‬
إن انتخاب المسؤولين ورئيس الجهة‮ ‬يعني‮ ‬أننا أمام‮ "‬سلطة منتخبة‮" ‬فهل سيعترف الدستور بالجهة سلطة منتخبة باللفظ ؟
قد‮ ‬يكون هذا الإقرار مدعاة لاستقلال جهوي‮ ‬في‮ ‬القرار‮ ‬يمكِّنه من الطعن في‮ ‬قرار المركز،‮ ‬في‮ ‬حال وضوح الإجحاف‮. ‬واستيعابا لهذه الطعون ولغير هذه المهمة،‮ ‬أرى أن محكمة جهوية عليا،‮ ‬أو إدارية عليا ستدير الوضع بما‮ ‬يكفل للجميع الوصول إلى الأهداف السامية‮.‬
فهل‮ ‬يمكن أن نعرِّف الدولة بسلطها الجهوية ونقر بأن الجهة حق دستوري‮ ‬أصيل‮ ‬يستحيل التراجع عنه،‮ ‬أم‮ ‬يمكن للمركز اعتبار الجهة حكامة وإدارة فيكون حق الجهة‮ "‬مشروطا أو مفوضا أو منقولا‮".‬
ودسترة الحق الجهوي‮ ‬في‮ ‬كل الأحوال ضرورة‮ ‬يجب ألا‮ ‬يتراجع عنها النظام،‮ ‬وإلا تفتت المغرب‮.‬
إن صَهْرَ‮ ‬المغرب وذوبانه في‮ ‬بعضه البعض بنى دولة تتبنى اليوم الجهوية لتكريس الحكامة الترابية والحكامة الاقتصادية الاجتماعية‮. ‬لربح رهان التنمية ؛ والاعتراف بالذات الجهوية أفق للحداثة،‮ ‬لأن الديمقراطية تصنع للتعدد وحدته على أن خياراً‮ ‬آخر‮ ‬يصنع الوحدة انفجاراً‮ ‬للهوية نحو هويات صغرى،‮ ‬والجهوية ليست سوى اعتراف بالذات كما هي‮ ‬؟‮!‬

عبد الحميد العوني عدد 23 ل 8 ابريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق